تحولت مسألة مقاضاة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المحتملة إلى موضوع نقاش ساخن، في الوقت الذي أدلى فيه محاميه السابق، مايكل كوهن، بسلسلة من الاعترافات الصادمة. وللتوضيح، يواجه الرئيس الأمريكي تهديداً متواصلاً بالملاحقة القضائية منذ انتخابه بسبب التدخل الروسي في السباق الرئاسي، ومزاعم التعاون بين ترامب والمسؤولين الروس لضرب مصداقية هيلاري كلنتون، وأيضاً الأكاذيب التي أفادت بأن الإدارة الأمريكية كشفت عن ما حصل.
حتى الآن، استهدف التحقيق عدداً من مستشاري ترامب، الذين أجبروا على المثول أمام المحكمة. وقد أدين مدير حملته السابق، بول مانفورت، بالتزوير والتهرب الضريبي، فيما أقر كوهن أخيراً بأنه انتهك قوانين تمويل الحملات الانتخابية من خلال دفع الأموال لسيدتين كانتا، بحسب ما تقولان، على علاقة مع ترامب.
تمكن ترامب خلال الشهور الماضية من حماية نفسه من المحققين، من خلال الادعاء بأنه لم يكن على علم بما حصل، أو من خلال اتهام خصومه بالكذب، والحقيقة أنه أدار ظهره حتى لابنه عندما وصل الأمر بالأخير إلى إجراء اتصالات مع المسؤولين الروس. ولكن يبدو أن المحققين يحشرونه ببطء في الزاوية، وقد اضطر ترامب، قبيل الانتخابات النصفية، إلى إعلان أن الاقتصاد الأمريكي سينهار في حال توجه المحققون نحوه.
سارعت وسائل الإعلام الأمريكية إلى وصف يوم الثلاثاء الأخير بأنه أسوأ أيام الرئيس في المنصب، وبحسب إعلام المعارضين له، فإن ما حدث ليس إلا بداية النهاية لترامب، الذي ظهر على غلاف مجلة تايم، وهو يغرق في المكتب البيضاوي. في هذه الأثناء، قال رودي جولياني، محامي ترامب، إن ملاحقة موكله ستؤدي إلى انتفاضة.
وعلى الرغم من أن شهادة كوهن تركت ترامب غير محصن أمام الاتهامات بارتكاب جرائم من خلال دفع أموال لنجمتين إباحيتين، فإن ترامب سيكون أيضاً هدفاً مباشراً على الأرجح لتحقيقات التدخل الروسي، كما أن تحقيق مولر قد يوجه ضربة قاضية لرئاسة ترامب.
تريد المؤسسة (الدولة) في واشنطن من الرئيس ترامب أن يقتفي أثر ريتشارد نيكسون والتنحي لتسهيل عملية نقل السلطة إلى نائب الرئيس مايك بنس. فحتى إن فاز الديمقراطيون بانتخابات التجديد النصفي بأغلبية ساحقة لن يتمكنوا على الأرجح من إجبار ترامب على ترك المنصب.
في ظل هذه الظروف، فإن ترامب الجريء سيقضي بقية ولايته، على الأرجح، تحت خطر الملاحقة والاضطراب الدائم.
وسواء تمت ملاحقة ترامب أم لا، فإنه سيتعين على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الآثار السلبية الجانبية لعملية الملاحقة، والرئيس المستعد للقتال في معركة سياسية، ليس عازماً على التخلي عن المنصب، وبدلاً من ذلك، لا زال يواصل القيام بتحركات جديدة أملاً بالنجاة.
وبناء على ذلك، لا يمكن التمييز بين تصريحات ترامب المتهورة وسياسته الخارجية العدوانية وبين هذا القلق الرئيسي. ولكي يبقي على حشد قاعدته الشعبية ليس أمامه من خيار سوى الإتيان بمسائل جديدة، فحروب ترامب الكلامية الأخيرة مع كوريا الشمالية والصين وإيران وتركيا، ناهيك عن قراره المثير للجدل بشأن القدس، تتصل بصورة مباشرة بهذا الهدف. كما أن معركة ترامب للنجاة لم تعد شكلاً من أشكال الاضطراب الذي يقتصر على السياسة الأمريكية فحسب، بل تعلن عن حقبة جديدة من الفوضى العالمية.
بالطبع، جهود إدارة ترامب لإعادة صياغة السياسة الأمريكية الخارجية هي عبارة عن استمرار لخطوات إدارة أوباما بشأن مراجعة الدور العالمي لواشنطن. إلا أن تأثير ترامب يذهب أبعد من مجرد مغامرات رجل أعمال يريد إعادة التفاوض على اتفاقيات قديمة، فهو يربط بين معركته الداخلية من أجل البقاء مع قرارات سياسة خارجية منطقية.
والأنكى من ذلك، أنه ما من سبب يدعو للاعتقاد بأنه سيجري أي تغيير في مساره، وفوق كل ذلك، فإن "أمريكا أولاً" شعار حملة انتخابية قادر على شرعنة جميع أنواع الأخطاء الفادحة في السياسة الخارجية.
وفي هذه النقطة، فإن قادة جميع دول العالم مجبرون على تحليل جوانب خطر ملاحقة ترامب على تعاملاتهم مع الولايات المتحدة.
لقد كانت مشاكل الإدارة الأمريكية الأخيرة مع تركيا جزءاً من قرار واع اتخذ من قبل الرئيس ترامب. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أجل الأزمة مدة 18 شهراً من خلال الدبلوماسية، إلا أن ترامب في النهاية اختار أن يحول اعتقال أندرو برونسون إلى مأزق.
نجد أنفسنا اليوم في وضع حيث يتوجب علينا منع حدوث معركة من الكلمات بين الرئيسين، قبل انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة. يجب علينا أن نحافظ على التوترات تحت السيطرة حتى يجد ترامب له قضية أخرى يهتم بها ودولة أخرى يتصارع معها.