تمكنت "ديلي صباح" من دخول مدينة تل أبيض السورية بريف الرقة الشمالي بعد تحريرها من قبضة إرهابيي تنظيم ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي، في إطار عملية نبع السلام التي أطلقتها القوات المسلحة التركية بمشاركة الجيش الوطني السوري، شرقي نهر الفرات، لتطهيرها من الإرهابيين وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وفي زيارة ميدانية أجراها لمركز وضواحي تل أبيض الواقعة مقابل قضاء أقجه قلعة بولاية شانلي أورفا جنوبي تركيا، رصد فريق "ديلي صباح" بدء عودة الحياة إلى طبيعتها، وجهود القوات المسلحة التركية والجيش الوطني السوري في تمشيط المنطقة لإزالة الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها إرهابيو التنظيم في أماكن مختلفة من المدينة.
وفي مدخل المدينة وفي الجزء المقابل مباشرة لقضاء أقجه قلعه التركي، قامت القوات التركية بإبطال مفعول لغم تم العثور عليه حينها، وذلك بعد أخذ الاحتياطات اللازمة لسلامة الوفد الصحفي والمدنيين بالمنطقة.
وقال قائد القوات التركية المكلفة بحماية المنطقة إنه دائماً ما يتم العثور على ألغام وعبوات ناسفة زرعها الإرهابيون في نقاط مختلفة من المدينة، مشيراً إلى أنه تم العثور قبل يوم على قنبلة بدائية الصنع في أحد المنازل التي تم إخلائها، مؤكداً على أن "سلامة المدنيين هي الأولوية القصوى للجيش التركي خلال عمليات البحث والتمشيط كما كانت أثناء تنفيذ العملية".
بعد التوغل قليلاً داخل المدينة، رصدت ديلي صباح قافلة مساعدات تابعة للهلال الأحمر التركي أثناء تقديم المساعدات، كما رصدت استعداداتها تحسباً لأي موجة نزوح جديدة من داخل المنطقة.
الفرح برحيل الإرهابيين
وفي حوار مع بعض الأطفال من أبناء المدينة، قال الطفل محمد (13 عاماً) إن الجنود الأتراك الموجودين بالمنطقة يعاملونهم جيداً، معبراً عن فرحته لرحيل ما أسماهم "الخنازير" وهو الاسم الذي يطلقه مع مجموعة من أصدقائه على عناصر "ي ب ك" الإرهابي.
وأضاف أن عناصر التنظيم كانوا يخيفونهم، وأنهم حاولوا أخذ أخيه الأكبر (23 عاماً) إلى التجنيد القسري. كما أعرب الطفل حماده ( 12 عاماً) عن رغبته في العودة إلى المدرسة التي لم يذهب إليها منذ سيطرة إرهابيي "ي ب ك" على المدينة.
ترميم دور العبادة بعد تخريبها
بالقرب من مركز المدينة، تقع كنيسة الأرمن الأرثوذكس التي تأسست عام 1924، ويبدو عليها أنه تم ترميمها منذ فترة قصيرة.
وقال أحد الضباط الأتراك بالمنطقة إن الكنيسة كانت في حالة سيئة جدا وإنه تم ترميمها من جديد من الداخل والخارج من قبل الجيش التركي، ثم فُتحت للعبادة من جديد بعد تحرير المنطقة وتطهيرها من الإرهاب.
وأضاف أن المسجد أيضاً كان في حالة سيئة وأنهم قاموا بتنظيفه وإصلاح دورات المياه الخاصة به.
محمد. أ (40 عاماً)، أحد أفراد الجيش الوطني السوري، قال لـ"ديلي صباح" إن تنظيم ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي كان يستخدم الكنيسة كمقر له، مشيراً إلى أن عناصر التنظيم فتحوا النيران عليهم من داخل الكنيسة أثناء الاشتباكات.
وعند السير قليلاً باتجاه الحديقة الخلفية للكنيسة، يظهر باب حديدي لمساحة تضم عدة حجرات مظلمة ضيقة جدا لا تتجاوز مساحتها 1 متر مربع. قال الجندي محمد إن التنظيم الإرهابي كان يستخدمها كغرف حبس انفرادي مؤقت لمن يقبض عليهم ويتم احتجازهم بها لفترة قبل إرسالهم إلى مبنى السجن الرئيسي.
وقال أبو جُنيد (30 عاماً)، وهو من السكان المحليين، إن المنطقة تضم عائلات أرمنية تعيش هنا منذ عشرات السنين إلا أنهم لم يكونوا يستطيعون الدخول إلى الكنيسة بحرية، نظراً إلى قيام التنظيم الإرهابي بإغلاقها واستخدامها كمقر عسكري.
وتظهر داخل جدران الكنيسة فتحات كان عناصر التنظيم الإرهابي يستخدمونها لإطلاق النيران.
"ي ب ك" أطلق سراح إرهابيي داعش
بعد مواصلة التوغل داخل المدينة بواسطة ناقلات الجند المدرعة التركية الصنع، وبرفقة مجموعة من القوات الخاصة بالجيش التركي، وصلت "ديلي صباح" إلى مقر السجن الذي كان التنظيم الإرهابي يحتجز فيه إرهابيي داعش. وتبدو غرف الحبس على حالتها منذ طرد عناصر التنظيم الإرهابي من المنطقة.
