تحدث السفير القطري في العاصمة التركية أنقرة، سالم بن مبارك آل شافي، في حوار خاص مع "ديلي صباح العربية" عن آخر التطورات السياسية المتعلقة بالأزمة الخليجية والعلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا إضافة إلى جهود إنهاء الأزمة وموقف قطر من الشروط المقدمة لا سيما ما يتعلق بإغلاق قناة الجزيرة.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
1) هناك من يعتبر أن لا حصار مفروض عليكم الآن وإنّما هو مجرّد مقاطعة، ما هو ردّكم على مثل هذا الأمر؟
قطر تتصل برّياً بالعالم الخارجي من خلال ممر واحد فقط لا غير يربطها بالمملكة العربية السعودية. عندما تقوم المملكة بإغلاق هذا الممر، فهذا يعني أنها قطعت تواصلنا عبره مع العالم الخارجي وفرضت علينا حصاراً، وتعريف الحصار بهذا المعنى واضح لغةً واصطلاحاً وقانوناً في البر والبحر والجو. كل وسائل إعلامهم بما في ذلك صحف مثل "الشرق الأوسط" و"عكاظ" و"الاقتصادية"، وصفت الإجراءات المتخذة ضد قطر بأنّها "حصار"، وهي موثّقة لدينا بالتاريخ والعدد. الدول الغربية تتحدّث عن حصار وليس قضية مقاطعة.
منعوا طائراتنا من التحليق فوق أراضيهم، لكننا استطعنا خرق هذا الحصار من خلال المجال الجوي باتجاه إيران وتركيا، ولو كان الأمر بيد دول الحصار لأغلقوه أيضاً. على كل حال، هم يطالبوننا الآن بذلك وينزعجون من المساعدات التي تأتي من تركيا ويعدّونها انحيازاً لنا، ثم يقولون إنهم لا يفرضون حصاراً علينا!
حتى إذا اعتبرنا أنّ الأمر يتعلق فعلاً بمقاطعة وليس حصاراً، فهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم. يقولون إنهم يمنعون شركاتهم ومواطنيهم من التعامل معنا، ثم يعرضون أن يقوم مركز الملك سلمان بمساعدة قطر في إمدادها بالمواد الغذائية والطبيّة. نحن طبعاً رفضنا ذلك لأنّنا لسنا بحاجة إليهم وإن كنّا تحت الحصار، فقد أغنانا الله عن مساعداتهم واستبدلها لنا بخير منها. والحق يقال إنّ كثيراً من الموجودين في البلدان التي تفرض الحصار علينا يستحقون هذه المساعدات، لذلك فمن الأولى والأجدر أن يقدّموها لهم.
بغض النظر عن الجدل الناجم عن التسمية، فإنّ ما اتخذوه من إجراءات غير قانوني وغير أخلاقي وبعيد كل البعد عن القيم الإنسانية والعربية والإسلامية. آلاف العائلات تضررت بسبب هذه القرارات. لقد قمنا بتوثيق انتهاكاتهم التي ارتكبوها وتتم ملاحقتهم الآن بشأنها في المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، سواء في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أو عبر منظمة العفو الدولية التي وصفت قرارات طرد مواطنينا من بلدانهم أنها "ازدراء مطلق للكرامة الإنسانية" أو عبر هيومان رايتس ووتش وغيرها من المؤسسات الدولية ذات الصلة. قمنا أيضاً بتكليف مكاتب قانونية متخصصة في سويسرا لمطالبتهم بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بكل من تضرّر من إجراءاتهم.
استخدام الأراضي المقدّسة للمسلمين كسلاح في نزاع سياسي أمر غير مقبول ولا يجوز شرعا. قمنا كذلك بتوثيق حالات طرد المعتمرين القطريين وتركهم في العراء، وكذلك حالات إجبار المقيمين القطريين في فنادقهم أو التلاميذ الذين يدرسون في مدارسهم على المغادرة على الفور. اضطررنا إلى الاستعانة بخطوط الإخوة في سلطنة عُمان وفي الكويت لإعادتهم، وبعضهم اضطر إلى العودة عبر تركيا. إجراءاتهم غير الإنسانية لم تطل البشر فقط بل حتى الحيوانات أيضاً، وقد شاهدتم عبر سائل الإعلام العالمية توثيق طردهم للإبل والماشية المملوكة لقطريين.
