في الشرق الأوسط غير المستقر على نحو متزايد، تشكل أي علاقة قائمة على المصالح المتبادلة وحسن الجوار قيمة هامة للجهات الإقليمية الفاعلة. وبذلك بُنيت العلاقات المتينة بين تركيا وجارتها الجنوبية العراق.
ورغم أن تاريخ العلاقات التركية العراقية شهد فترات صعود وهبوط، إلا أن الاتجاه الأخير في العلاقات الثنائية يظهر إرادة الطرفين تعزيز الحوار السياسي والتعاون في مجالات متعددة.
في هذا السياق، يجري رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الأربعاء، زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة تلبية لدعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان.
وذكر بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، أن الجانبين سيبحثان خلال اللقاءات قضايا مكافحة الإرهاب وملف المياه وإعادة إعمار العراق، والخطوات التي يجب اتخاذها لتطوير التعاون الثنائي في كافة المجالات وعلى رأسها التجارة والطاقة.
وبطبيعة الحال فإن العلاقات الاقتصادية والحاجة المتبادلة لتطويرها، والتي تعود بالنفع على البلدين، ستكون إحدى الملفات الرئيسية في أي مباحثات مستقبلية والتي من شأنها أن تكون سمة واضحة ومؤثرة في مسيرة العلاقات المتميزة بينهما.
وبلغة الأرقام، وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وبغداد، تم تشكيل مجلس التعاون الإستراتيجي عام 2008، بعدها بسنة واحدة تم توقيع 48 اتفاقية في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد.
بالمقابل، هناك استمرار لتدفق السلع التركية على السوق العراقية لسد الاحتياجات الضرورية بكافة البضائع وبشكل دائم، باعتبار تركيا الأقرب جغرافيا، فضلا عن تطور الصناعات التركية وقبولها من قبل المستهلك العراقي، كونها سلعة متميزة تضاهي المصنوعات العالمية من حيث الجودة والسعر التنافسي.
والطموحات التي يرغب البلدان بتحقيقها أكبر من مسألة مبادلة سلعة ببرميل نفط، أو مد أنبوب غاز بين أنقرة وبغداد، حيث يسعى البلدان إلى وضع آلية تنهض بالصناعة العراقية من خلال تعاون فني أو ربما توأمة مع بعض القطاعات الإنشائية والخدمية والصناعية.
ولطالما أكد سفراء العراق على أهمية تبادل الخبرات والتعاون الفني في تلك القطاعات بين تركيا والعراق، خلال جولاتهم التي كانوا يقومون بها لمختلف المدن والقطاعات الصناعية والخدمية في المدن التركية.
ومن بين ذلك، سعي السفير العراقي السابق هشام العلوي إلى توأمة ميناء مرسين مع الشركة العامة للموانئ العراقية، وتوقيع اتفاقية لتبادل الخبرات في مجال الشحن البحري، وأيضا سعيه إلى تطوير وتفعيل التعاون الاقتصادي والصناعي.
وألقى العلوي محاضرة تحت عنوان "العلاقات التركية العراقية.. التحديات والفرص والرؤية المستقبلية" خلال ندوة أقامتها جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا التركية بأنقرة في يناير / كانون الثاني الماضي، حيث دعا فيها إلى تفعيل مذكرات التفاهم في قطاع الطاقة والتعليم والثقافة والسياحة والمياه، ومجالات من شأنها أن تخدم المصالح المشتركة.
وأوضح العلوي، أن "حجم التبادل التجاري وصل الى 30 مليار دولار سنويًا، في الوقت الذي كان فيه دون المليار دولار بين عامي 2003 و2004".
وبعيدا عن التعاون الاقتصادي والتجاري، هناك جملة من الأمور التي يسعى البلدان إلى حل إشكالاتها، أبرزها الجانب الأمني.
وما يشغل الجانب التركي الآن، هي المسألة الأمنية ووجود عناصر إرهابية من تنظيم "بي كا كا" في الأراضي العراقية.
كما يمثل التنظيم الإرهابي حجر عثرة أمام انتشار القوات العراقية في كامل أراضيها، ويحجم من السيادة والاستقرار الأمني.
لذا فإن السلطات العراقية لن تسمح بأن تكون أراضيها مأوى لأي جماعات مسلحة تستهدف وحدة الأراضي التركية وتحت أي ذريعة.
وبطبيعة الحال فإن المصلحة الأمنية تحتم وجود تعاون أمني مشترك ينهي الحوادث الحدودية ويمنع المتسللين.
وأيضا فإن مسألة المياه وكمية ما يطلق منها من الجانب التركي لنهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من الأراضي التركية، هي إحدى المسائل التي يسعى الطرفان إلى التعاون الوثيق حولها، خصوصا بعد إنشاء السدود التركية على أحواضها.
وراعى الجانب التركي الحاجة الماسة إلى مشكلة المياه في العراق، وهذه السنة تحديدا، بسبب قلة تساقط الأمطار في أراضي الأخيرة، فتم تأجيل ملء حوض السد التركي (اليسو) بالمياه لغاية يونيو/حزيران المقبل، وفق تصريح سفير أنقرة ببغداد فاتح يلدز، عند لقائه وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي في 17 يناير الماضي ببغداد.
وعلى العموم فالعلاقات التركية العراقية، ومنذ نشوئها كانت وما زالت تتصف بحسن الجوار، ولم تشهد تلك العلاقات أي شائبة هامة عكرت صفوها، ويمكن اعتبارها علاقات نموذجية سادها على الدوام احترام السيادة المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين، واستعداد الجانبين لحل كل الأمور التي تعترض مسيرتهما التفاعلية والتعاونية، وتؤثر بشكل سلبي على علاقات حسن الجوار.