تحول تركيا إلى العالمية خلال مسيرة 20 عاماً من التطور والتنمية
- ديلي صباح, إسطنبول
- May 15, 2023
يحصر بعض المحللين مصطلح "البنية التحتية" في العناصر المادية مثل الطرق ومراكز التسوق وتوفير الكهرباء، وبمرور الوقت، صار التعريف يشمل مفهوماً أوسع، مع الاعتراف بالبعد الاجتماعي للبنية التحتية بحيث أن الاستثمارات سواء كانت كبيرةً أو صغيرة، يجب أن ينصب تركيزها الأساسي على إفادة المجتمع وتعزيز مفهوم "الصالح العام".
وعند النظر في المعايير العالمية، نجد أن دولةً واحدةً تبرز حالياً باعتبارها المرشح الأوفر حظاً وهي جمهورية تركيا. فمع اقتراب موعد الانتخابات الحاسمة، أصبحت البلاد الآن أمام لحظة مناسبة لتقييم موقفها الحالي ومسارها المستقبلي.
وقبل كتابة أية كلمة في هذا المقال، سافرت بواسطة حافلة برية مريحة من إسطنبول إلى منتجع كوش أداسي بجنوب بحر إيجة وتوقفت في إزمير، لتجربة وملاحظة الأمثلة على التغير والتقدم، والوقوف عليها بشكل شخصي.
وفي حين كان المسافرون في الماضي غير البعيد يقلقون من رحلة طويلة وشاقة تشمل طريقاً طويلاً ومتعرجاً عبر خليج يالوفا أو من خلال ركوب العبارة التي كانت تحمل المسافرين والبضائع والسيارات معاً في منتصف الليل، فقد تغير كل شيء الآن. كذلك كان هناك قطار متاح لأجزاء من تلك الرحلة أيضاً، لكنه كان يتطلب التبديل إلى خدمة العبارات السريعة من منطقة بانديرما Bandırma.
واليوم غيّرت حكومة العدالة والتنمية كل ذلك ولم تضع فقط الأسفلت لطريق سريع جديد تماماً، ولكنها أضافت جسراً حديثاً جنوب شرق إسطنبول أيضاً.
وبازدحام أقل وسرعة أكبر أصبح السفر جزءاً لا يتجزأ من حياة الرفاهية عالية النوعية. وأصبحت كل تلك المسافات تُقطع في مدة لا تتجاوز الخمس ساعات.
وهكذا انطلقتُ في رحلة بحرية على طرق سريعة جديدة تماماً واستخدمت جسراً معلقاً دخل بسبب طوله الهائل في "كتاب غينيس للأرقام القياسية"، وتمكنت من تقليل وقت السفر أكثر من خلال العبور في أنفاق آمنة وعملية بحيث غالباً ما تتحول الممرات الجبلية الخطرة لاماكن ممتعة.
كذلك تعد مدينة بولو الخضراء المورقة الواقعة بين أنقرة وإسطنبول أحد الأمثلة على أنفاق الطرق السريعة التي نعتز بها كثيراً، حيث يمكن للسكان المحليين والزائرين الآن السفر دون رحلة محفوفة بالمخاطر إلى قمم الجبال، بعد أن أصبحت الحوادث المؤسفة تقع كل يوم وخصوصاً خلال فصل الشتاء. وهناك نفق زيغانا الذي تم افتتاحه مؤخراً لتسريع حركة المرور بجوار شمال شرق طرابزون، بطول 14.5 كيلومتراً وهو من أطول الأنفاق في البلاد، وواحد من أطول الأنفاق في العالم أيضاً!
سرعة عالية على الأرض وفي الجو
منذ فترة وجيزة تم افتتاح خط القطار فائق السرعة من أنقرة إلى سيواس الجديد. وبينما تكافح العديد من الدول الأوروبية لتحقيق نتائج مهمة في تحويل حركة المرور من الطرق البرية إلى السكك الحديدية، تبرز تركيا كدولة رائدة في هذا المجال.
ويعد بناء طرق سريعة جديدة أمراً جيداً جداً، لكن استكمال ذلك بخطوط سكك حديدية سريعة هو أداة حيوية أخرى لتحسين نوعية الحياة وهو يعود بالعديد من الفوائد المجتمعية التي لا يمكن إنكارها، كما يمكن تقليل أوقات السفر بأكثر من 10 ساعات مقارنة بوسائل النقل الأخرى، ما يجعل الرحلة لا تزيد عن ساعتين، وهو إنجاز مذهل.
