ساهم اتفاق "إعادة قبول المهاجرين" المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في الوقوف بوجه زيادة قوة الأحزاب العنصرية في أوروبا، والحد من سقوط نظام تأشيرة "الشنغن"، الذي يعد من أهم ركائز قيام الاتحاد.
وعلى خلفية أزمة المهاجرين عام 2015، وقّعت تركيا والاتحاد الأوروبي الاتفاق في 18 مارس/ آذار عام 2016، ودخل حيز التنفيذ في بعد يومين من الشهر ذاته.
ومن أهم مؤشرات نجاح اتفاق 18 مارس/أذار، هو التناقص الكبير في أعداد المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وحسب المعطيات الرسمية، فإن عدد الواصلين إلى الجزر اليونانية بطرق غير قانونية شهد انخفاضًا بمعدل 98 في المئة، إذ بلغ 853 ألف مهاجر عام 2015، وتراجع الرقم إلى 20 ألفا و364 مهاجرًا عام 2017.
ووفقًا لوكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي، فإن المعدل اليومي لأعداد المهاجرين من تركيا إلى اليونان بطرق غير شرعية، انخفض من 7 آلاف خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، إلى 43 مهاجرًا اعتبارًا من فبراير/ شباط التالي.
- تناقص بمعدل 50 في المئة:
انعكس التناقص في أعداد المهاجرين على طلبات اللجوء المقدمة في الاتحاد الأوروبي، إذ أكد تقرير مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) أن عدد المتقدمين بطلبات لجوء انخفض بمعدل 50 في المئة عام 2017.
وجاء في التقرير، أن العدد بلغ مليونًا و257 ألفًا و610 طلبات عام 2015، ومليونًا و206 آلاف و120 طلبًا عام 2016، في حين انخفض الرقم إلى النصف تقريبًا عام 2017، مسجلا 650 ألف طلب.
- إخلال الاتحاد الأوروبي:
وبموجب اتفاق "18 مارس"، اتفق الجانبان التركي والأوروبي على إعفاء مواطني الجمهورية التركية من استصدار تأشيرة دخول إلى دول الاتحاد (منطقة الشنغن).
هذا الأمر اشتُرط فيه التزم الطرفان بكافة تعهداتهما بخصوص "إعادة قبول المهاجرين" بحلول أكتوبر من عام 2017، على أن يتم بدء تطبيق اتفاق الإعفاء خلال عام 2018.
ورغم محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/ تموز 2016، والعمليات الإرهابية التي شهدتها تركيا، فإنها التزمت بمعظم مسؤولياتها تجاه اللاجئين بموجب الاتفاق، على عكس الاتحاد الذي ماطل باستمرار لعدم الوفاء بتعهداته.
وفي هذا الإطار، قدمت تركيا للمفوضية الأوروبية وثيقة تتضمن خطة عمل بشأن 7 معايير، لافتة إلى أنها ستُتم مع تنفيذها، تطبيق المعايير الـ72 التي حددها الاتحاد الأوروبي لتركيا لبدء سريان الاتفاقية.
ومع الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات القانونية في دول الاتحاد الأوروبي، يبدو أن اتفاق إعفاء التأشيرة لن يدخل حيز التنفيذ على المدى القريب.
- تأخر تسديد المساعدات المالية للاجئين:
من جهة أخرى، كان يُفترض على الاتحاد بموجب الاتفاق، تسديد 6 مليارات يورو لتركيا ليتم إنفاقها لمساعدة اللاجئين على أراضيها.
3 مليارات من هذا المبلغ، كان مقررًا كدفعة أولى خاصة بتمويل مشاريع للاجئين، لكن الاتحاد لم يُكمل دفع تمام هذا المبلغ حتى الآن.
و طالبت أنقرة بدفع المبلغ بشكل نقدي بدًلا من ربطه بمشاريع محددة، إلا أن الاتحاد الأوروبي رفض الطلب أيضًا.