هذه الإجراءات ستبقى وصمة عار إلى الأبد. جميع الدول الهامة والمؤثرة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، اليابان..إلخ أو في العالم الإسلامي (تركيا، باكستان، المغرب، الجزائر ...إلخ) ترفض إجراءات دول الحصار، ولذلك يحاول المسؤولون في الدول التي تحاصرنا أن ينكروا هذه الأمور أمام وسائل الإعلام، لكن الشعوب تعلم تماماً أن لا صدقية لديهم. حتى الدول الغربية بدأت تعي هذا الأمر لا سيما بعد عدم تمكّنهم من تقديم أدلّة على الاتهامات الباطلة الموجهة إلى قطر، وتهرّبهم من الجلوس مباشرة إلى طاولة المفاوضات.
2) ماذا عن الادعاءات المتعلقة بدعمكم أو تمويلكم لمنظمات إرهابية؟ وهل لديكم أي نشاطات تتعلق بمكافحة الإرهاب؟
هناك تكرار لادعاءات لا أساس لها من الصحة بشأن صلة قطر بتمويل أو دعم الإرهاب. وبالرغم من أننا نطالب بشكل رسمي إلى جانب كثير من بلدان العالم -كالولايات المتّحدة الأمريكية- بتقديم أدّلة وبراهين على هذه الادعاءات الخطيرة ضد قطر، لم تقم دول الحصار بتقديم أي أدلّة أو براهين على هذه المزاعم، الأمر الذي دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التعبير عن إحباطهم واستهجانهم من هذا الأمر، حتى وصل الأمر بالخارجية الأمريكية إلى أن تشكك علناً في السبب الحقيقي للأزمة.
لكن يجب أن أشدد على نقطة هنا هي أنّ دول الحصار تريد أن تستخدم موضوع الإرهاب لتضليل المجتمع الدولي والدول الكبرى بشأن طبيعة نواياها وإجراءاتها غير القانونية وغير الإنسانية ضد قطر. فموضوع الإرهاب موضوع حساس حول العالم، وهناك من يعتقد أنّه بمجرّد استخدامه، لن يسأل أحد بعدها دول الحصار عن الأدلة على اتهاماتهم ضد قطر أو عن مسوّغات الإجراءات المتخذة ضد قطر.
نحن تاريخنا معروف وسياستنا شفافة، لا يوجد لدينا قطريون من بين منفذي هجمات 11 سبتمبر ضد الولايات المتّحدة، لكن يوجد من دول الحصار. لا يوجد قياديون قطريون لمنظمات إرهابية حول العالم، لكن يوجد من دول الحصار. لم يتم استخدام قطر لتمويل عمليات إرهابية حول العالم لكن تمّ استخدام مدن في دول الحصار لتبييض الأموال ولتمويل منظمات إرهابية قامت بتنفيذ عمليات في الغرب. ليس لدينا تعاطف من الناحية الاجتماعية مع العمليات الإرهابية أو منفذيها لكن الدراسات أثبتت أنّ عددا كبيرا من المتعاطفين مع "داعش" هم من مواطني بعض دول الحصار. البعض يدّعي أن عدم حصول تفجيرات في قطر هو دليل على دعمنا للإرهاب لكن هذا حجّة واهية وغير منطقية، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنّ دولة الإمارات تدعم الإرهاب لأنّها لم تتعرّض لهجمات إرهابية!
فضلا عن ذلك، من المعروف أنّ دول الحصار تستخدم الإرهاب ومكافحة الإرهاب كأداة سياسية، وهو أمر قد تعوّدت فعله لسنوات طويلة لتبرير الكثير من الأهداف أو السياسات غير المشروعة، كالبقاء في الحكم أو تأمين دعم خارجي لسلطاتها غير الشرعية أو للتغطية على ملفات الفساد والهدر، أو للتقرّب من بعض الدول على المستويين الإقليمي والدولي.
ولذلك تقوم هذه الدول باتهام حماس بالإرهاب وذلك خدمةً لأجندات خارجية لا توافق عليها حتى شعوبها. وتقوم كذلك بتجريم جماعات سياسية سلمية كالإخوان المسلمين بحجّة الإرهاب لأنّ هذه الجماعات تشكّل منافسا حقيقيا لهم في السلطة وبديلا منهم في الحكم.