وقال احد الضباط الأتراك إنهم حين وصلوا المكان وجدوا السجن فارغاً وجميع الزنزانات مفتوحة من الخارج، ولا يبدو على الأبواب أي آثار مقاومة أو محاولات للهرب، ما يعني أن عناصر ي ب ك/ بي كا كا تعمدوا فتح الأبواب لخروج إرهابيي داعش.
إحراق المستشفى وسرقة الأجهزة الطبية
عند دخول مستشفى تل أبيض، يُلاحظ أن المستشفى تم ترميمه حديثاً حتى إن رائحة طلاء الجدران لا تزال تملأ المكان. وقال ضابط بالجيش التركي هناك إنهم حين دخلوا المدينة وجدوا المستشفى غير صالح للاستخدام وإن الجيش التركي بدأ على الفور أعمال ترميم المستشفى لإعادة افتتاحه في أسرع وقت، مضيفاً أن أعمال الترميم والتجهيز لا تزال مستمرة.
وعند التجول قليلاً داخل المستشفى، بالتحديد عند قسم الجراحة والأمراض الباطنية، يوجد قسم لم يُرمم بعد وتظهر عليه آثار الحريق. وعند الاقتراب أكثر يتضح مدى الخسائر التي سببتها النيران والتي طالت الجدران والأجهزة والمعدات حتى سقف المستشفى.
وقال أحد عناصر الجيش الوطني السوري إن التنظيم الإرهابي فكك جزءاً كبيراً من الأجهزة والمعدات الطبية وسرقه أثناء انسحابه من المنطقة وإنه قام بتخريب الأجهزة التي لم يتمكن من نقلها.
إيناس إسماعيل (47 عاماً)، من سكان المنطقة وإحدى العاملات بالمستشفى، قالت إنها لم تستطع الحصول على أي فرصة عمل كي تتمكن من رعاية والدها المريض، طوال مدة سيطرة تنظيم ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي على المدينة. وأضافت أن التنظيم كان يقوم بتوفير فرص العمل وكل التسهيلات للمؤيدين له والمقربين منه فقط، بينما يتجاهل باقي سكان المنطقة.
على بعد أمتار قليلة من المستشفى تقع العيادة المتنقلة للهلال الأحمر التركي، ومهمتها تقديم الرعاية الطبية لسكان المنطقة. وهي موجودة في مكانها بحديقة مستشفى تل أبيض مؤقتاً إلى حين انتهاء أعمال الترميم والصيانة في المستشفى، حيث ستنتقل إلى مكان آخر داخل المدينة.
وقال أ.أ. منسق المساعدات الإنسانية للسوريين بالهلال الأحمر التركي إن العيادة المتنقلة تضم أقساماً مختلفة في عدة تخصصات منها قسم الأطفال وقسم الأمراض الباطنية، ووحدة للأشعة ومختبر للتحاليل.
وأضاف أن العيادة المتنقلة يعمل بها حالياً 16 طبيباً ويمكنها خدمة 500 حالة يومياً. وأشار إلى أن العيادة ستنقل إلى مكان آخر بعد دخول مستشفى تل أبيض الخدمة مجدداً.
الحياة تعود لطبيعتها بمركز المدينة
بعد الانتقال إلى مركز المدينة يُلاحظ عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل سيطرة الإرهابيين على المدينة سواء إرهابيو داعش أو ي ب ك/ بي كا كا. فالمحال التجارية مفتوحة والحرفيون يمارسون أعمالهم اليومية بشكل عادي والمطاعم الصغيرة فتحت أبوابها منذ الصباح الباكر. كما يعمل المخبز الآلي في المنطقة بكامل طاقته يومياً.
أحمد الشيخ (40 عاماً) من سكان المنطقة وصاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية، قال إنه أعاد فتح محله مؤخراً عقب تطهير المدينة من إرهاب ي ب ك/ بي كا كا، وإن ظروف العمل حالياً وإن لم تكن في أحسن حال فإنها أفضل بكثير مما كانت عليه خلال فترة سيطرة إرهابيي ي ب ك على المدينة.
وأضاف أن التنظيم كان يمنح كل الأعمال لمؤيديه وأتباعه الذين كانوا يفعلون ما يحلو لهم بالمدينة، مشيراً إلى أن السكان العرب لم يكن بمقدورهم شكاية أحد من هؤلاء إلى من كانوا يسيطرون على إدارة المدينة بقوة السلاح.
أما محمد زياد ده ده (30 عاماً)، وهو تركماني من سكان المدينة، فقال إنهم يطالبون بإعادة افتتاح المدارس وبدء الدراسة في أسرع وقت ممكن حتى قبل بدء عمليات إعادة الإعمار في المدينة؛ حتى يتمكن الأطفال في المنطقة من مواصلة تعليمهم.
وفي 9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أطلق الجيش التركي بمشاركة الجيش الوطني السوري، عملية "نبع السلام" في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، لتطهيرها من إرهابيي "ي ب ك/ بي كا كا" و"داعش"، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
والثلاثاء الماضي، استضافت مدينة سوتشي قمة تركية - روسية، انتهت بالتوصل إلى اتفاق حول انسحاب تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" الإرهابي بأسلحته عن الحدود التركية إلى مسافة 30 كم خلال 150 ساعة.