تتعدد معالم التاريخ والحضارة والسياحة والآثار في كافة المدن التركية المشهورة بثرائها بمنتجات الفكر الإنساني وبدائع صنعته.
وتتنوع هذه المعالم بتنوع المناطق الجغرافية الممتدة على طول البلاد وعرضها. وبينما تعتبر إسطنبول وأنطاليا وإزمير أكثر المدن ارتباطاً بالجولات السياحية والتاريخية، إلا أن كنوز الجمال والعراقة والفن والأدب والإبداع ممزوجةً بمظاهر التطور والحداثة، لا تنفك تبهر السياح والزوار في كل مدن البلاد ومناطقها من أصغر بلدة فيها إلى أكبر حاضرات الجمهورية المعاصرة ومن قبلها الإمبراطورية العثمانية والسلجوقية واليونانية والرومانية، وغيرها من العصور الموغلة بالقدم التي استوطن سكانها أرض الأناضول المباركة.
نستعرض في هذا المقال بعضاً من المعالم الكثيرة والأماكن الجميلة التي تضفي على زيارة أنقرة مهما كان سببها، الكثير من المعرفة والمتعة والبهجة حتى لو كانت الرحلة لعائلةٍ تضم بين أفرادها أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 3-12 عاماً.
1- معرض الكائنات البحرية " أكواريوم فيغا":
توجد هذه التحفة المميزة داخل مجمع تجاري كبير في الطابق الأول تحت الأرضي، ويعرف المكان باسم "أكواريوم فيغا" نسبةً لاسم المجمع، وهو يضم عدداً كبيراً من أحواض السمك والكائنات المائية الصغيرة منها والكبيرة، بأنواعها المختلفة وألوانها التي لا تنتهي، موضوعةً داخل بيئة اصطناعية يصعب تفريقها عن بيئتها الطبيعية الحقيقية ما يدل على فرط العناية التي تتلقاها، حيث تُضبط درجة حرارة المياه ونسبة الأوكسجين فيها إضافةً لوجود لوحات تعريفية جانب كل حوض تشرح للزوار تفاصيلاً عن الكائنات التي تسكن الحوض، موّضحةً بالرسم ومكتوبةً باللغتين التركية والانكليزية.
وعلاوةً على وجود أنواع هائلة من الكائنات البحرية، يوجد في المكان أيضاً قسم يضم بعض الحيوانات البرمائية كالسلاحف والتماسيح إضافةً لطيور نادرة وأفاعي ونمور وقطط وحشية وغيرها.
ولا تقتصر الزيارة على مشاهدة الكائنات المائية عبر الأحواض المجسمة من خلال زجاج أقرب ما يكون لعدسات النظارات المكبرة، بل يمكن للأطفال إطعام الأسماك بمحاليل مغذية تُباع بزجاجات أشبه برضاعات الحليب، ما يجعل البهجة والمتعة وحس المغامرة يمتزج بضحكاتهم وانفعالاتهم المفرحة التي تسري إلى الآباء وعموم الزوار فتغمرهم بالسعادة والود البيني المشترك.
وقبيل انقضاء وقت الزيارة يفاجئك المعرض المائي الممتع بنفقٍ خاص يعرف بالنفق الأزرق حيث يلف الزائر عالم من الأسماك المنوعة بكبيرها وصغيرها، ويحيط به من كل جانب أثناء سيره ضمن نفق مائي بديع في إظهاره المجسم لكائنات لا تهدأ بعضها يسبح بهدوء وبطء وبعضها توحي للناظر أنها تطير مرفرفة بزعانف هي أقرب للأجنحة من كونها أعضاء مائية، إلى جانب قروشٍ متوحشةٍ ومرجانٍ يتنفس بطريقة عجيبة ملتصقاً على الصخور بلونه الوردي الفريد، ما يجعل الزائر يحتار كيف يقبض على كل هذا الجمال الغريب قبل أن يتفلت منه، فتراه يلتقط الصور تارة ويتأمل الكائنات التي تسبح في سقف النفق وجوانبه تارة أخرى. وأحياناً يخيل إليه أن إحدى السمكات تراقبه فيمد يده إلى زجاج الحوض ليُفاجَئ بتتبع السمكة لحركة أصابعه بالفعل. وهكذا تمر اللحظات بسرعةٍ مهما تعمد الزائر إطالتها، شأنها شأن كل الأوقات الجميلة في الحياة.