إن تصنيف جماعات سياسية بكاملها كتنظيم إرهابي أمر غير مقبول عند معظم دول العالم وغير ممكن أصلاً. ويكفي أن أشير إلى تعليق وزير الخارجية الأمريكي الذي قال في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مؤخراً إن الجماعة تضم ملايين الأعضاء، ما يجعل وضعها برمتها على قائمة الإرهاب أمرا معقدا، مضيفا أنّها أصبحت جزءاً من الحكم في بعض الدول.
نحن بالنسبة إلينا، موقفنا واضح جداً، ولا نستخدم موضوع الإرهاب كأداة سياسية، وملتزمون بما يصدر عن الأمم المتحدة بشأن تصنيف الجماعات الإرهابية وآلية مكافحتها وليس بما يصدر عن هذه الدولة أو تلك، أو هذا الشخص أو ذاك.
قطر عضو فاعل جدا في مكافحة الإرهاب الحقيقي ومشاركة في كل المنصات الدولية المعنية بهذا الأمر ماليا وسياسيا وحتى عسكريا بالرغم من تواضع قدراتنا العسكرية مقارنة بغيرنا، ولهذا الأمر أسبابه أيضاً. نحن فضّلنا أن نزيد من الإنفاق على التعليم والصحة والخدمات العامة والتنمية بدلا من الإنفاق على السلاح.
هدفنا كان ولا يزال الارتقاء بمستوى معيشة شعبنا وتحقيق الرفاهية والازدهار له، وبفضل هذه السياسة أصبح دخل الموطن القطري الأعلى في العالم، وتقوم دولة قطر بتقديم كل الخدمات الأساسية له مجاناً، بينما لا يزال مواطنو كثير من بلدان محور الحصار يعانون البطالة والفقر والحرمان والتهميش ليس لأنّ دولهم فقيرة -بعضها يزيد إنفاقه العسكري على إنفاق دول كبرى كروسيا، والبعض الآخر يحتل المرتبة الثانية عالميا اذا ما قسنا حجم إنفاقها العسكري الى الناتج المحلي الإجمالي- وإنما بسبب سوء إدارة وتوظيف موارد الدولة ومقدراتها.
تعاوننا الأمني مع العديد من دول الحصار كان ولا يزال فاعلاً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، جنودنا شاركوا في التحالف العربي والإسلامي الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية. جنودنا شاركوا كذلك في المعركة ضد الحوثيين وقدّموا الشهداء دفاعاً عن حدود المملكة لأنّهم يؤمنون عن حق بأنّ لا فرق بين أي دولة من دول المجلس ودولة قطر، ولا يقبلون أن يمس هذه الدول أي سوء، فنحن نعمل بأصلنا وما تربّينا عليه من قيم وما يمليه علينا واجبنا وديننا...لكن انظروا كيف تصرّفت هذه الدول معنا!
حتى خلال الأزمة الحالية، نحن لم نوقف تعاوننا الأمني عندما يتعلق الأمر بتهديد حقيقي، وقمنا بتسليم المملكة العربية السعودية أحد المطلوبين.
3) إغلاق شبكة الجزيرة كان مطلباً من بين المطالب الواردة ضمن اللائحة التي سُلّمت إليكم، كيف ستتعاملون مع هذا الأمر وما هو مصير الجزيرة؟
كما قال وزير خارجيتنا، مستقبل شبكة الجزيرة أمر غير قابل للنقاش، والمطالبة بإغلاقها أو حجبها أو منعها هي تدخّل مرفوض في شأننا الداخلي. هل يمكن لأحدهم أن يتصور إغلاق (بي بي سي) أو (سي إن إن) أو (تي آر تي) لأنّ دولة أخرى طلبت ذلك؟ بالطبع لا. لا توجد دولة مستقلة ذات سيادة تسمح لأي كان أي يملي عليها ماذا تفعل وماذا لا تفعل وماذا تفتح وماذا تغلق داخل أراضيها.
نحن نعتقد أنّ مطالبة بعض دول الحصار -التي تنظر الى نفسها كقوى إقليمية كبرى- بإغلاق قناة هنا ومحطّة هناك أو موقع إلكتروني هنا وموقع إخباري هناك هي مؤشر خطير على مدى ضعفها وهشاشة أوضاعها الداخلية. لم يعد خافيا على أحد أنّ هؤلاء يريدون إغلاق كل المنافذ التي يستطيع المواطن العربي التعبير من خلالها عن ذاته وعن مطالبه وعن حاجاته.
