بعد أن اكتشفت ماريون باركس أنها بحاجة إلى إجراءات علاجية مكثفة في فمها وأسنانها، قررت المرأة البالغة من العمر 55 عاماً أن أفضل إجراء لها هو مغادرة قريتها الإنكليزية الصغيرة لإجراء زراعة أسنان.
وباركس هي واحدة من آلاف البريطانيين الذين يسافرون إلى الخارج لعلاج أسنانهم، بعد أن كان الأمر محصوراً فقط بإجراء عمليات تجميلية للحصول على الابتسامة المثالية، لأنهم لا يستطيعون الحصول عليه في بريطانيا.
وتشتهر بريطانيا بأنها مصدر للنكات حول الأسنان السيئة، إذ تعاني من نقص في أطباء الأسنان، وتحتل المرتبة الثالثة من أسفل القائمة بين 22 دولة معظمها غنية، في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث الوصول إلى علاج الأسنان حسب إحصائيات عام 2021.
وقد أدت المشاكل المتعلقة بنظام التمويل الحكومي إلى تفاقم المشكلة، ما يعني أن ملايين الأشخاص لا يستطيعون الوصول إلى طبيب أسنان منخفض السعر في الخدمة الصحية الوطنية التي تديرها الدولة.
ومع تكلفة طب الأسنان الخاص الباهظة للكثيرين، زادت الأزمة من الشعور بالضيق في بريطانيا، حيث تعاني مؤسسة وطنية هامة مثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية من أزمة دائمة مع إضراب الموظفين، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل صاروخي.
وقال تقرير برلماني في يوليو/تموز إن الناس يقومون بخلع أسنانهم في الحالات القصوى، مشيراً إلى أن ذلك "غير مقبول على الإطلاق في القرن الحادي والعشرين". كما تحذر الجمعيات الخيرية من أنه سيتم تفويت أمراض أخرى دون الوصول إلى طب الأسنان بشكل منتظم.
وقالت باركس للإعلام الغربي لدى وصولها إلى اسطنبول لإزالة سن واحد وتركيب زرعتين، "أشعر بالأسف على الأشخاص الذين يعانون من الألم في المملكة المتحدة"، ودفعت خُمس التكلفة فقط التي طلبتها مني عيادة بريطانية خاصة.
ولا توجد إحصاءات رسمية عن سياحة طب الأسنان من بريطانيا، لكن المقابلات التي أجريت مع 6 شركات تعمل في القطاع، تظهر أن سياحة طب الأسنان في المملكة المتحدة إما وصلت إلى مستويات قياسية، أو لا تزال تنمو بسرعة.
ارتفاع الطلب
عالجت عيادة تاور لطب الأسنان في إسطنبول وهي العيادة التي تلقت فيها باركس علاجها أيضاً، أكثر من 500 مريض بريطاني هذا العام، ارتفاعاً من 200 مريض عام 2022، وتتوقع أن يستمر ذلك في النمو، مدعوماً جزئياً بضعف الليرة التركية.
وقالت شركات طب الأسنان الأخرى العاملة في تركيا والمجر ورومانيا إنها تشهد طلباً قوياً من المملكة المتحدة.
كما تلقت شركة "سوق السفر الطبي" وهي شركة استشارية مقرها المملكة المتحدة، أكثر من 1500 استفساراً حتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام، بزيادة بلغت 450% مقارنة بعام 2022. وتقول شركة "زراعة الأسنان في الخارج" إنها خدمت عدداً قياسياً من البريطانيين عام 2023، وساعدت "المئات" على الطيران إلى رومانيا لإجراء زراعة الأسنان.
وتتوقع شركة "المغادرة لعلاج الأسنان" وهي أكبر شركة في العالم لسياحة طب الأسنان من حيث الإيرادات، أن تقفز الحجوزات من بريطانيا بنسبة 15% لتصل إلى مستوى قياسي عام 2023. كما تتوقع شركة "دنت رويال" أن تكون قد حجزت لـ 600 مريض بريطاني إلى مدينة إزمير الساحلية التركية عام 2023، ارتفاعاً من 350 مريضاً العام الماضي.
