مدارس وقف المعارف التركي في البلقان وتأثيرها التعليمي والثقافي

أسماء كامل
اسطنبول
نشر في 14.08.2023 19:30
آخر تحديث في 17.08.2023 09:43
المدرسة الدولية التابعة لوقف معارف في كوسوفو تصوير أسماء كامل المدرسة الدولية التابعة لوقف معارف في كوسوفو (تصوير أسماء كامل)

ترجع الجذور التاريخية العميقة بين تركيا ودول البلقان التي تشكلت على مدى قرون عديدة، إلى عوامل متنوعة منها تاريخية وثقافية وسياسية. ومن أهم تلك العوامل، التأثير التاريخي للإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة أواخر القرن الرابع عشر، حين فتح العثمانيون تدريجياً تلك البلاد، وأسسوا وجوداً استمر لقرونٍ وأدى إلى انتشار الإسلام في جميع أنحاء البلقان، خاصة في ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو وأجزاء من مقدونيا الشمالية وبلغاريا.

كذلك تركت اللغة التركية والهندسة المعمارية والمطبخ التركي والتقاليد التركية تأثيراً دائماً على دول البلقان، ولا تزال العديد من العناصر الثقافية من تلك الحقبة واضحةً في المنطقة حتى اليوم.

بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، أقامت تركيا ودول البلقان علاقات دبلوماسية حديثة، خصوصاً في الآونة الأخيرة، فيما تواصل البلاد الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع دول المنطقة. كما تشارك تركيا بنشاطٍ في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتنمية في البلقان، بشكل يعكس الروابط التاريخية والمصالح المعاصرة.

نسلط في هذا المقال الضوء على النشاط التعليمي والثقافي لمدارس وقف المعارف التركي العاملة هناك:

وقف المعارف التركي في تيرانا/ألبانيا:

هو أحد فروع مؤسسة المعارف التركية الحكومية، التي تأسست عام 2016 بهدف تعزيز وإدارة الأنشطة التعليمية والثقافية خارج تركيا، كإنشاء وإدارة المدارس التركية ومؤسسات التعليم في مختلف البلدان.

ووقف المعارف في ألبانيا مؤسسة فعالة في قطاع التعليم منذ إنشائه، وقد تولى إدارة العديد من المدارس التركية في البلاد، ونجح في الحفاظ على التفوق التعليمي والثقافي التركي في ألبانيا، مع فصله عن نفوذ حركة غولن الإرهابية. كما سعت المؤسسة إلى ضمان استمرار المدارس التركية في ألبانيا في توفير تعليمٍ جيد ودعم اللغة التركية والقيم الثقافية.

وفي مقابلة حصرية أجرتها ديلي صباح-العربية مع مسعود أوزبايسار مدير وقف المعارف في العاصمة الألبانية تيرانا، تحدث فيها عن نشأة المؤسسة في البلاد قال:

"بدأنا نشاطنا التعليمي في ألبانيا عام 2018 ويتمثل هدفنا بتوفير فرص تعليميةٍ بديلة لأبناء الجالية التركية في ألبانيا وكذلك لكافة أبناء الشعب الألباني، وافتتحنا أولى مدارسنا في مدينة ألباسان باسم المدرسة الدولية لوقف المعارف في ألبانيا، وبعدها افتتحنا روضة أطفال نموذجية في تيرانا العاصمة باسم روضة المزرعة لأنها تقوم على فكرة فريدة من نوعها وهي مشاركة الأطفال للطبيعة، ومؤخراً افتتحنا مدرسة جديدة في مدينة شكودرا شمال البلاد، ولدينا في المجموع حوالي 1600-1700 طالب في مراحل التعليم المدرسي موزعين على 11 مدرسة داخل ألبانيا، إضافةً إلى طلاب الجامعة الوحيدة التي يديرها وقف المعارف في ألبانيا والمسماة جامعة نيويورك ألبانيا".

