شدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، على ضرورة "ألا تسمح المجتمعات والحكومات الغربية بتطبيع إيديولوجيات مثل العنصرية، ومعاداة الأجانب والإسلاموفوبيا".
جاء ذلك في مقالة كتبها الرئيس التركي لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تحت عنوان "إرهابي نيوزيلندا ونسيج داعش الشيء نفسه"؛ تحدث فيها عن الهجوم الإرهابي الأخير بنيوزيلندا وتداعياته.
والجمعة الماضية، استهدف هجوم دموي مسجدين بمدينة "كرايست تشيرتش" النيوزيلندية، قتل فيه 50 شخصا أثناء تأديتهم الصلاة، وأصيب 50 آخرون، بحسب سلطات البلاد.
واوضح أردوغان أن هناك بعض المسؤوليات التي تقع على الغرب بعد الحادث، مطالبًا المجتمعات والحكومات الغربية بـ"عدم السماح بتطبيع الإيديولوجيات الصاعدة خلال السنوات الأخيرة، مثل العنصرية، ومعاداة الأجانب، والإسلاموفوبيا".
وأضاف أردوغان قائلا "وإنه لمن المهم للغاية اعتبار هذه الإيديولوجيات المنحرفة، جريمة ترتكب ضد الإنسانية، كما هو الحال مع معاداة السامية".
وبيّن أن الهجوم الإرهابي المذكور "أسفر عن استشهاد 50 شخصًا من الأبرياء، فضلا عن إصابة آخرين ممن اجتمعوا في المسجدين لأداء صلاة الجمعة".
ولفت أردوغان إلى وجود عبارات تاريخية على الأسلحة التي استخدمها الإرهابي في تنفيذ الهجوم موضحًا أن "إشارة الإرهابي لشخصي ولتركيا أكثر من مرة أمر له مغزى ويحتاج إلى التفكير فيه".
وبخصوص الجهود التي تقوم بها تركيا بشأن هجوم نيوزيلندا قال أردوغان إن "أجهزة الاستخبارات التركية تتعاون مع نيوزيلندا وبلدان أخرى لكشف ملابساته".
وذكر أنه بعد الحادث قامت الجهات المعنية في تركيا بالكشف عن معلومات بشأن قدوم منفذ الهجوم لتركيا مرتين عام 2016 ومكوثه لبعض الوقت في مناطق مختلفة، مضيفًا "كما توصلنا لمعلومات تفيد بأنه سافر لبلدان أخرى مثل المغرب، وإسرائيل، وكرواتيا".
- منفذ الهجوم حاول نثر بذور الكراهية بين البشر:
في السياق ذاته ذكر الرئيس التركي أن "المسؤول عن مجزرة المسجدين سعى لشرعنة أرائه من خلال تحريفه لتاريخ العالم، وللعقيدة المسيحية"، مضيفًا "لقد حاول نثر بذور الكراهية بين البشر".
وتابع "وأنا كرئيس سبق وأن ذكرت مرارًا وتكرارًا أن الإرهاب لا دين، ولا لغة، ولا عرق له، أرفض بشكل قاطع كافة المحاولات لربط هذه الهجمات الإرهابية التي وقعت الإسبوع الماضي، بتعاليم الدين المسيحي، وأخلاقه".
وأضاف "فمن الممكن اعتبار ما حدث في نيوزيلندا نتيجة مقيتة سامة للجهل والكراهية".
وأشار أن "هذه ليست الحادثة الأولى التي يرى فيها شعبنا تحريفًا للتاريخ من قبل الإرهابيين، فمن قبل، وخلال السنوات الأخيرة دعا تنظيم داعش لإعادة فتح إسطنبول من جديد، ذلك التنظيم الذي قتل آلاف المدنيين أغلبيتهم من المسلمين، ويقوم بتفسير التاريخ من منظور إيديولوجيته الأصولية".
وتابع "وهذه الدعوة تتشابه مع العبارة التي كتبها منفذ الهجوم الإرهابي بنيوزيلندا في بيان له نشر على الإنترنت، وهي: سنجعل المدينة(إسطنبول) مسيحية مرة أخرى، كما سبق وأن أقسم داعش على محو الجمهورية التركية".
