مع أن داعش استطاع مؤخراً تنفيذ هجمات كبيرة في مانشستر وكابول، إلا أن التنظيم يخسر حربه في سوريا والعراق. وها هو التنظيم الذي أعلن إقامة الخلافة يضطر إلى الرحيل عن الأراضي التي كان يبسط سيطرته عليها. وبينما تدور معركة حول من سيحل محل داعش، نرى المقاتلين في محاولة دؤوبة لإشراك أنفسهم.
من اللافت أهمية تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي أشار فيها إلى تحالف بين تنظيمي داعش و"ي ب ك". حيث قال لافروف للإعلام إن المقاتلات الروسية قصفت مقاتلين من داعش أثناء فرارهم من مدينة الرقة بإذن من تنظيم "ي ب ك"، في محاولة لوصول مدينة تدمر. من الواضح أن "ي ب ك" يحاول خفض تكاليف العملية في الرقة. وفي المقابل، يسعى تنظيم داعش إلى نقل مقاتليه إلى حماة وحمص والمحافظات الجنوبية. بينما يحاول النظام، الذي سيطر مؤخراً على سد الطبقة والتلال المحيطة بتدمر، التقدم إلى دير الزور. وبطبيعة الحال، كان الروس يستهدفون مقاتلي داعش لإبعاد أي خطر محتمل على قوات النظام في الجنوب.
ولا تزال روسيا ونظام الأسد ينتظران انضمام قوات الحشد الشعبي المدعومة إيرانيا، والقادمة من خلف الحدود العراقية السورية. حيث قال المتحدث باسم الحشد الشعبي، كريم النوري، يوم الاثنين الماضي، إن الحشد مستعد للحرب ضد داعش إلى جانب نظام الأسد. ومنذ أن قصفت الولايات المتحدة قافلة للنظام لحماية المعارضة قرب الحدود السورية الأردنية، أصبح الخيار الوحيد هو التوجه نحو دير الزور. حيث بدأ التوتر بين اللاعبين الأساسيين في الساحة السورية (روسيا وإيران والولايات المتحدة) وبين أدواتهم في المنطقة (بشار الأسد والحشد الشعبي وتنظيم "ي ب ك").
إستراتيجية الحرب على داعش تتمحور حول تحرير الرقة والموصل، وفصل خطوط التنظيم في سوريا والعراق. وبينما يتم العمل باتجاه هذا الهدف، يبرز اهتمام جميع الأطراف بدير الزور. ففي حال استطاع نظام الأسد الذي يسيطر على مركز دير الزور التوسع للقاء الحشد الشعبي على الحدود العراقية، فهذا يعني أن الإيرانيين استطاعوا خلق ممر شيعي بين سوريا والعراق. وهو ما يعني بالضرورة دق ناقوس الخطر في واشنطن التي تعمل جاهدة على عزل وتحجيم إيران. كما أن الممر الذي يتشكل عبر العراق وسوريا ولبنان سيزعج بلا شك كلا من إسرائيل ودول الخليج العربي. لذا فإن الحرب على دير الزور أكبر من داعش. فكل القوى الفاعلة في الأزمة السورية تراقب عن كثب مجريات الأحداث في دير الزور، بما في ذلك تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة.
الولايات المتحدة قد تسعى للاستفادة من تنظيم "ب ي د" لمنع إيران من تشكيل الممر الذي تصبو إليه. ففي الأشهر الأخيرة شاع حديث عن دعم أمريكي لحزب الحياة الحرة الكردستاني "بجاك" المعارض والذي يعتبر الامتداد الإيراني لتنظيم "بي كا كا"، في سبيل تقويض إيران. والاشتباك الذي وقع بين مقاتلي التنظيم والجيش الإيراني، الأسبوع الماضي، والذي راح ضحيته جنديان إيرانيان، قد يكون مؤشراً على تطورات لاحقة. إن كانت هذه التحركات جزءاً من خطة أمريكية جديدة للمنطقة، فإن هناك احتمالا بأن ينتهي الأمر باصطفاف "بي كا كا" وتفرعاتها في سوريا "ي ب ك" و "بجاك" ضد إيران ونظام الأسد.
ومع ذلك، لا يتوقع أن تتمكن خطة واشنطن لاستخدام "بي كا كا" ضد إيران من إيقاف أدواتها في المنطقة (نظام الأسد والحشد الشعبي). ولا داعي للتذكير بأن "ي ب ك" قد تمكن من بناء كانتونات في شمال سوريا بفضل الدعم غير المباشر من إيران والنظام السوري. كما أنه من غير المحتمل أن ينخرط التنظيم في حرب مع إيران، بينما هو يواصل حربه على تركيا.
وعلى الرغم من أن الأمريكيين يفضلون الركون إلى الظن بأن تسليح "ي ب ك" هو الحل لكل مشكلاتهم، فإن الحقيقة تقول إن التنظيم لن يكون قادراً على إدارة كل هذا العبء الملقى عليه. لذلك فإن خطة ترامب القاضية بإيكال الحرب على داعش إلى تنظيم "ي ب ك" وتحجيم إيران تحتاج إلى مراجعة كبيرة. وإلا فإن التاريخ سيسجل إدارته في صفحة الفشل الذريع.