يصل الرئيس رجب طيب أردوغان إلى نيويورك هذا الأسبوع ويعقد عدداً كبيراً من اللقاءات الثنائية، ويلقي خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبالنظر إلى أن أردوغان سيتحدث مباشرة بعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنه سيكون من المثير للاهتمام مقارنة كلام الزعيمين. طبعاً، بالإمكان إجراء المقارنة بالاستناد إلى أداء أردوغان وترامب في السياسة الخارجية بدون الاستماع إلى خطابيهما أولاً.
سيزور الرئيس التركي نيويورك كمهندس فخور لاتفاق إدلب الذي أوقف عدواناً دموياً للنظام، والذي لم يستطيع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش فعل شيء حياله سوى التعبير عن القلق من مأساة إنسانية محتملة. لقد كان أردوغان هو من قام بالمهمة الضرورية وأقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد حال دون وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين ومنع حصول موجة لجوء سورية ثانية.
في الوقت نفسه، تحملت تركيا عبء مسؤولية ضخمة في القتال ضد الإرهاب عبر تسهيل تأسيس منطقة منزوعة السلاح، تماماً كما فعلت عندما أنشأت جيوباً في أعزاز وجرابلس وعفرين للمدنيين السوريين من خلال استهداف داعش ومسلحي وحدات حماية الشعب (ي ب ك). إن جهود البلاد الأخيرة أثبتت من جديد أنها كانت ملتزمة بصدق وفعالية بحل في سوريا، في الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة عديمة الجدوى، والدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، كانت تحاول تقويض أي حل.
سيظهر أردوغان أمام الجمعية العامة بمستوى أكبر من الثقة بالنفس والمشروعية، بفضل أحدث إنجازاته، وسيواصل انتقاد نظام الأمم المتحدة. فشعاره " العالم أكبر من خمسة" ليس مجرد قول مأثور، بل يعكس السعي للإعلاء من القيم الإنسانية، وتصحيح الظلم الكامن في النظام الدولي القائم. إن تركيا التي تظل المانح الأكبر في العالم للمساعدات الإنسانية، تدعم أقوالها بالأفعال.
نظام الأمم المتحدة، الذي وضعه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، يفشل في أن يطور نظاماً عادلاً. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة ترى نفسها منظمة عالمية تسعى لتوفير العدالة والأمن والتطور الاقتصادي والمساواة الاجتماعية، فإنه يبدو أن الجميع متفق على أنها لم تكن قادرة على تحقيق هذه الأهداف، والأزمة السورية تشهد لهذه الحقيقة.
في الحقيقة، تم تأسيس الأمم المتحدة لحماية مصالح الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا، ولإنشاء توازن قوى فيما بينهم. ورغم إعاقته بقوة الفيتو، فإن مجلس الأمن يبدو أنه يحمي مصالح أعضائه الدائمين بدرجة ما. إلا أنه من الصعب القول إن الأمر ذاته ينسحب على بقية الإنسانية، ولهذا السبب يسعى أردوغان عبر مقترحه للإصلاح لحماية حقوق جميع الدول الأخرى. ومع أن دولاً مثل الهند واليابان وألمانيا تعد من بين الدعاة لتعديل نظام الأمم المتحدة، فإن الرئيس التركي أردوغان كان المطالب الأعلى صوتاً بإجراء إصلاحات، وانتقد علناً الإدارة الأمريكية وأعضاء مجلس الأمن الدولي.
وفي ظل مجلس أمن عاجز عن الاستجابة للأزمات الدولية الرئيسية، فإن الرئيس التركي استخدم الجمعية العامة لرفع الوعي في جميع أنحاء العالم. في كانون الأول/ ديسمبر 2017، قام بتوحيد الغالبية العظمى من الدول الأعضاء ضد خطة إدارة ترامب لتغيير الوضع التاريخي لمدينة القدس، بالرغم من تهديدات واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية.
وعلى النقيض من ذلك، الرئيس ترامب، الذي سيتوجه بخطاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل الزعيم التركي، انكب على تقويض نظام الأمم المتحدة الذي قامت الولايات المتحدة نفسها بوضعه. فهو يواصل إلغاء اتفاقيات متعددة الأطراف، مثل الشراكة والتجارة عبر المحيط الأطلسي، واتفاق باريخ للمناخ، واتفاق إيران النووي، ويشكك في المنظمات الدولية بما فيها الناتو ومنظمة التجارة العالمية.
وبالإضافة إلى اتهامه القوى العسكرية الحليفة للولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي وألمانيا وتركيا بالتمتع بمزايا، يتهم ترامب أيضاً الصين والاتحاد الأوروبي بسرقة الولايات المتحدة عبر اتفاقيات تجارية غير عادلة. في نفس الوقت تحاول الإدارة الأمريكية الانسحاب من كيانات عديدة تابعة للأمم المتحدة متخلية عن مسؤولياتها، وفي هذا الصدد يقفز إلى الذهن كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمتي اليونسكو والأونروا.
يريد الرئيس ترامب إعادة بناء النظام الدولي بالاستناد إلى المصالح الأمريكية فحسب، كما هو مطروح في شعاره أمريكا أولاً. لكن تركيا، وعلى النقيض من ذلك، تدعو إلى نظام دولي جديد يهدف إلى حماية مصالح جميع الدول ويشجع الأمم المتحدة على اتخاذ الخطوات الضرورية. باختصار، هذا هو الفرق بين مقاربتي أردوغان البناءة وترامب الهدامة.