توقع العديد من المراقبين الأتراك بدء العملية البرية لتحرير الموصل من داعش قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، ليكون ذلك تقوية لموقف مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، في مواجهة منافسها دونالد ترامب.
وعلى الرغم من أن إشارة بدء المعركة قد أطلقها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إنما لا يكاد يخفى على أحد أن الولايات المتحدة هي من يقف خلف ستارة المشهد. إن حقيقة توظيف إدارة أوباما لعملية الموصل كنقطة تحول في الحملة الانتخابية للقول بهزيمة داعش، يشير إلى الحاجة الملحة التي تشعر بها الإدارة الأمريكية إلى منح كلينتون وقاية إضافية في المرحلة الانتخابية الأخيرة.
وجدير بالذكر تصريحات وزير الدفاع الأمريكي التي اعتبر فيها تحرير دابق من داعش على يد الجيش السوري الحر "قوة دافعة جديدة" للحملة ضد داعش. فإلى جانب محاولات إبهار الرأي العام الأمريكي والتأثير فيه ، يبدو أننا قد وصلنا مرحلة حرجة في العراق وسوريا. فبعد تحرير الموصل، ستكون الرقة المحطة التالية.
ولمعالجة مخاوف العراق (أي إيران) وتركيا، قدمت واشنطن تنازلاً: إذ وعدت بغداد بإشراك الجيش والشرطة العراقيين فقط في دخول الموصل، وذلك خلال تحديدها قائمة خدمات متطوعي نينوى المحليين والبيشمركة. وبقي دور تنظيم بي كا كا غير محدد، وهو ما يعني أن توازن القوى الهش قد يتعرض للانهيار في الأسابيع القليلة القادمة.
اللاعبون المحليون يخلقون مجالات تأثيرهم الخاصة خارج الموصل، والسؤال الذي لا يزال قائماً هو: هل تستطيع الولايات المتحدة إبقاء قوات الحشد الشعبي بعيدة عن مركز مدينة الموصل؟ كما أنه من المجهول إن كان الجيش العراقي الذي تتشكل أغلبيته من الشيعة راغباً في إجلاء السنة عن المدينة.
وبالإشارة إلى أن إدارة أوباما فشلت في حفظ وعودها بمنع تنظيم "ي ب ك" من التقدم إلى غرب الفرات بعد تحرير منبج، فإن العديد من المراقبين قلقون من أن العبادي قد يتبع خطا سلفه في ترجيح الخلاف الطائفي على الوحدة الوطنية.
في هذا الوقت، ترفض تركيا أن تحتفظ بدور المشاهد لعملية الموصل. فقد قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في وقت سابق هذا الأسبوع: "إننا سنكون جزءاً من العملية، وسنجلس إلى طاولة المفاوضات". كما طلب من القادة الدوليين الاطلاع على الميثاق الوطني، وهو سلسلة من القرارات التي اتخذها البرلمان العثماني، لفهم أهمية الموصل بالنسبة إلى تركيا. وأضاف أردوغان: "لدينا إخوة في الموصل وأقارب في شمالها قرب الحدود". تصريحات أردوغان كانت تشير إلى أن تركيا ستواصل تدريب القوات المحلية في معسكر بعشيقة، وستشارك في العملية العسكرية من خلال قوات البيشمركة وحرس نينوى.
وقبل اتخاذ خطوة أخرى في المشاركة في العملية، ستراقب تركيا المشهد لمعرفة ما إذا كان الجيش العراقي سيستهدف المجتمع السني، وما إذا كان تنظيم بي كا كا سيحاول توسيع مناطق نفوذه. في هذه الحالتين، قد تشعر تركيا أنها ملزمة بفعل المزيد.
في هذه الحالة المتقدمة، تركيا قد تحارب تنظيم بي كا كا وارتباطاته في العراق وسوريا بشكل أكثر فعالية، وقد تبدأ باستهداف تنظيم "ي ب ك" في غرب الفرات، وتل أبيض السورية، واستهداف قادة بي كا كا في قنديل والإرهابيين في سنجار. هذا في الوقت الذي تتقدم فيه قوات الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا إلى منطقة الباب، لتوسيع رقعة المنطقة الآمنة التي تفرض كأمر واقع.
ومع استمرار معركة الموصل، يحاول صناع السياسات أن يتوصلوا إلى ما يمكن أن تعنيه هزيمة داعش بالنسبة إلى حاضر ومستقبل المنطقة. إن السيناريو المتوقع في هذه المرحلة، هو أن يحاول مقاتلو داعش الانضمام إلى صفوف تنظيمات أصولية أخرى والتغلغل فيها للقيام بهجمات أكثر همجية. وبعد التخلص من داعش، سيتوجه المجتمع الدولي للحرب على جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية. ما على الجميع إدراكه اليوم، هو أنه من غير الممكن الحديث عن هزيمة طويلة لداعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ما دام العرب السنّة غير ممثلين بشكل عادل في حكومات وطنية في سوريا والعراق.