وحول التزام تركيا بدعم العلاقات التعليمية والثقافية مع ألبانيا، قال أوزبايسار أن الوقف يركز على إنشاء جيلٍ متميزٍ وأشخاصٍ صالحين ليس في ألبانيا فقط وإنما في كل البلدان التي يعمل بها، وهو ما يمثل رؤية وقف المعارف في تنمية تلك المجتمعات، بأن يعود نفع التعليم الذي يتلقاه أبناء البلد على أمتهم وأوطانهم، بدل أن يتلقوا التعليم في بلدٍ آخر ويمكثوا فيه ويساهموا في نهضته وبنائه دون الالتفات لأوطانهم الأم، مع التنويه بأن مدارس الوقف تعلم الطلاب اللغة التركية في جميع المراحل بما تحمله من ثقافة مشتركة بين تركيا ودول البلقان خصوصاً.

وأكد أوزبايسار على أن المدارس التي يفتتحها الوقف ليس لها صفة تجارية ولم يكن جني الأرباح من أولوياتها على الإطلاق، وهي تتقاضى مبالغ تتناسب مع تكلفتها فقط بخلاف المدارس الدولية الأخرى، وأن خططهم القادمة تنصب حول التفوق المنشود بأن تكون مدارس الوقف هي الأفضل على الإطلاق ليس في ألبانيا فقط وإنما في كافة البلدان التي يعمل بها وقف المعارف.

وفيما يتعلق بأهم التحديات التي تواجه عملهم قال أوزبايسار أن الناس حول العالم يتوقعون الكثير من تركيا التي برزت على الساحة الدولية كلاعب أساسي بفضل عوامل كثيرة كالدبلوماسية السياسية الناجحة والتطور في كافة القطاعات وأهمها الصناعات الدفاعية والتكنولوجية ما جعلها واحدة من أبرز القوى العالمية الهامة، ولهذا كان على وقف المعارف والمدارس التي يديرها أن توفر خدمات تتناسب مع حجم البلاد في عيون الطلاب والاهالي وهو ما يجعل مهمتهم أكثر صعوبة وذات تكلفة مادية مرتفعة. وكذلك مواكبة التعليم الدولي وجعل المناهج جذابة للطلاب بقدر ما يجب أن تحمل من العلوم التطبيقية والإنسانية، وذلك كي تتفوق على المدارس العالمية كالفرنسية والبريطانية والأمريكية على سبيل المثال، ولتثبت نفسها كمدارس تركية عالمية.

وأكد أوزبايسار خلال حديثه على ضرورة الإبقاء على علاقة وثقة بين أهالي الطلبة وإدارة المدارس لأن مجتمع الأهالي يلعب دوراً حيوياً في تحقيق أهداف الوقف ورؤيته، كما أشار إلى أن تقدم العملية التعليمية مرهون بتعاون الأهالي حيث تحرص مدارس وقف المعارف على احاطتهم علماً بأدق تفاصيل الطالب وتطور تحصيله العلمي والسلوكي وتفاعله حتى مع الأنشطة الرياضية والاجتماعية من خلال التقارير الأسبوعية والشهرية، وكذلك دعوتهم بشكل مستمر لحضور الاجتماعات والندوات وحتى مشاركتهم في الاحتفال بالمناسبات والأعياد والمخيمات الصيفية.

وفي معرض إجابته عن نوعية المناهج المعتمدة في مدارس وقف المعارف التركي قال أوزبايسار: "بعد انتهاء الوقف من إعداد منهاجٍ دوليٍ خاصٍ به اسمه I am، بدأ بأخذ الموافقات عليه وبالفعل حصل على اعتماداتٍ له في بعض البلدان مثل رومانيا، وقد تم تطوير هذا المنهاج وفق رؤية الوقف لما هو ضروري وحديث وهام وملائم للطلاب، وأيضاً جعله قابلاً للتطوير، لأن الكثير من المناهج التي كانت جيدة وقت إصدارها، لم تتمكن من اجتياز تحدي التطوير منذ عام 2000 ربما. ومنهاجنا معدٌّ باللغة الانكليزية بشكلٍ كامل، وقد بدأنا استخدامه بالفعل في مرحلة رياض الأطفال".

ونوّه إلى أن الطلاب بعد تخرجهم يصبحوا قادرين على التحدث بثلاث لغات هي الإنكليزية والتركية إضافةً إلى لغتهم الأم، وذلك بفضل دروس اللغة التركية التي يتلقونها في مدارس وقف المعارف، التي تؤهلهم لإكمال دراساتهم العليا في تركيا أو العمل مع الشركات التركية داخل البلاد أو خارجها.