وكان الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، عمر تشيلك، أعلن سابقًا أن الاتحاد سدّد 1.7 مليار فقط من الدفعة الأولى البالغة 3 مليارات يورو.
ولم توافق المفوضية الأوروبية على تسديد الدفعة الثانية من المساعدات المالية المتمثلة بـ 3 مليارات يورو أيضًا، إلا قبل عدة أيام، بعد الكثير من التأخير والمماطلة.
- خطر المهاجرين على الاتحاد:
ذهب البعض إلى القول إن الاتحاد الأوروبي كان وجهًا لوجه مع أزمة تطول وجوده، بسبب موجة المهاجرين عام 2015، والتي تعد الأشد بعد الحرب العالمية الثانية.
وبسبب هذه الأزمة، فإن الاتحاد سيشهد الكثير من التفرقة والتشتت حال عدم توصله إلى اتفاق مع تركيا بهدف ضبط تدفق اللاجئين، بحسب قول البعض.
والسبب في ذلك، أن تدفق المهاجرين من مناطق الحروب عام 2015، إلى الاتحاد أدى إلى زيادة تطرف الخطابات السياسية في عموم القارة الأوروبية.
هذا الأمر أفضى إلى تقوية الأحزاب اليمينية المتشددة من جهة، وتوجّه الأحزاب الوسطية إلى تبني مواقف عنصرية ومتطرفة من جهة أخرى.
- تأثر الأحزاب:
وفي الإطار، شهدت نسب أصوات أحزاب يمينية متطرفة زيادة كبيرة، مثل حزب "الحريات" في هولندا برئاسة "غيرت فيلدرز"، و"الجبهة الوطنية" في فرنسا بزعامة "مارين لوبان"، وحزب "البديل لأجل ألمانيا".
لكن من جهة مقابلة، مع بدء سريان اتفاقية "إعادة قبول المهاجرين"، انخفضت نسب التصويت للأحزاب المتطرفة، وبدأت الأحزاب الوسطية تتولى دفة الحكم.
وفي إطار آخر، ورغم تصريح المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، بأنها ستتبع سياسة الأبواب المفتوحة تجاه اللاجئين، فإن ألمانيا تعتبر أول دولة علّقت العمل بنظام "الشنغن" بهدف ضبط حدودها، وتبعها كل من النمسا، والدنمارك، والسويد، والنرويج.
كما اتبعت عدد من الدول الأخرى نهجًا جديدًا من شأنه ضرب أسس فكرة التجول الحر، من خلال تمديد أسلاك شائكة على حدودها للوقوف في وجه موجة المهاجرين.
وتعتبر المجر المعروفة بمواقفها المعادية للاجئين، والتي لم تستقبل أحدًا منهم رغم اتفاقية التوزيع العادل للمهاجرين، أول دولة في الاتحاد تنشئ أسلاكا شائكة على حدودها مع صربيا، عام 2015.
وتبعت سلوفينيا المجر في 2016، بأسلاك شائكة على طول 150 كم من حدودها مع كرواتيا، ولاحقًا أنشأت النمسا جدارًا على حدودها مع سلوفينيا، لتنزل بذلك الضربة الأقسى على مبدأ التجول الحر، الذي يعد من النوى الأولى لإقامة الاتحاد الأوروبي.
والاتفاق الموقع بين تركيا والاتحاد، يهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر، إذ تقوم أنقرة بموجبه، باستقبال المهاجرين الواصلين إلى جزر يونانية ممن تأكد انطلاقهم من تركيا.
وتتخذ الإجراءات اللازمة لإعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، فيما يجري إيواء السوريين المعادين في مخيمات ضمن تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لدى تركيا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها.
ووفقًا لمعطيات وزارة سياسات الهجرة اليونانية، تستضيف البلاد على أراضيها أكثر من 60 ألف مهاجر تحتجز نحو 14 ألفًا منهم في الجزر التي وصلوها، في إطار اتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي.