قام ثلاثة أعضاء من الدائرة الداخلية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب -وهم مستشار الأمن القومي جون بولتون والجنرال جوزيف دانفورد والممثل الخاص جيمس جيفري- بزيارة أنقرة يوم الثلاء لإجراء محادثات مع نظرائهم الأتراك بشأن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا. دعونا نؤكد أن تلك الزيارة لم تكن نزهةً في حديقة.
بالحكم على ما يقوم به وزير الخارجية مايك بومبيو وبولتون وما صرّحا به في الآونة الأخيرة، فإن هناك شيء مريب يحدث. لقد قام بولتون بوقفة خاطفة في العاصمة الإسرائيلية تل أبيب في طريقه إلى تركيا. وسيبدأ بومبيو جولة تستمر لمدة أسبوع في دول الخليج اليوم. تشير هذه التحركات إلى أن فريق السياسة الخارجية لترامب لا يزال ملتزماً باحتواء إيران وحماية شركاء أمريكا / المريحين، بما في ذلك تنظيم "ي ب ك" الإرهابي الذراع السورية لتنظيم ب كا كا.
رغم من تعهد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا في الشهر الماضي، لكن بعض أعضاء إدارته يحاولون إبطاء الأمور. والحقيقة أن عدم رغبتهم في تنفيذ قرارات سياسة ترامب يجعل هذه القرارات باطلة وملغاة. وعليه، يبدو أن وزير الدفاع "جيمس ماتيس" استقال من منصبه دون سبب وجيه.
وبسبب التوترات داخل الإدارة الأمريكية، تبدو إدارة ترامب غير قادرة على ابتكار سياسة طويلة الأمد في سوريا كما تبدو هذه الإدارة مرتبكة حول مغادرة مواقعها هناك. وبعد، فإن ثمة سياسة جديدة يتم رسمها في سوريا لا شك أنها تصلح لتكون سياسة جديدة في الشرق الأوسط.
يبدو أن ترامب وفريق سياسته الخارجية -بومبيو وبولتون وجيفري- لا يتعاملون بدقة مع سياسة الشرق الأوسط. فقد قال ترامب علناً إن إيران "تستطيع أن تفعل ما تشاء" في سوريا. بينما يحاول هؤلاء الأعضاء المتحدين من إدارته إثراء المشاعر المعادية لإيران في المنطقة. فلماذا يذهب بومبيو إذاً في رحلة لمدة أسبوع إلى الخليج؟ علاوة على ذلك، تبدو أجندة بومبيو أوسع من معالجة المخاوف الإسرائيلية والسعودية بشأن إيران. يبدو أن وزير الخارجية وبقية أعضاء الفريق على وشك اتباع سياسةٍ خاصة مع إيران بشكل مستقل عن ترامب.
من الواضح أن ما يعنيه ترامب بالاحتواء هو ليس ما قصده بومبيو بمطالبه الـ12 المشينة. فالبيت الأبيض يعتقد أن إعادة التفاوض حول الصفقة النووية أمر جيد ومقبول. ومن عجيب المفارقات أن نهج ترامب الحالي أكثر سلمية من سياسته السابقة مع إيران. ومع ذلك، فإن رجال الرئيس الأمريكي يتبعون سياسة الاحتواء الشامل مع إيران، لأنهم جميعاً من فصيل الصقور ضدها.
على الرغم من أن ترامب أبلغ كلاً من تركيا وروسيا وإيران بإنهاء مهمة قواته في سوريا، لا زال فريق سياسته الخارجية مشغولاً بإصدار بيانات تؤكد عدم قدرة تركيا على محاربة إرهاب داعش. إنهم يريدون توجيه القوات التركية والتحكم فيها في المنطقة التي تسيطر عليها ميليشيا "ي ب ك". وبعبارة أخرى، يريدون من تركيا أن تقاتل داعش دون أن يكون لها موطئ قدم في شمال شرق سوريا.
بينما يتعهد المسؤولون الأمريكيون بحماية الأكراد السوريين من "مذبحة" وهمية من قبل الأتراك، تنتقد بعض وكالات الأنباء طلبًا تركيًا من الولايات المتحدة للحصول على الدعم اللوجستي في حربها الجديدة ضد داعش.
وتحت الضغوطات الداخلية الهائلة، بدأ ترامب في تقديم التنازلات. ففي الأيام الأخيرة، تراجع الرئيس الأمريكي عن تعهده السابق بالانسحاب الفوري من سوريا. كما أدخل فريق سياسته الخارجية شروطًا لسحب القوات الأمريكية من هناك، لا يسع المرء إلا أن يتساءل ما إذا كانت البيروقراطية الأمريكية قد عكست قرارًا من جانب رئيس الولايات المتحدة. فهل عدنا إلى المربع الأول؟
وفقا لتصريحات بعض أعضاء مجلس الشيوخ وكبار المسؤولين، ستهزم واشنطن داعش، وتحمي تنظيم "ب ك ك"، وتحتوي إيران!! حتى لو مضى ترامب في الانسحاب السوري، يتساءل الخبراء كيف من المفترض أن تحقق الولايات المتحدة هذه الأهداف، التي ثبت أنها مستحيلة حتى الآن، من دون تواجد عسكري على الأرض.
إن سحب القوات ووضع أهداف تتعارض مع الحقائق على الأرض هي وصفة كارثية. وبالمثل، فإن مطالبة تركيا بتوجيه الضربات إلى داعش في سوريا وحثها على عدم استهداف عملاء منظمة إرهابية معينة، هي مشكلة خطيرة.
إذاً لا بدّ لتركيا والولايات المتحدة من التفاوض على جدول زمني وخريطة طريق محددة. ومع ذلك، لا يمكن أن يتوقع من تركيا أن تقاتل داعش بفاعلية ما لم تسلم الولايات المتحدة بعض قواعدها العسكرية في شمال سوريا إلى القوات التركية وأن تؤسس أنقرة تواجد على الأرض هناك، مما يعني أن مقاتلي "ي ب ك" سيضطرون، على الأقل، إلى مغادرة بعض المناطق التي يسيطرون عليها حاليا.
لم يكن مستبعداً كثيراً، أن يقوم رجال الرئيس الأمريكي بإجراء تحركات جديدة لسحب قرار واشنطن في مغادرة سوريا، وتقويض البيت الأبيض في سياسته تلك. وهناك احتمال قوي بأنهم سيشنون هجوماً دبلوماسياً ضد تقليص التواجد العسكري والذي قد يتضمن هجومًا شاملًا على عملية أستانا، تلك التي قال جيفري عنها في الشهر الماضي إنها يجب أن تنتهي.
رجال السياسة الأمريكية الذين تحدوا ترامب قد تنحوا بالفعل. ومع ذلك، يبدو أن الفريق الحالي للرئيس الأمريكي أكثر اهتماما بأرجحة القيادة والتلاعب بها من تطبيق قرارات ترامب. إنهم يحاولون يائسين تقويض سلطة البيت الأبيض من خلال اللعب بعامل الوقت واتخاذ خطوات جديدة. دعونا ننتظر ونرى ما إذا كان ترامب لديه المزيد من الحيل في جعبته.