تسعى وسائل إعلام سعودية تابعة للحكومة إلى ثني السعوديين عن زيارة تركيا، وتحاول خداع السياح في هذا الصدد عبر الترويج لمزاعم لا أساس لها من الصحة.
ومع بدء موسم السياحة وميل درجات الحرارة للارتفاع في المدن التركية، يبدو أن حكومة المملكة العربية السعودية تشعر بالانزعاج مما يبديه مواطنوها من رغبة بزيارة تركيا، وتعمل على تدمير الصداقة بين المجتمعين من خلال تداول مزاعم تم اختلاقها لحرمان المواطنين الراغبين بقضاء إجازة هادئة في تركيا من زيارة البلاد.
يقول مقطع فيديو نشرته صحيفة الرياض السعودية، التابعة للحكومة: "يوجد العديد من البدائل لتركيا وبأسعار أرخص".
الفيديو، الذي نشرته الصحيفة على حسابها الرسمي على تويتر يفيض بالادعاءات التي تستهدف تركيا، دون تقديم أي دليل يستند إليه. ويهدف الفيديو للحد من خطط السياح السعوديين بقضاء عطلاتهم في تركيا حيث يدّعي أنها ليست آمنة بالنسبة لهم "لا للسياحة ولا للاستثمار".
وكردٍّ على الفيديو، الذي لقى بالفعل ردود فعل كبيرة، شارك مئات من مستخدمي تويتر من العرب مقاطع فيديو لرحلات استجمام قضوها في تركيا، مبرزين حقيقة أن السعوديين مرحب بهم للغاية في البلاد. وقد تم حذف الفيديو الذي نشر يوم السبت، من وسائل التواصل الاجتماعي بالأمس.
لم يكن الفيديو هو الوحيد الذي تمت مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يدّعي فيديو آخر، نشرته الصحيفة نفسها، أن عدد السياح من دول أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة وإيران وقطر، الذين زاروا تركيا قد انخفض، ويتساءل الفيديو: "إذا كانت تركيا تكرهم وتسيء التصرف بحقك، لماذا تذهب إلى هناك؟" وقد أرفقت مقاطع الفيديو بهاشتاغات من قبيل "مقاطعة السياحة التركية" و"صيفنا بتركيا أخطر".
هذه الادعاءات لا تثير الاستفزاز فحسب، بل تستند أيضاً إلى الأكاذيب، وذلك بالنظر إلى بيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية.
زيادة سياح الخليج إلى تركيا
وفقاً لبيانات الوزارة الصادرة عام 2018، بلغ عدد السياح من دولة الإمارات العربية المتحدة 6.717 فقط عام 2003، لرتفع عام 2018 إلى 43.292 سائح.
في الشهرين الأولين فقط من عام 2019، زار 1400 سائح من الإمارات تركيا، وهو ما يزيد بنسبة 1.9 في المائة عن بيانات العام السابق.
تشير هذه البداية الناجحة إلى أن عام 2019 من المرجح أن يشهد تدفقاً سياحياً من الإمارات أكبر من عام 2018.
أما بالنسبة لإيران، فالأرقام أعلى بكثير، حيث زار أكثر من مليوني سائح إيراني تركيا عام 2018. في الواقع، ووفقاً لإحصائيات الربع الأول من عام 2019 الموثقة من الوزارة، تحتل إيران المرتبة الثانية في عدد السياح الذين يزورون تركيا، بعد بلغاريا.
من ناحية أخرى، لدى دولة قطر اتجاه مماثل للإمارات العربية المتحدة ، إذ ازداد عدد السياح القطريين بشكل كبير بين عامي 2003 و2019 وارتفع العدد الإجمالي من 1.210 إلى 96.327 سائح قطري.
تشير هذه الأرقام إلى أنه على عكس مزاعم فيديو صحيفة الرياض، هناك اتجاه عام صاعد في السياحة التركية، إذ شهدت عدداً متزايداً من السياح القادمين من الإمارات وإيران وقطر، رغم انخفاض طفيف بين بعض السنوات.
ولا تختلف المملكة العربية السعودية عن الدول الثلاث المذكورة أعلاه، حيث ارتفع عدد السياح السعوديين من 23.676 عام 2003 إلى 747.233 عام 2018، وهي زيادة هائلة بالفعل.
في الشهرين الأولين من عام 2019، زار ما مجموعه 20.200 سائح سعودي، تركيا. وهو رقم أقل قليلاً من بيانات الفترة نفسها من العام السابق. ومع ذلك، فإن هذا الانخفاض في العدد يتعارض في الواقع مع الاتجاه العام للسياحة في تركيا، حيث ارتفع عدد السياح بشكل عام في هذين الشهرين بنسبة 9.38 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2018.
