أرسلت إدارة ترامب إشارات متضاربة حول الحد من البصمة العسكرية الأمريكية حول العالم وإطلاق تدخلات جديدة. إن سحب القوات الأمريكية من سوريا وأفغانستان هو رسمياً على أجندة الإدارة. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، ستنسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا خلال الأشهر القليلة القادمة.
في غضون ذلك، توصل ممثلو الولايات المتحدة وطالبان إلى اتفاق مؤقت في الدوحة، قطر. فوفقاً للعديد من وسائل الإعلام ستغادرالقوات الأميركية أفغانستان في غضون 18 شهراً، إذا ما توصل الجانبان إلى اتفاق نهائي.
وعلى الرغم من أن تنفيذ مخطط ترامب للانسحاب من سوريا وأفغانستان لا يزال غير واضح، إلا أن الرئيس الأمريكي يقول إن قراره نهائي. لكن وبالنظر إلى خلفية النقاش العام حول الانسحاب الوشيك لواشنطن من مناطق النزاع، يبدو أن البيت الأبيض يخطط حتى لتدخلات جديدة.
واشنطن موجودة في خلفية مشهد تغيير النظام في فنزويلا. وهي تتمتع حاليا بدعم من الاتحاد الأوروبي وغالبية دول أمريكا اللاتينية، وقد أسفرت عن وجه التدخل مرة أخرى. ومع ذلك، فإن التدخل الحالي ينطوي على عقوبات دبلوماسية واقتصادية فريدة من نوعها. فيوم الأحد، اعترفت وزارة الخارجية بـ"كارلوس ألفريدو فيتشيو"، ممثل زعيم المعارضة الفنزويلية المسمى "خوان غوايدو"، بأنه القائم بأعمال فنزويلا في الولايات المتحدة مما يعني أن وزير الخارجية الأمريكي لم يعد ينظر إلى حكومة "نيكولاس مادورو" كنظير دبلوماسي.
وألمح ذلك القرار إلى أن إدارة "مادورو"، التي تعتبر تجارة النفط مع الولايات المتحدة مصدرًا مهمًا للنقد، ستواجه ضغطًا أكبر. في الواقع، فرضت إدارة ترامب يوم الاثنين عقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية، ومنعت وصول "مادورو" إلى أصول مالية تقارب 7 مليارات دولار. ومما زاد الطين بلة، أن واشنطن أشارت إلى أنها لن تتوقف عند العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية. وقام مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بالتهديد بما سمّاه "ردٌّ كبير" ضد أي أعمال عنف تستهدف الموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين أو "غوايدو".
وقد زادت مثل هذه التهديدات العامة من جرأة زعيم المعارضة الفنزويلي، الذي لم يبذل جهدا كبيرا في الأسابيع الأخيرة لإخفاء تعاونه مع أصحاب المصلحة الدوليين. بعد أن تمكن "غوايدو" من الوصول إلى خزانة تمويل البلاد والاعتراف الدبلوماسي، يسعى إلى إسقاط مادورو من خلال تنظيم الاحتجاجات. وعلى ما يبدو فإنه يعتقد أن الجيش، أيضا، سوف يتأثر بتغيير النظام إذا قفزت قاعدة مادورو ذات الدخل المنخفض من السفينة. وقد وقّعت بالفعل كل من الحكومات الغربية ودول أمريكا اللاتينية على تلك الخطة.
إذا نجح "غوايدو"، فإن الغرب سيخبر العالم قصة خيالية عن "الثورة الديمقراطية" في فنزويلا. أما إذا فشل، فإن حرباً أهلية قد تقع. وكما تُظهر رحلة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" المثيرة للجدل إلى العاصمة المصرية القاهرة، فإن القوى التي تحث "مادورو" على التنحي لا تهتم كثيرا بتناسق الأحداث.
ومشهد الديمقراطية، الذي صمم لإضفاء الشرعية على الجنرال عبد الفتاح السيسي عندما أطاح بالرئيس المنتخب للبلاد، جاهز الآن لتطبيقه في فنزويلا.
كما أن الصين وروسيا اللتين تتمتعان باستثمارات اقتصادية كبيرة في فنزويلا، ليستا في وضع يمكنها من الاستجابة بفعالية لتغيير النظام في ذلك البلد. في الواقع، ألمحت بكين بالفعل إلى أنها مستعدة للعمل مع "غوايدو" إذا تمكن من الاستيلاء على السلطة.
وعلى الرغم من أن فنزويلا قد تصدرت عناوين الأخبار في الأيام الأخيرة، لكن إيران لا تزال البند الأهم في أجندة إدارة ترامب لعام 2019. وسوف يسافر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى وارسو، بولندا الشهر المقبل ليتحدث إلى المجتمع الدولي عن احتواء إيران وذلك في ما يسمى المؤتمر الوزاري لتشجيع مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط. وبالنتيجة ستُجبر إيران على اتخاذ قرار نهائي، حيث ينهار اقتصادها تحت العقوبات الأمريكية.
ورداً على ذلك يمكن لطهران تصعيد الصراعات الإقليمية. فالتّوترات بين إسرائيل وإيران على المسرح السوري يمكن أن تخرج عن السيطرة بسهولة. كما أن توقيع دمشق للتو على اتفاقية تعاون اقتصادي مع طهران وحزب الله برز كتهديد غير مباشر ضد تل أبيب وهو يُظهر مدى السرعة التي قد يتصاعد بها الوضع.
تسعى إدارة ترامب إلى وضع أسلوب جديد في الإستراتيجية الأمريكية الكبرى وذلك من خلال مزيج من الانسحابات والتدخلات الجديدة. نحن نعيش الآن في عالم "التدخل الانتقائي" ستعتمد فيه واشنطن بشكل أكبر على العقوبات الاقتصادية.