تميز حزب العدالة والتنمية عن بقية الأحزاب من خلال لعب دور مميز في ساحة السياسة التركية. فعلى سبيل المثال، لم يقم أي من الأحزاب الأخرى بالدفع باتجاه تحول شامل في البلاد لكسب السيطرة على شؤون الدولة.
إن السبب الذي جعل العدالة والتنمية قادرا على كسب قوة في صفوف الشعب التركي، ليس عائدا الى بقاءه في السلطة لمدة 13 عاما متتالية. فالحقيقة أن الحزب، استطاع في سبيل الحصول على قوته السياسية، تحدي هيمنة الجيش إضافة الى المعارضة التركية، على المستوى الدولي.
بالاضافة الى دفعه الى هذا التحول، فإن حزب العدالة والتنمية أبرز اختلافه من خلال القدرة التي أظهرها على التعامل مع نتائج الأحداث. فقد استطاع الحزب، على مدار ثلاثة عشر عاما، بناء تراث عظيم له، من خلال ربط نجاحاته بالاستقرار في تركيا. وفي هذه المرحلة، يبدو أن سلبيات خروج الحزب من السلطة مقلقة جدا، حتى أن أشرس معارضيها مستعدون للتنازل.
ومع ذلك، فان القوة المتنامية لحزب العدالة والتنمية، قادت الى تشكيل الكثير من الضغط من قبل مجموعات المعارضة التي تعارض قرارات الحزب، وهو ما ترك الحزب مضطرا الى الدفاع عن انجازاته والنظر في قراراته. وهذه نقطة مفصلية هامة في حياة الحزب الذي لم يظهر للوجود حتى عام 2001.
في الحقيقة، فإن السنوات الأولى لحزب العدالة والتنمية في الحكم، كانت تتسم بالهدوء. الأزمة لم تبدأ حتى بدء ما يعرف بالمظاهرات الجمهورية في عام 2007. وبعد تلك المرحلة، بدأ الحزب بمواجهة سلسلة من التحديات. فما بين التظاهرات في عام 2007، ومظاهرات غزي بارك، استطاعت القيادة السياسية النجاة بنفسها من خلال تشكيل تحالفات مؤقتة مع العديد من أصحاب القوة. ومع تصاعد الحرب الأهلية في سوريا، دخل الحزب مرحلة صعبة ستذكر مع تظاهرات غزي بارك، ومحاولة انقلاب التنظيم الموازي، ومقتل 52 مدنيا في مظاهرات دعمها تنظيم حزب العمال الكردستاني، وقرار التنظيم الارهابي انهاء وقف اطلاق النار الذي دام مدة عامين.
وعلى مدى سنوات، قامت العديد من المجموعات من ضمنها ليبراليون وقوميون أكراد بتغيير مواقفهم والوقوف ضد حزب العدالة والتنمية. ومن باب الانصاف، يصعب على أي حزب أن يجابه على هذه الجبهات كلها مجتمعة، في وقت واحد. السبب الوحيد خلف صمود الحزب كان قدرته على الصمود ككتلة واحدة في وجه التحديات الخارجية، وظهور العديد من الوجود الجديدة داخل صفوف الحزب.
يستقي حزب العدالة والتنمية قوته من ثلاثة مصادر؛ أولها، الخطاب الحضاري الذي يحتوي ويضم العديد من الايديولوجيات داخل وسط حزبي واحد. والثاني، قوة مشاعر التضامن بين أعضاء الحزب. والثالث، قدرة رئيس الوزراء السابق، ورئيس الجمهورية حاليا، رجب طيب أردوغان، على القيادة في المواقف الصعبة.
ومنذ ترشح أردوغان الى منصب رئاسة الجمهورية العام الماضي، جرى تغيير سلس في القيادات، جعل من أحمد داوود أوغلو رئيسا للوزراء ورئيسا للحزب، ليصبح حزب العدالة والتنمية حزبا أكثر مؤسساتية. و من هذا المنظور كان المؤتمر الخامس للحزب علامة فارقة، في التركيز على المؤسساتية. هذا العصر الجديد سيمثل خطوة كبرى في الاتجاه الصحيح، إن علمنا ان القيادات قادرة على تجاوز مشكلات ما قبل المؤتمر.
وعلينا الاعتراف بأن ثمة تحديات سياسية ناتجة عن طبيعة السلطة. فقد يكون هناك اختلافات في الرأي بين أردوغان وداوود أوغلو، حول سياسات الحكومة، والقيادة. وفي هذه الحالة، فإن المهم هو منع اختلافات الرأي هذه من الانعكاس على شكل صراعات دائمة على مستوى القواعد الشعبية. كما أن من المضلل مقارنة ذلك بتجربة حزب الوطن الأم، خلال المواجهة بين الرئيس تورغوت أوزال ورئيس الوزراء مسعود يلماز. ففي نهاية المطاف يتفق الرئيس ورئيس الوزراء على النقطة الأهم؛ وهي أنه لا بد لتركيا من تشكيل منظور مختلف. حزب العدالة والتنمية، هو –على الأقل- جزء من حركة سياسية أوسع تثير التساؤلات حول تراث التمدن التركي.
لا يستطيع الأفراد أن يتركوا قراراتهم محكومة لمخاوف قصيرة المدى في الوقت الذي تجابه فيه الدولة أكثر التحديات جدية. لذلك فإن الحركة – كمقابل للأفراد – قادرة على مواجهة التحديات، والنتيجة الأخيرة ستؤثر على مستقبل المنطقة بأكملها. كم سيصمد العدالة والتنمية في قيادة الشعب؟ ما دام قادرا على النهوض مجددا لمواجهة تحديات جديدة.