تطمح تركيا لترك بصمتها على قمة مجموعة العشرين، التي تنعقد على مستوى رؤساء الدول. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يؤمن بأن القمة المنعقدة في أنطاليا سوف ترسم خارطة الطريق للقمم اللاحقة. فبالإضافة الى أهمية القرارات التي تتخذ خلال القمة، فإني اعتقد بأهمية المفاوضات الثنائية التي تدور بين القادة خلالها. فالحوارات الثنائية التي جرت بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، والسعودي الملك سلمان، في غاية الاهمية من حيث مستقبل العلاقات الثنائية بين الدول الثلاث.
ان السبب الذي يجعل هذه القمة في غاية الأهمية بالنسبة لتركيا، لا يكمن فقط في الحديث عن الحرب على تنظيم الدولة (داعش)، أو القضايا الأخرى المطروحة على أجندة القمة، كقضية اللاجئين أو مستقبل سوريا. فمن المهم جدا كون هذه القمة هي الملتقى الدولي الأول الذي يعقد على مستوى تمثيلي عالٍ، بمشاركة القيادات التركية، بعد انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
فبعد انقشاع الضبابية السياسية، بفضل نتائج الانتخابات في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، اكتسبت تركيا قوة وحالة نفسية تخولها للحوار مع اللاعبين الدوليين بارتياح أكبر.
فاليوم، تملك تركيا حكومة قادرة على تحقيق الاستقرار السياسي، والإصلاحات الاقتصادية. وهو ما يجعل التكهن بمستقبل السنوات الأربع القادمة أكثر سهولة.
كما أن من الواضح ان الحملات الدولية السلبية التي تشنها المعارضة على حزب العدالة والتنمية، ستكون أقل تأثيرا. فعلى الرغم من أن الاعلام سيستمر في تغطية الانتقادات التي تدور حول تحول البلاد الى حالة أكثر سلطوية، وغياب حريات الصحافة والاعلام، فإن تأثير هذه المجموعات المعارضة سيقل بشكل مضطرد.
تركيا حصلت على وسط دولي لتعبر من خلاله عن اصرارها على الحرب على الارهاب يمارسه تنظيم حزب العمال الكردستاني بي كا كا الارهابي. فالعمليات التي شنتها تركيا على محاولات تحقيق التنظيم لحكم ذاتي في منطقة سلوان كانت من الممكن أن تصور بطريقة مغايرة عبر الاعلام العالمي، لولا وجود مثل هذه الأوساط.
كما أن من شأن القمة أن توضح أكثر ملامح السياسات الخارجية التركية في الشأن السوري. فسوريا على أجندة القمة بطبيعة الحال، وهي العنصر الذي أثر الى حد كبير في سياسات تركيا تجاه الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، فإن سوريا كانت تحتل الموقع الأبرز في أعمال تنظيم بي كا كا الارهابي، لإفشال عملية الإصلاح الداخلي، وتعزيز الضبابية السياسية منذ عام 2013.
تسعى أنقرة اليوم الى اتخاذ خطوات جديدة في السياسات الخارجية انطلاقا من سياساتها تجاه سوريا. فتركيا تبدي حماسا للتنظير للحرب ضد تنظيم الدولة (داعش)، وتظهر تصميما على إنشاء منطقة آمنة في المنطقة الواقعة بين جرابلس وعزيز.
إن الهاجس الأبرز في هذه المرحلة، يكمن في تشكيل علاقات تركية أمريكية على قاعدة التعاون في هذا المجال. ولا بد من أن تكون عناوين الأجندات واضحة خلال مرحلة التعاون، فيما تبدو سوريا نقطة بداية جيدة.
تعتبر الركيزة الأساسية للتعاون الأمريكي التركي في الملف السوري بالنسبة للطرفين قائمة على حرب فعالة ضد تنظيم داعش، ودعم المعارضة السورية، وتقليص فعاليات حزب الاتحاد الديمقراطي، الإمتداد السوري لتنظيم بي كا كا.
فالولايات المتحدة مستمرة في اتجاه تقليص فعاليات حزب الاتحاد الديمقراطي، بخطوات صغيرة جديدة. فمنظمة العفو الدولية انتقدت حزب الاتحاد الديمقراطي بسبب التغييرات الديموغرافية التي ادخلها على بعض المناطق. وهو ما أعقبه إعلان الولايات المتحدة عن عدم دعمها التنظيم بالسلاح، وتحذيرها إياه مؤخرا من تشكيل منطقة حكم ذاتي، مشددة على أهمية وحدة الأراضي السورية.
دول أخرى شاركت الولايات المتحدة انتقاد حزب الاتحاد الديمقراطي، حيث صرح وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، بأن محاولات الاتحاد الديمقراطي تهجير العرب والتركمان والأكراد من بيوتهم هو أمر غير مقبول.
ان عملية الانضمام الى الاتحاد الأوروبي تتطلب تحصيل قوة دافعة كافية من خلال مبادرة مع قبرص، وبعض الاصلاحات الشاملة، بدلا من الاعتماد المطلق على ملف اللاجئين.
ان حكومة العدالة والتنمية التي دخلت مرحلة جديدة بعد انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني تملك بين يديها فرصة لتحسين قدراتها وفعالياتها المؤسساتية من أجل إعادة صياغة سياساتها الخارجية.