يحيي اللبنانيون اليوم الذكرى الـ 78 لاستقلال بلادهم عن الاستعمار الفرنسي، تأتي هذه الاحتفالات بالتزامن مع أسوء أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، ترافقها أزمات سياسية متتالية، لاسيما الانقسامات المذهبية والطائفية التي مازالت تضعف بالكيان اللبناني، وتؤثر سلباً على الدولة.
ووفقاً للمسؤولين والخبراء، فإن هذا لبنان في خطر وجودي حقيقي، وأصبح عرضه للتفتت نتيجة تراكم الأزمات، جزء منها تعود جذوره إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، الذي جعل الطائفية والمذهبية عموداً أساسيا لنظام الحكم في البلاد.
*لبنان الجديد
كانت كثير من المناطق اللبنانية مندمجة مع سوريا التي كانت بالأساس جزءاً من الدولة العثمانية طوال 4 قرون، قبل أن يحل الانتداب الفرنسي بالمنطقة، تنفيذاً لاتفاقية "سايكس بيكو"، ويظهر لبنان كبلد جديد عام 1920.
وبعد 23 عاماً، رحل الانتداب الفرنسي، لكنه خلف الانقسامات والخلافات، التي لن تنتهي مع مرور الزمان، بل بقيت فتيل للفتن والاضطرابات الدائمة.
*لبنان بعد الاحتلال الفرنسي
"الانتداب هو مصطلح ملطف للاحتلال"، هكذا وصف المؤرخ اللبناني "حسان حلاق" فترة حكم الفرنسيين للبنان، موضحاً أن الممارسات الفرنسية في تلك الفترة كانت تعكس سياستها الاستعمارية، والتي كانت تكنها للمنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وأردف: "احتلال فرنسا للبنان أحدث انقسامات طائفية ومذهبية بين أبناء الوطن الناشئ، لكنهم توحدوا فيما بعد حول الحرية والاستقلال ونجحوا في ذلك".
وفي عام 1943 عقد رئيس الجمهورية "بشارة الخوري"، ورئيس الحكومة "رياض الصلح"، اتفاق الميثاق الوطني، الذي بموجبه تخلى المسيحيون عن حماية فرنسا، وتخلى المسلمون عن الوحدة مع العرب.
وبهذا الطريق نجح اللبنانيون في انتزاع استقلالهم في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، بعدما توحد أبناء الشعب من مسلمين ومسيحين ضد الممارسات الفرنسية.
وروى حلاق عن الأيام القليلة التي سبقت الاستقلال، عندما قام الرئيس الخوري ورئيس الحكومة، بتعديل الدستور اللبناني، وحذفا منه عبارة "عملاً بصك الانتداب"، ما أثار غضب الفرنسيين، واعتقلوهما إلى جانب عدد من القادة الوطنيين.
لكن مع الوقت رضخت فرنسا لوحدة اللبنانيين الذين صمموا على الاستقلال، وأكدوا أنه لن يكتمل إلا برحيل القوات الفرنسية، وبالفعل هذا ما حدث تحديداً في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 1946 مع جلاء آخر جندي فرنسي عن لبنان.
*رواسب الاستعمار
رغم رحيل الفرنسيون عن بيروت، لكن الانقسامات الطائفية والمذهبية التي رسخوها، بقيت شبح يزعج هذا البلد الصغير الجميل حتى يومنا هذا، إلى أن وصلت لنزاعات وحروب أهلية بين أبناءه.
ويقول المؤرخ: "الاحتلال الفرنسي كرّس الطائفية والمذهبية في لبنان وفقا للدستور الذي وضعه للبلاد، كما أنه عمق الخلافات بين الطوائف بسبب انحيازه إلى فئة ضد أخرى، خاصة فيما يتعلق بالمناصب الرسمية كاختيار الوزراء والنواب".
وهكذا بقيت الخلافات والانقسامات طاغية على الحياة السياسية اللبنانية حتى ما بعد الاستقلال، وورثها اللبنانيون من جيل إلى آخر، ولم يجنوا منها سوى التوترات والعنف.
ومنذ استقلال لبنان شهد عدة حروب أهلية، أبرزها تلك التي استمرت لـ 15 عاماً، وامتدت بين عامي 1975 و1990.
*الأطماع الفرنسية بلبنان مستمرة
ويرى المؤرخ الفرنسي أن فرنسا وغيرها من الدول الاستعمارية، تسعى لتوسيع نفوذها في لبنان، من خلال مشاريع استثمارية تطمع فيها، كمشروع إعادة إعمار مرفأ بيروت، عن طريق شركات فرنسية.
ففي 4 أغسطس/آب 2020 وقع انفجار ضخم بالمرفأ أدى إلى مصرع أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وتضررت أجزاء كبيرة من بيروت، وبعد ذلك بيومين زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البلاد، معلنا عن تقديم حزمة مساعدات إنسانية.
وبعدها بعدة أيام عاد من جديد إلى بيروت، مطلقاً مبادرة لحل الأزمة بالبلاد بعد تقديم الحكومة استقالتها على خلفية الانفجار، إلا أن المختصين رأوا أن مبادرة ماكرون فشلت، خاصة وأن لبنان عانى من فراغ حكومي لمدة 13 شهراً قبل أن يتمكن نجيب ميقاتي في سبتمبر/أيلول الماضي من تشكيل الحكومة.
*أسوء أزمة في تاريخ لبنان
ولفت المؤرخ اللبناني إلى أن الأزمة التي يعيشها لبنان اليوم، لم يشهد لها مثيل منذ الاستقلال، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، كما أعرب عن تخوفه من الأسوء، إضافة إلى مزيد من الهجرة إلى الخارج
وأكد الحلاق أن القرار اللبناني اليوم ليس لبنانياً، بل يخضع لضغوط إقليمية ودولية عدة، مشددا على أن الاستقلال عن القوى الخارجية لن يتحقق إلا بوحدة اللبنانيين والابتعاد عن الانقسام الطائفي والمذهبي.
ومنذ نحو عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة، صنفها البنك الدولي بأنها واحدة من أسوء 3 أزمات في العالم، أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق، وتفشي الفقر والبطالة، إضافة لارتفاع معدل الجرائم.
وعلى مدار عام، يمر لبنان بأزمة سياسية تتمثل بتعليق اجتماعات الحكومة منذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد خلافات حول قرارات المحقق العدلي بقضية انفجار المرفأ "طارق بيطار"، والذي تتهمه جماعة حزب الله وبعض حلفائها بالتحيز وطالبت باستبعاده من التحقيق.