تتصاعد التوترات مجدداً بين تركيا والولايات المتحدة، في الوقت الذي يحاول فيه أعضاء في الكونغرس الحد من قدرة أنقرة على الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، عازين ذلك إلى قرار محكمة تركية بالإبقاء على القس أندرو برونسون وراء القضبان. لقد بات من الواضح أن هذه القضية ستوتر العلاقات التركية – الأمريكية، وذلك عندما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشل تركيا في الإفراج عن برونسون بأنه "عار"، ودعا نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، إلى "فعل شيء".
تحت ضغط الإنجيليين، يريد الرئيس ترامب ضمان إطلاق سراح برونسون قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني، فاعتقال القس في تركيا قد يكون قضية رئيسية خلال الحملة الانتخابية، التي ستبدأ في أواخر أغسطس/ آب، والانتخابات القادمة تجعل من المهم للغاية إدارة التوترات الثنائية. بيد أن الفشل في الإبقاء على عدة قضايا منفصلة عن بعضها يجعل تطبيع العلاقات أصعب.
في هذه الأثناء، يسعى مجلس الشيوخ الأمريكي جاهداً لمعاقبة تركيا، وهناك جهد مستمر لربط قرار أنقرة بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 بتسليم مقاتلات إف-35 للجيش التركي، وأيضاً وضع القس برونسون.
وفي يونيو/ حزيران، زار السيناتوران الأمريكيان، ليندسي غراهام وجينا شاهين، تركيا لمناقشة هذه القضية مع الرئيس أردوغان. كان السيناتوران يأملان بإطلاق سراح برونسون هذا الشهر، إلا أن المحكمة رفضت طلباً بالإفراج عنه وحددت موعد الجلسة القادمة في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، ذروة الحملة الانتخابية للرئيس ترامب.
بالطبع، تركيا تتابع عن كثب الجهود المبذولة لتعطيل تطبيع العلاقات. كما أن الأتراك قلقون بشدة بشأن عدم التقدم فيما يتعلق بمنظمة غولن الإرهابية، والتي انكبت عليها مجموعة العمل الثالثة. لا يغيب عن المسؤولين الأتراك محاولات واشنطن للمماطلة في تسليم فتح الله غولن في الوقت الذي تدفع فيه باتجاه الإفراج عن برونسون. في هذه الأثناء، يجري مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تحقيقاً حول نشاطات إجرامية لمنظمة غولن بما في ذلك شبكة مدارس "الميثاق" التابعة لها في الولايات المتحدة.
في الأشهر الأخيرة، لم يقم المسؤولون الأمريكيون بفعل شيء سوى التمسك بنقاطهم حول نقص الأدلة الكافية لربط غولن بمحاولة 15 تموز الانقلابية في تركيا. حتى مجموعة العمل الثالثة يبدو أنها تعمل بطريقة غير متوازية. في مطلع الأسبوع الماضي، قدم 6 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مسودة قرار يسعى للحد من قدرة تركيا للوصول إلى قروض المؤسسات المالية الدولية "حتى تنهي الحكومة التركية الاعتقال الظالم لمواطنين أمريكيين". ومجدداً يبدو أنه ثمة مشاكل في تطبيق خارطة طريق منبج. الوضع الحالي يبرهن أن عملية التطبيع التي أطلقتها تركيا والولايات المتحدة عبر تشكيل 4 مجموعات عمل في فبراير/ شباط لن تكون نزهة.
وفي قلب المشكلة يكمن افتراض واشنطن الخاطئ بأن المفاوضين الأمريكيين والأتراك ليسوا متساوين في القوة. هذه المشكلة تنشأ عن مساعي بعض المجموعات في واشنطن على الرغم من التزام الرئيسين دونالد ترامب وأردوغان بالعمل سوية. إن الخليط السام من مشاعر العداء لتركيا والقومية الأمريكية في مجلس الشيوخ يجعل من الصعب الوصول إلى حل قبل انتخابات التجديد النصفي.
إن العقبة الرئيسية أمام التطبيع هي فشل الولايات المتحدة في تقدير موقف الرأي العام التركي من محاولة 15 تموز الانقلابية ومنظمة غولن الإرهابية. لا يبدو أن صانعي السياسة الأمريكيين، المحبطين من اعتقال برونسون، يفهمون إلى أي حد وصلت مشاعر العداء لمنظمة غولن في تركيا. إن المخاوف الأمريكية بشأن "أسر" برونسون تسير جنباً إلى جنب مع الإحباط التركي من إيواء واشنطن لعدو للدولة.
تسعى إدارة ترامب لمنع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من خلق أزمة جديدة في العلاقات الثنائية من خلال وضع جميع القضايا المتعلقة بتركيا في سلة واحدة. فتحذيرات وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس بشأن صفقة إف-35 وجهود وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تصبان في اتجاه هذا الهدف. بيد أن بعض المجموعات تسعى لتغذية التوترات بالإشارة إلى قضية برونسون بدلاً من قضية إس-400 أو إف-35، فيما يريد أعضاء مجلس الشيوخ لعب دور بالتوازي عبر طرح الأسئلة.
السؤال هو كالتالي: هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على حماية علاقاتها من الانتخابات النصفية؟ ينبغي أن لا تقودنا قضية برونسون إلى طريق مسدود، آخذين في الحسبان رغبة واشنطن في معالجة مشاكلها مع تركيا عبر التعاون بعد انتخابات 24 يونيو/ حزيران.
مفتاح التطبيع هو قبول حقيقة أن التحالف التركي- الأمريكي لا يمكن أن يستمر في ظل الشعور الدائم بعدم التكافؤ، وأن التعتيم على الشواغل الأمنية والمصالح الوطنية للحلفاء لن يؤدي إلا إلى الإضرار بالعلاقات.