عندما ينفجر الشارع العربي نتيجة لهذا الكبت والضغط، يستغربون ردّة فعله ثم يلجؤون إلى الجيش لقمعه وبعدها يشتكون أنّ هناك ظاهرة إرهاب بدأت تنشأ وتنتشر. أليست مثل هذه التصرفات هي سبب من الأسباب التي جعلتنا نشهد خلال السنوات الماضية عددا من الثورات في بعض البلدان العربية؟ أليس تكميم الأفواه والقمع بدلا من الاستماع إلى الشعوب وتلبية متطلباتها هو ما أدى ويؤدي إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب؟
لقد اعترف سفير الإمارات لدى موسكو في مقابلة له مع صحيفة الغارديان مؤخراً، أنّهم لا يملكون حرية صحافة عندما قال "نحن لا نمتلك حرية صحافة أو إعلام ولا نروّج لها"، لذلك من الطبيعي أن يعتبروا أنّ مطلب إغلاق قناة الجزيرة هو أمر منطقي بالنسبة إليهم.
4) إغلاق القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، كان أحد الشروط للتراجع عن الإجراءات المتخذة ضد قطر، كيف تنظرون إلى هذه القاعدة من وجهة نظركم، وما هو موقفكم إزاء هذا الطلب؟
فيما يتعلق بموضوع القاعدة العسكرية التركية في الدوحة، الجميع يعلم أنّ هذه القاعدة تمّ تأسيسها استناداً إلى اتفاقية دفاعية مشتركة بين قطر وتركيا عام 2014. والاتفاقية ليست سرّية، وهدفها كما تم إعلانه في حينه هو المساهمة في تعزيز أمن واستقرار الخليج والمنطقة بشكل عام كما هو الحال بالنسبة إلى القواعد الأخرى الموجودة عندنا وعند دول الحصار.
لم يكن لأحد اعتراض عليها أو على دورها آنذاك بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بل إنّ الجانب التركي كما أفصح فخامة رئيس الجمهورية التركية كان قد عرض على المملكة حينها إنشاء قاعدة هناك إن هي أرادت ذلك، في إشارة إلى أنّ القاعدة العسكرية في الدوحة ليست موجّهة ضد أي دولة أخرى في مجلس التعاون.
الاتفاقيات من هذا النوع تدخل في إطار العلاقات الثنائية بين بلدين مستقلين ويتمتعان بالسيادة على أراضيهما، وهي لا تخضع للموافقة المسبقة من قبل أي دولة ثالثة. وعليه، فإنّ المطالبة بإغلاق هذه القاعدة وقطع العلاقات الدفاعية بيننا وبين تركيا هو تدخل سافر في شأننا الداخلي وتعدٍّ على حقوقنا السيادية ومحاولة لفرض وصاية علينا. هذا يتناقض مع كل القوانين والأعراف الدولية، ويثبت مرّة أخرى أنّ الموضوع لا يتعلق بالإرهاب كما زعموا، وإنما هو مجرّد ذريعة من أجل افتعال الأزمة وإخضاع قطر.
من المثير للسخرية والاستغراب معاً، أنّ هناك عدّة دول من محور الحصار تضم على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وبريطانية، ولم يطلب أحد إغلاقها. لا يوجد مبرر منطقي للمطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية وقطع العلاقات الدفاعية بين قطر وتركيا إلا إذا كانت لدى دول محور الحصار نوايا عدوانية مبيتة أو مخطط لتدخل عسكري يعتقدون أنّ القاعدة العسكرية التركية قد تحول دونه.
هم يقولون إنّ مبررات الأزمة مع قطر تعود إلى ما قبل 20 عاماً، ونحن نقول إنّه قبل 20 عاماً حاولت نفس هذه الدول الأربع تدبير انقلاب داخلي ضدّنا عبر غرفة عمليات في المنامة لكنّها فشلت في ذلك الأمر. إذا لم يكن لديهم أي نوايا عدوانيّة جديدة مبيّتة تجاهنا، فيجب عليهم أن يحترموا الاتفاقيات الموقعة بيننا وبين أطراف أخرى هم على علاقات وثيقة معها كذلك.
