خمسة أسابيع مرت على الانتخابات البرلمانية التركية، إلا أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت المفاوضات سوف تقودنا الى انتخابات مبكرة أم ستنتج جكومة ائتلافية. وفي الرقت الراهن، أدرك الشعب التركي ان أحزاب المعارضة غير قادرة على اقصاء حزب العدالة والتنمية من الحكومة القادمة. وقد كلف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بتكليف الحكومة، بعد انتخاب رئيس البرلمان.
إن تاريخ تركيا مع مسألة تشكيل الأئتلافات الحكومية تاريخ غني. ففي الماضي كان بعض رؤساء الوزارة برفضون السفر الى خارج البلاد، لمنع شركائهم في الائتلاف من إدارة البلاد ولو لعدة أيام. وأكثر ما يثير الاهتمام في هذا المجال، ما حدث عام 1977، عندما قابل بولنت أجاويد بنواب من الأحزاب الأخرى سراً في فندق "غونيش" لتشكيل حكومة أقلية. وعلى الرغم من ذلك، فلا أعجب مما يحدث الآن. فقادة المعارضة غير مستعدون للمساعدة في إدارة البلد، ويتحدون بعضهم في المشاركة في حكومة ائتلافية.
فرئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليشدار أوغلو، طلب التناوب على منصب رئاسة الوزراء في حال تشكيل حكومة ائتلافية. كما دفع باتجاه تحالف من ثلاثة أحزاب، عارضاً منصب رئاسة الوزراء على حزب الحركة القومية. حزب الحركة القومية اعتبر في هذا العرض إهانة له. معتبراً أن كيليشدار أوغلو "يبيع مناصب". ومنذ الانتخابات، فإن حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري كانا يدعوان البعض للائتلاف مع العدالة والتنمية.
وخلال الأسابيع الاخيرة، أوضح السيد باهشيلي أن حزبه غير مستعد للدخول في حكومة، وذلك من خلال اشتراطه شروطاً مسبقة سخيفة، من بينها الايقاف القوري لعملية السلام الداخلي مع الأكراد، وتحقيقات شاملة حول دعاوى الفساد، وعودة أردوغان الى قصر الرئاسة القديم (شاناكايا)، التي كان يسميها فقاعة شاناكايا. إن استخدام باهشيلي للالفاظ وحرصة على عزل الرئيس التركي كافيان لضمان تباعد بين الحركة القومية والعدالة والتنمية. فمن الواضح أنه يقدم تصريحاته للهروب من المسؤولية. فقد تجاهل زعيم حزب الحركة القومية المبادئ الأساسية لأي ائتلاف حكومي، قائلاً بأن الأمور لن تسير على ما يرام ان استلم أحد الأحزاب بعض الوزارات واستلم الحزب الاخر وزارات اخرى. والأسوء من ذلك أنه صرح قائلاً بأن أفضل ائتلاف ممكن هو الائتلاف بين العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري. في الأوضاع الطبيعية، نتوقع أن يصدر مثل هذا التصريح عن أحد مناصري حزب الشعب الجمهوري، وليس عن سياسي منافس، لكن الوضع في هذه الحالة غير طبيعي طبعاً.
وفي الوقت نفسه، كان رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليشدار أوغلو، يثير الشكوك حول مصداقية قيادات حزب العدالة والتنمية ويدفع بشكل علني نحو تحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية، نجنباً للعمل في حكومة واحدة الى جانب داوود أوغلو.
وبهذا الشكل فإن كلا حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية يعلنان صراحة عن تفضيلهما البقاء في صفوف المعارضة، على التواجد في القيادة السياسية. كما يفضلان البقاء في المنطقة الرمادية بين استلام زمام الأمور والانتخابات المبكرة، لأن ذلك يمكنهم من العزف على وتر معارضة وانتقاد العدالة والتنمية وأردوغان في الحملات الانتخابية القادمة، وخشية من أن يتعرضوا للانتقاد من قبل الأحزاب الأخرى بسبب تعاونهم مع العدالة والتنمية، دون أن يدركوا أن جمهور الناخبين سوف يحملهم مسؤولية تعريض المستقبل السياسي للبلاد الى الخطر.
ويبقى السؤال: كيف ستتوجه قيادات المعارضة الى جمهور الناخبين طالبة أصواتهم في الانتخابات القادمة؟ هل سيفعل ذلك حزب الحركة القومية، بعد أن رفض الدخول في ائتلاف يضم الشعوب الديمقراطي؟ هل سيتوجه للناخبين تحت شعار تحالف ثلاثي؟ كيف له فعل ذلك على الرغم من اللغة العدائية التي يوجهها الى حزب العدالة والتنمية؟ والأهم من ذلك، أليس السلوك غير المسؤول لأحزاب المعارضة يؤكد ويثبت ما كان داوود أوغلو يدعو اليه في حملاته الانتخابية حول أهمية الاستقرار في نظام الحكم؟؟