واستطرد في ذات السياق قائلا "وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت تركيا لتوجيه ضربة ثقيلة لذلك التنظيم الإرهابي في سوريا".
وأضاف "وعلى هذا الاعتبار نحن نرى أنه لا يوجد فرق بين هذا القاتل الذي اغتال أرواح الأبريا بنيوزيلندا وبين غيره ممن يشنون هجمات إرهابية بتركيا، وفرنسا، وإندونيسيا أو بأي مكان آخر من العالم".
- لن نسمح بتكرار هذا ثانية
في الشأن ذاته أوضح أردوغان أن هناك عددًا ليس بالقليل من السياسيين والمحللين الغربيين دأبوا بعد هجمات "داعش" على لصق تهمة الأعمال الإرهابية التي لا يمكن قبولها، بالإسلام والمسلمين.
وأضاف "آراء هؤلاء الأشخاص تتوافق مع آراء (السيناتور الأسترالي) فريزر أنينغ(الذي لديه تاريخ من التعليقات العنصرية)"، مضيفًا "ولقد وعدنا بمنع محاولات الإرهابيين السيطرة على ديننا من خلال اعتراضنا على إرهابهم".
واستطرد "لكن مع الأسف خيم الصمت على أوروبا وعلى مناطق أخرى من العالم الغربي حيال الإسلاموفوبيا، وكراهية الأجانب، وغيرها من الممارسات التي لا تتوافق مع القيم الليبرالية".
وأكد قائلا "لكننا لن نسمح بحدوث هذا ثانية. فإذا كان العالم يريد حدوث ما وقع في نيوزيلندا مستقبلًا، عليه أن يشخص الهجمات الأخيرة على أنها نتاج حملة تشويه منظمة".
وتابع "ومن ثم علينا منع وقوع مثل هذه الأحداث المأسوية مستقبلًا من خلال كشف ملابسات الحادث الأخير بكافة تفاصيله، ومعرفة كيف وصل هذا الإرهابي لهذه الدرجة من الراديكالية، ومعرفة ما إذا كانت له صلات بتنظيمات إرهابية أم لا"
وأضاف "كما يتعين على كافة الزعماء الغربيين احتضان المسلمين الذين يعيشون في بلدانهم، ويأخذوا درسًا في الزعامة والحميمية، والشجاعة، من رئيسة الوزراء النيوزيلندية، ، جاسيندا أردرن".
- سنواصل مواجهتنا لكافة التنظيمات الإرهابية:
وجدد الرئيس التركي في مقالته عزم بلاده على مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية، مؤكدًا أنه "من الواضح أن الشعب التركي لن يغادر دياره التي استوطنها منذ قرون لمجرد أن إرهابيين يطمعون فيها".
وتابع قائلا "وتركيا الوريثة للإمبراطورية العثمانية التي كانت جزءًا من عائلة الأمم الأوروبية على مدار قرون، قد انضمت للتحالف ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول".
وأضاف "ودولتنا التي انضمت لحلف شمال الأطلسي(ناتو) منذ مدة تزيد على 60 عامًا، ترى في الحصول على العضوية بالاتحاد الأوروبي، هدفًا استراتيجيا، وسنواصل مكافحتنا لكافة التنظيمات الإرهابية مع أصدقائنا وحلفائنا".
تجدر الإشارة أن السلطات النيوزيلندية من توقيف منفّذ الهجوم، وهو أسترالي يدعى بيرنتون هاريسون تارانت، ومثل أمام المحكمة السبت، ووجهت إليه اتهامات بالقتل العمد.
وبدم بارد وتجرد من الإنسانية، سجل الإرهابي "تارانت" لحظات تنفيذه جريمته الوحشية، وبث بعضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في أعنف يوم شهده تاريخ البلاد الحديث، بحسب رئيسة الوزراء.
وعقب الهجوم مباشرة، أظهر الشعب النيوزيلندي نماذج للتضامن مع المسلمين، من خلال بنائه نصبا تذكاريا لضحايا الهجوم بالشارع الذي يقع فيه المسجد، ووضع الورود على النصب على مدار اليوم.