علاقات تركيا مع دول مجلس التعاون جيدة جدا لا سيما مع السعودية والبحرين والكويت ونحن نرى أنّ علاقات إستراتيجية بين تركيا ودول مجلس التعاون ليست أمراً مهما وحيوياً فقط بل هي أمر مطلوب ونشجّع عليه دوماً لما فيه مصلحتنا جميعا وأمن الخليج العربي والمنطقة عموماً.
5) تركيا تشدد دوماً على ضرورة حل الأزمة من خلال الحوار والمفاوضات، ما الذي يمنع في رأيكم من الحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة؟
بالطبع، كما سبق وذكرت دوماً. نحن نثمّن الموقف المسؤول والمتوازن للجمهورية التركية من هذه الأزمة، وحرصها على أمن واستقرار منطقة الخليج، وكذلك على علاقتها مع جميع الأطراف، ودعوتها الدائمة منذ اللحظة الأولى إلى الحوار والتفاوض من أجل حل الأزمة تجنبا للدخول في معارك جانبية لا تحتملها المنطقة.
هذه رسائل إيجابية من المهم التشديد عليها وندعو الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها، وأن تساهم كذلك في دعم الوسيط الكويتي من خلال حث دول الحصار على التراجع عن الإجراءات غير الأخلاقية وغير القانونية المتّبعة والتي تساعد على تأجيج الأزمة وتصعيدها دون أي مبرر.
هناك تناقضات كبيرة جداً في كلام المسؤولين في دول الحصار، سمعتم ما قاله وزير الخارجية البحريني عندما كان في أنقرة، وتصريحه المناقض قبل أيام بشأن العلاقات الدفاعية بين الدوحة وأنقرة. هناك مسؤولون آخرون كذلك، بعضهم يخرج ليقول إنّهم منفتحون على حوار وإنّهم يحترمون الوسيط الكويتي ويريدون له النجاح في مهمته، ثم يخرج وزير الخارجية السعودي ليقول "لا تفاوض حول قائمة المطالب"، ما يعني أنّهم غير منفتحين على حوار وأنّ هناك نية مسبقة لتقويض أية جهود إيجابية للوسيط الكويتي أو لغيره من الوسطاء، وهو ما أشار إليه أيضا بطريقة غير مباشرة تصريح وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون عندما دعا إلى الحوار بحسن نيّة.
يقولون إنهم يحترمون مجلس التعاون ويريدون حل الخلاف من خلاله دون مساعدة خارجية، لكنّهم يقوّضون المجلس بشكل مستمر. لم يطرحوا المشكلة عبر المجلس منذ البداية، وعطّلوا المادة الـ 10 من ميثاق المجلس ولم يستخدموا الآليات التي يتيحها المجلس لحل أي خلاف، ولم يأخذوا آراء أعضاء المجلس في الإجراءات غير القانونية المتّخذة ضد قطر، وقرروا تجاوزها بشكل عمدي لأنّها تتطلب إجماعاً بحسب المادة الـ 9. ولم يكتفوا بذلك، بل أدخلوا معهم مصر التي لا تعتبر عضوا من أعضاء مجلس التعاون.
هذا يؤكد أنّهم لا يريدون حل الأزمة المفتعلة من قبلهم لا من قبل الوسيط الكويتي ولا في داخل مجلس التعاون.. وإنما يستخدمون هذه الأطر لتمرير الوقت فقط لا غير، ولتحييد أي ضغوط خارجية قد تمارس عليهم لاحقاً لوقف التدهور في الوضع وإنهاء الأزمة.
الحوار يتطلب بيئة مناسبة وشخصيات عاقلة ومسؤولين يتمتعون بالنضج والمسؤولية. أبواب الدوحة مفتوحة دوماً للتفاوض والحوار على أساس الندّية والمساواة والاحترام المتبادل. لكن لا يمكننا التعامل مع ادعاءات من دون تقديم أدلة قاطعة بشأنها، وبعد تقديم الأدلة والبراهين وذكر مطالب معقولة وقابلة للتنفيذ كما يشدد معظم المسؤولين حول العالم بما في ذلك الولايات المتّحدة الأمريكية، يمكن الجلوس ومناقشة هذه الأمور. لكن على ما يبدو، أنهم لا يمتلكون دلائل ولا يريدون تفاوضاً.. ولا يطرحون طلبات وإنما أوامر لفرض وصاية علينا وهذا ما لن يحصل.