ويمتد تطوير البنية التحتية في تركيا إلى المطارات والوجهات الجديدة أيضاً. ويوجد اليوم أكثر من 50 مطاراً حديثاً تتربع جميعها على مواقع استراتيجيةً في جميع أنحاء البلاد، وليس من المستغرب أن يصبح مطار إسطنبول سريعاً، أحد أكثر المطارات ازدحاماً في أوروبا والعالم.
وغالباً ما يسلط زوار تركيا الضوء على تجاربهم الإيجابية، مؤكدين على أهمية تجربة سفر ممتعة على كل من شركات الطيران الوطنية والدولية. ولقد نجحت الخطوط الجوية التركية الناقل الوطني للبلاد، في تحقيق هذا الأمر، محوّلةً طريقة طيراننا إلى متعة لا تصدق.
ويوضح هذا الإنجاز الكثير عن صناعة الطيران في تركيا ويشكّل شهادةً على تميز البلاد في مجال السفر الجوي.
الطاقة مهمة
قبل فترة وجيزة افتتح الرئيس رجب طيب أردوغان أكبر محطة للطاقة الشمسية في أوروبا والتي ربما تكون في الوقت نفسه واحدة من أكبر خمس محطات للطاقة الشمسية في العالم. وفي بلد ينعم بأربعة فصول، فإن الشمس توفر إمداداً مناسباً جداً من الطاقة، إلى جانب طاقة الرياح. وقد استثمرت حكومة تركيا مبالغ هائلة، في تقنيات المستقبل وطريقة إنتاجها ومصادرها، ومع ذلك فإن الطريقة التي نستهلك بها الطاقة أصبحت أحد أهم جوانب إدارة الدولة القومية.
وسيكون استخدام الأساليب الحديثة للفوز بهذا السباق وبالطبع توفير الطاقة، سمة مميزة للعقود القادمة هنا في تركيا بعد أن أدركنا جميعاً أن الطاقة ليست بلا حدود ويجب الاعتناء بها جيداً.
كذلك أصبح بناء المدن الذكية، وخلق الوعي بين أفراد المجتمع والاستثمار في مشاريع البنية التحتية ذات الصلة على نطاق واسع، أمراً حيوياً اليوم في تركيا الحديثة.
وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، قامت تركيا بتعديل قطاع الرعاية الصحية الذي عفا عليه الزمن، وحولته إلى لاعب عالمي رائد. فظهرت مستشفيات ذات مواصفات منافسة تشبه فنادق الخمس نجوم في كل مكان في البلاد، ونحن لا نتحدث فقط عن المؤسسات الخاصة بل المرافق العامة التي تديرها الدولة أيضاً، والتي أصبحت الآن عيادات على أحدث طراز.
وعلى سبيل المثال يحتوي مستشفى مدينة أنقرة على ما يزيد عن 3.700 سريراً، وهو نتيجة جهد مشترك بين مختلف البنوك التي وفرت تمويله بقيمة 973 مليون دولار.
كما تم إنجاز العديد من مشاريع البنية التحتية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وهي أكثر شيوعاً في تركيا.
الطريق إلى الأمام
تواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم تقريباً نقصاً معيناً في الثقة، وإذا كان هذا المصطلح مسموحاً به، وخاصة بعد جائحة كوفيد-19، فإن ذلك ليس مقبولاً في تركيا، إذ أدركت الحكومة، وخاصة منذ بداية الألفية الثانية أن الدولة القومية الحديثة تحتاج إلى الاستثمار باسم الشعب. والواقع أن بعض المعلقين أحياناً يقللون من هذه الجهود، وخصوصاً عندما يخبر السياسيون ناخبيهم عن طريقٍ جديد أو مطارٍ جديد أو مستشفى جديد.
ومع ذلك، يقوم أصحاب المسؤولية في هذا البلد بالاستماع إلى الناس وتحديد احتياجاتهم، ثم إيجاد طرق لإنفاق أموال دافعي الضرائب أو أموال المستثمرين الخاصين، بذكاء.
ومع الحديث عن جعل تركيا علامة تجارية، دعني أقول أن الدولة القومية لا تُعدّ سلعةً أو منتجاً بالطبع، ولكن من المنطقي تماماً استعارة العديد من جوانب علم التسويق للترويج لبلدك بشكل أفضل في الداخل والخارج.
ولقد ساعدت استثمارات البنية التحتية البلاد كثيراً، وإذا لم نخطئ، فستواصل تركيا مسارها المخطط له وستكون الديمقراطية عمل مستمر على الدوام. وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تمكنت تركيا ليس فقط من فهم هذه الفكرة، ولكن أيضاً من إعادة تعريفها بنجاح، وأصبحت أمةً نموذجيةً تحتذي بها الشعوب في كل أنحاء العالم.
بقلم: KLAUS JURGENS