وقال إيدي كراوتش رئيس الجمعية البريطانية لطب الأسنان، للإعلام الغربي، إن إغلاق العيادات البريطانية بسبب فيروس كورونا أدى إلى تراكم كبير، ولم يعد الناس يسافرون إلى الخارج لإجراء أعمال تجميلية فقط.
وأضاف: "صرت أسمع الآن من الروايات المتناقلة، أن العديد من المرضى يسافرون إلى الخارج لمجرد الوصول إلى طب الأسنان العام".
من جانبه قال إرتان أتيم أوغلو، الذي يدير عيادة تاور دينتال التي عالجت باركس، إن هناك "فرقاً مذهلاً" في فواتير طب الأسنان في تركيا والمملكة المتحدة، عندما لا يكون طبيب أسنان هيئة الخدمات الصحية الوطنية متاحاً.
وأشار إلى أن لدى باركس طبيب أسنان تابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، ولكن الخدمة لا توفر زراعة الأسنان إلا في حالات نادرة مثل أن يكون المريض مصاباً بسرطان الفم، وذلك بسبب التكلفة. ويقول موقع هيئة الخدمات الصحية الوطنية على الإنترنت: "عادةً ما تكون عمليات زرع الأعضاء متاحة بشكل خاص فقط، وهي باهظة الثمن".
وقد طُلب من المريضة باركس دفع 5000 جنيه إسترليني مقابل عمليتي زرع في عيادة خاصة في بريطانيا، مقابل تركيا حيث ستدفع 923 جنيهاً إسترلينياً مقابل العلاج بما في ذلك عملية القلع، وتشمل الفاتورة تكلفة الإقامة أيضاً. أما تكلفة الرحلة فهي أقل من 200 جنيه.
بدورها أوضحت هيئة الخدمات الصحية الوطنية أن نظام المملكة المتحدة لم يعد عقده صالحاً لطب الأسنان الذي توفره الحكومة منذ عام 2006.
وتقول إن هيكل الدفع لا يميز بين تعقيد العلاجات. ونتيجة لذلك، تعمل العديد من عيادات طب الأسنان على أساس الخسارة، وتكمل دخل هيئة الخدمات الصحية الوطنية بالعمل الخاص. ولا يقبل الكثير من العيادات الخاصة إكمال علاج العملاء الجدد. ويترك البعض الخدمة ببساطة، ما يقلل من إمكانية وصول المرضى للخدمات السنية.
أما لجنة الصحة بالبرلمان فصرّحت أن إصلاح العقد المتعلق بطب الأسنان أمر ضروري. ولم تعلق الحكومة على الاتفاقية لكنها قالت إنها تحرز تقدماً وستضع "قريباً" تدابير لتحسين الوصول إلى طب الأسنان التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية.
وفي غضون ذلك قال متحدث باسم الخدمة الصحية الوطنية إن 1.7 مليون بالغ و800 ألف طفل آخرين يتلقون رعاية أسنان تابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية مقارنةً بالعام الماضي. وأشار المتحدث أيضاً إلى الخطط المعلنة هذا العام لزيادة أماكن تدريب طب الأسنان بنسبة 40%. وقال المنتقدون إن توظيف المزيد من أطباء الأسنان دون إصلاح عقد طب الأسنان لن يحقق شيئاً.
وبالنسبة لباركس، فإنها تخطط للعودة إلى إسطنبول في أبريل/نيسان لاستكمال العلاج. وقالت إن السفر إلى الخارج بدا أمراً "لا يحتاج إلى تفكير" وأنها أعجبت حقاً بالخدمة.
وختمت وهي تسير في شوارع اسطنبول بعد يومين من إجراء العملية "لقد كان الأمر رائعاً، وكانت تجربة ناجحة للغاية".