يذكر أنه في الربع الأول من عام 2019، زار تركيا 6.8 مليون سائح من جميع أنحاء العالم، وفقاً لبيانات الوزارة، 5.4 في المائة منهم من الأجانب.
ومن حيث عدد السياح، تحتل تركيا المرتبة السادسة في العالم وفقاً لبيانات عام 2018، وهو العام الذي استضافت فيه البلاد ما يقرب من 46 مليون سائح.
الواقع أن عدد السياح، القادمين بخاصة من منطقة الخليج، ما زال في ازدياد منذ عقدين تقريباً، ويعود الفضل في معظمه إلى نجاح المسلسلات التلفزيونية التركية وانتشارها على نطاق واسع في المنطقة، وأيضاً إلى المرافق السياحية الراسخة في البلاد. فمع انتشار المسلسلات التركية في جميع أنحاء العالم العربي، بدأ المزيد من المواطنين العرب يهتمون باللغة والثقافة التركية، ويرغبون بزيارة تركيا، وخاصة إسطنبول، لمعاينة ما شاهدوه عن كثب.
وبغض النظر عن عشاق السياحة وزائري إسطنبول، فإن المنتجعات الجنوبية مثل تلك التي تحتضنها سواحل أنطاليا الجميلة، وكذلك الجبال الباردة والمفعمة بالخضرة والجمال في منطقة البحر الأسود، بالإضافة إلى ولايات طرابزون وأرتفين، التي تعتبر أصلاً من الأهداف السياحية الرئيسية، أصبحت وجهات جديدة للسياح العرب.
ومن المعروف أن تركيا حققت أيضا نجاحاً وتقدماً في السياحة الحلال، حيث يوجد فيها العديد من المطاعم الخالية من الكحول، والشواطئ والمسابح المخصصة للنساء، هذا علاوة على المساجد وقاعات الصلاة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
تخويف المواطنين باتهامات زائفة
الادعاء الأكبر وربما الأكثر إثارة للسخرية في الفيديو، هو ذلك الذي يهدف إلى تخويف السعوديين من خلال الزعم بأنه سيتم بيعهم في تركيا لتنظيم داعش الإرهابي بأسعار "رخيصة للغاية".
بالنظر إلى حرب تركيا ضد الإرهاب، وخاصة حربها ضد داعش، فإن هذا الادعاء عبث بحت؛ لأن الأرقام تثبت عكس ذلك. فقد شاركت قوات الأمن التركية في حملة طويلة الأمد لتخليص تركيا من إرهابيي داعش. كما تبنت الجماعة الإرهابية سلسلة من الهجمات الإرهابية التي وقعت في تركيا، وأسفرت عن مقتل العشرات من الأشخاص على مدار السنوات الثلاث الماضية في إسطنبول وأنقرة وكذلك في مدن الجنوب الشرقي.
ووفقاً للأرقام الرسمية، تم اعتقال حوالي 2000 شخص وترحيل 7000 آخرين، في إطار عمليات ضد داعش في تركيا. بينما مُنع حوالي 70.000 شخص من دخول تركيا بسبب صلاتهم المشتبه بها بالجماعة الإرهابية.
مجرد أدوات سياسية
بالرغم من كل هذه الأرقام والحقائق الموثقة، فإن مقاطع الفيديو، التي ليست هي الأولى في وسائل الإعلام السعودية التي تكشف عن المشاعر المعادية لتركيا، لا تقوم بتقديم أية أدلة أو حقائق، بل هي مجرد أدوات سياسية تهدف إلى الإضرار باحترام تركيا ومكانتها، وفي الوقت نفسه، تحاول تخويف السعوديين من مواصلة تطوير العلاقات مع البلاد.
أحد الأسباب وراء موقف المملكة العدائي تجاه تركيا هو مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
وفي حين أنكرت المملكة بداية أية مسؤولية عن جريمة القتل، وحاولت اتهام تركيا بأنها ليست آمنة لمواطنيها، اتبعت أنقرة وما تزال موقفا حازما في القضية، وأجبرت المملكة في نهاية المطاف على الاعتراف بوقوع الجريمة بالفعل على يد السعوديين أنفسهم، الأمر الذي تسبب في ردة فعل دولية كبيرة تجاه المملكة العربية السعودية، وخاصة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنه العقل المدبر لعملية القتل.
ومع ذلك، تثبت مقاطع الفيديو هذه أن المملكة السعودية تصر على جعل تركيا كبش فداء عن لسوء تصرفاتها، بدلاً من أن تتعلم هي الدروس والعبر .