عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مشاركته في قمة العشرين المنعقدة في الصين، العديد من اللقاءات مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، دارت في معظمها حول القضايا الساخنة في السياسات الخارجية التركية. وخلال الاجتماعات، ركز أردوغان بشكل خاص على المقاومة الديمقراطية لمحاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو والحرب على الإرهاب. كما تضمنت الحوارات قضايا أخرى من بينها قضايا المفاعل النووي الثالث (مع الصين)، ومشروع السيل التركي ومستقبل سوريا (مع روسيا)، وقضايا اللاجئين وتحرير فيزا الشينغن للأتراك (مع ألمانيا)، والموقف من تنظيم "ب ي د" وإعادة فتح الله غولن، زعيم تنظيم غولن الإرهابي (مع الولايات المتحدة).
حازت حرب تركيا على داعش على طول الشريط الواصل بين أعزيز وجرابلس على قبول عام من قادة العالم. ومع ذلك تحاول الدول تخمين المدى التي ستذهب إليه تركيا في عملياتها، لضمان عدم لحاق الأذى بالمجموعات التي تدعمها في سوريا. فروسيا لا تريد للجيش السوري الحر أن يسيطر على بلدة الباب ويضع الأسد في موقف صعب في حلب. أما الولايات المتحدة فتحاول أن تمنع هزيمة تنظيم "ي ب ك" على يد تركيا مباشرة، أو عن طريق الجيش الحر.
وبناء على المفاوضات التي جرت في قمة العشرين، والتطورات الأخيرة، يمكن الخلاص إلى النتائج التالية:
وسع أردوغان من إطار عملية درع الفرات من خلال تأكيده أثناء القمة على أن تركيا لن تقبل بإنشاء "شريط للإرهاب" على حدودها الجنوبية مع سوريا. وفي اليوم الثاني عشر من العملية، وحدت قوات الجيش السوري الحر الخط الواصل بين أعزاز وجرابلس. ما يعني أنه لم يتبق لداعش أي تماس مع الحدود مع تركيا. الخطوة التالية تتمثل في التقدم لتوسيع هذا الخط باتجاه الجنوب. وهدف العملية ليس مجرد تطهير خط أعزاز- جرابلس من داعش ومنع تشكيل ممر لتنظيم "ب ي د". بل إن الهدف الأساسي هو القضاء على وجود جميع التنظيمات الإرهابية بما في ذلك "بي كا كا" قرب الحدود السورية. إن حساسية الموقف تظهر بشكل واضح للعيان إذا تذكرنا أن آخر الانتحاريين التابعين لتنظيم بي كا كا، جاء من المناطق التي يسيطر عليها تنظيما "ي ب ك" و"ب ي د".
ستواصل تركيا تأجيل شن عمليات على المناطق التي يسيطر عليها "ي ب ك" و"ب ي د". فقد يساهم خروج نظام الأسد بشكل كامل من الحسكة في الدفع باتجاه التوجه نحو المناطق المتفرقة التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي. وإن لم تنجح الولايات المتحدة في إقناع "ي ب ك" و"ب ي د" في الانسحاب إلى شرق الفرات، فقد ينمو الصراع بين العرب والأكراد في تنظيم قوات سوريا الديمقراطية. كما قد تنتشر الاشتباكات بين الجيش السوري الحر وتنظيم ب ي د.
عملية درع الفرات كانت كفيلة برفع الحراك السياسي للحل في سوريا. ففي البداية، حركت لاعبي الصف الأول. حاصرت قوات روسيا والنظام مركز مدينة حلب وشنوا قصفاً عنيفاً. وبعيداً عن جرابلس، يتقدم الجيش السوري الحر في حماة. وقد رفع تنظيما ي ب ك وبي كا كا من وتيرة الهجمات الإرهابية لإشغال تركيا عن سوريا بقضاياها الداخلية. وبدء زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديميرطاش، بالحديث عن "المقاومة المدنية" التي ستحرك الجماهير بذريعة الاحتجاج على الوضع الصحي لعبد الله أوجلان، زعيم بي كا كا السجين.
من الواضح أن الولايات المتحدة وروسيا تقتربان من تطبيق وقف إطلاق للنار في سوريا. وفي الوقت الذي بدأت فيه سوريا بالتخلص من ضغط داعش، ستأخذ محادثات السلام دفعة إيجابية إلى الأمام. وفي حال هزيمة داعش في بلدة الباب، بعد منبج، فإن التنظيم سيضطر للتراجع إلى منطقة الرقة ودير الزور وحمص، وستنقطع صلاته بحلب انقطاعاً تاماً. وهذا يعني الاقتراب من المرحلة الأخيرة للقضاء على وجود داعش في سوريا.
مصير حلب سيحدد شكل ووضع سوريا الجديد. فمن يسيطر على حلب سيكون المسيطر على المناطق الوسطى والجنوبية من سوريا، التي سيتم تطهيرها من داعش. ومع أن الولايات المتحدة قادت "ي ب ك" إلى الرقة، إلا أن المنطقة ستخضع في النهاية لسيطرة أحد الطرفين، نظام الأسد أو الجيش السوري الحر. وهو ما قد يحدد موازنات القوى بين الأسد والمعارضة على طاولة المفاوضات.
روسيا لا تعارض سيطرة الجيش الحر على شمال سوريا بدعم من تركيا. لكنها تريد المراهنة على مستقبل حلب. كما تريد للمعارضة أن تتراجع في حلب، وتريد من تركيا القبول بذلك. إلا أن تركيا لن تقبل بهذا الوضع، ولن تسمح للمعارضة بالقبول به. ستستخدم روسيا القوة من جديد لفرض ذلك، وستعيد القصف.
من وجهة نظري، أعادت عملية درع الفرات تحريك المعادلة في سوريا، وزادت من تسارع العملية السياسية. كما أصبح من الواضح أن ضبط تركيا لمحاولة الانقلاب في الخامس عشر من يوليو الماضي، قد شدد من قبضتها وسيطرتها في الحرب على الإرهاب في سوريا وشمال العراق.