كان "أصيل" طالباً ذكياً ومجداً في مدرسة ثانوية في مدينة حلب، وقد أنهى دراسته بمعدل مرتفع جدا بلغ 99%. وكان بإمكانه أن يكمل دراسته في كلية الطب، لكنه اختار دراسة الهندسة الكهربائية والإلكترونية في جامعة حلب.
وبحلول عام 2012 وتفاقم الأحداث والاضطرابات في سوريا وخصوصاً في مدينة حلب، تعطلت الدراسة الجامعية واضطر "أصيل" إلى التوقف لمدة سنتين. بعد ذلك قرر الانتقال إلى تركيا ليكمل دراسته في جامعة "جوكوروفا" في أضنة جنوب البلاد.
وفي فبراير 2016 كان قد تبقى على تخرجه فصلاً دراسياً واحداً، حينما قرر القيام بزيارة إلى بلده الأصلي. حيث تغيرت حياته إلى الأبد بعد أن فقد ساقيه نتيجة سقوط أحد البراميل المتفجرة بالقرب منه.
وتم نقله إلى تركيا بواسطة سيارة إسعاف لتلقي العلاج الفوري. لكن ساقيه كانت قد بترت من فوق الركبة، ولم يتمكن الأطباء بالرغم من كل المحاولات من فعل شيء يذكر.
ولم يرغب "أصيل" أن يضع هذا الحادث حداً لطموحاته فعاد إلى الجامعة، حيث استقبله جميع أصدقائه وأساتذته بأذرع مفتوحة وبذلوا قصارى جهدهم لمساعدته. قاموا بتثبيت سلالم ومصاعد حول الحرم الجامعي حتى يتمكن "أصيل" من استخدام كرسيه المتحرك وإنهاء الفصل الدراسي الأخير قبل التخرج. الأمر الذي عبّر عنه بقوله: "سأبقى مديناً إلى الأبد لأستاذي مصطفى غوك، الذي حرص على تحفيزي وعدم استسلامي خلال أسوأ أيامي".
كانت مهمة أصيل صعبةً، لكنه تمكن من التخرج بعد فصل دراسي واحد من تخرج زملاء دفعته.
لكنه بعد ذلك لم يرغب في البقاء مقيداً على الكرسي المتحرك وكان تواقاً للمشي والانطلاق من جديد، الأمر الذي دعا والده لجمع مبلغ كبير من المال حوالي 100.000 ليرة تركية، لشراء أرجل آلية تمكنه من المشي مجدداً. وراح يبذل جهداً مكثفاً مستعيناً بمعلوماته الالكترونية والميكانيكية التي وفرت له أرضية مكنته من فهم حركات الأطراف الآلية، وزادت قدرته على التحكم فيها والسيطرة عليها، وتعلم كيفية المشي مرة أخرى في 10 أيام فقط.
ويصف "أصيل" إحساسه بالمشي مجدداً بقوله:"إنها ليست مثل الطريقة التي يمشي بها أي شخص آخر. يجب عليك إعطاء الأوامر للركبة. كنت أعرف كيفية تصميم هذه الأشياء، وأعتقد أن هذا ساعدني كثيراً في عملية التعلم السريع".
وأضاف والسعادة تلتمع في عينيه: "هذا الشعور بالقدرة على المشي مرة أخرى ... لا أعرف كيف أصفه، كان الأمر أشبه بالطيران مجدداً".
ثم اتخذ قراراً بمساعدة من أصيبوا وفقدوا أطرافهم مثله: "أردت أن أساعد أشخاص آخرين مثلي بالحصول على مثل هذه الأطراف. لقد رأيت الكثير ممن هم في وضعي وكانوا في كراسي متحركة أو يستخدمون الأطراف الصناعية الميكانيكية العادية. وهي ليست كافية لأنها لا تمكّنهم من التحليق والانطلاق بسرعة كما أفعل".
وسرعان ما بدأ بتحقيق حلمه، والتحدث مع العديد من أساتذته الأتراك في جامعة أضنة للحصول على المشورة، حتى سمع عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "نهاية الأسبوع للمبادرات الناشئة". ثم جمع فريق عمل ممتاز في أضنة ضم خبراء ومختصين بمن فيهم المستشار الفردي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي كان له دور فعال في الإيمان بمشروعه، وتوسيع آفاقه وتعليمه خطط التسويق.
لا تعد أفكار وتصاميم "أصيل" ثورية وغير مسبوقة. إذ أن هناك بالفعل أطراف اصطناعية مماثلة لها في جميع أنحاء العالم، ولكنها مصنوعة لعدد قليل من الناس، وهي ذات جودة عالية ومكلفة جدا. لكن ما صنعه "أصيل" كان الغرض منه تقديم أفضل ما يمكن لعدد كبير من المتضررين.
وقال "أصيل" إن تزويد الآلاف من الأشخاص الذين يعانون من حالات مماثلة بأطراف صناعية عالية التكلفة أمر غير ممكن، لذلك أراد هو أن يأتي بشيء أكثر بساطة، وأكثر قوة وأرخص تكلفة، لمساعدة الناس على تذوق "الشعور بالطيران مرة أخرى". واختار الأجنحة كشعار وعبر عن السبب بقوله:" لا أحد يعرف شعور المشي مجدداً حتى يذوقه. إنه حرفياً مثل الطيران".