وما يلبث أن يجد الزائر نفسه أمام منصة الصور التي تم التقاطها له أثناء تجواله في المكان وقد رصدت تعابير الدهشة والمفاجأة وصيحات الإثارة والمغامرة التي أبداها دون قصد منه، فيشعر أن زيارته لن تنته أبداً بفضل تلك الوثائق اللطيفة.
وقبل الانصراف إلى مساحات التزلج وصالات الطعام الكبيرة والمخازن العامرة بشتى أنواع البضائع التي يعج بها المركز التجاري الضخم، يعبر الزائر لمعرض الأسماك في محطته الأخيرة من خلال نقطة بيعٍ للهدايا التذكارية، تضم الكثير من السفن الخشبية المصنوعة يدوياً بغاية الدقة والاحتراف وعلّاقات المفاتيح والساعات الجدارية واللوحات والمجسمات التي تتخذ من عالم البحار مواضيعاً لها، ومن الصعب حقاً تفويت فرصة كهذه دون اقتناء بعض التذكارات التي تعمل على بث روح البهجة والمتعة في النفوس كلما وقع البصر عليها.
ويمكن التعرف على أنواع تذاكر الدخول التي تتراوح بين الدخول الفردي ذو القيمة الكاملة أو المخفضة وتذاكر الأطفال والطلاب وتذاكر العائلة مع طفل واحد وتذاكر العائلة مع طفلين وأسعارها، من الموقع الالكتروني للمعرض أو من اللوحات التعريفية الموجودة عند شباك التذاكر. https://www.aquavega.com.tr/sayfa/online-bilet
2- متحف الشطرنج:
في حي يكتظ بالبيوت الخشبية القديمة ذات الطابقين وسط أزقة هادئةٍ في منطقة "ألطن داغ" في العاصمة التركية أنقرة، يقع متحف الشطرنج الذي يضم في الطابق الأرضي منه صالةً للعب الشطرنج وتعلم الكثير من أصوله الهجومية والدفاعية، إضافةً إلى مطعمٍ صغيرٍ يقدم المأكولات الخفيفة والمشروبات والمثلجات، وفي الجانب الآخر من الطابق ذاته توجد صالة العرض الأولى التي تضم نماذج كثيرة من رقعات الشطرنج التي تعود لعصور قديمة تلامس تواريخ اختراع اللعبة واسعة الانتشار، أُحضرت إلى المعرض من معظم أنحاء المعمورة، وهي مرصوفة في واجهات عرض زجاجية أنيقة ومضاءةٍ، تتيح للناظر تفحصها من كافة الأطراف، وفي أغلبها استخدمت فرق مختلفة من الأحجار في الرقعة الواحدة، كي يتاح للزائر مشاهدة نماذج بأعدادٍ مضاعفة لأعداد الرقع، وزوّدت كل رقعةٍ بلوحةٍ تعريفية تشير إلى تاريخ صنع النموذج والمواد الأساسية المصنوع منها وتاريخ الصنع والدولة التي صنع فيها.
وما من شك أن الرقع المعروضة على اختلاف طرزها وتاريخها، تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ثقافة البلد الذي صُنعت فيه، فترى ملوك فرنسا وبريطانيا ومقاتلي منغوليا وفيلة الهند والكثير الكثير من رموز الحضارات والثقافات، حاضرةً بقوة في نماذج الشطرنج ناهيك عن طبيعة الأحجار ذاتها، من القلعة إلى الحصان إلى البيادق المتكررة إلى عظمة الملك وأبهة الوزير أو الملكة التي لا تفارق مليكها في حالات النصر وإن فعلت فعلى المباراة السلام.
ومن خلال درجٍ خشبي صقيل، يُتيح المتحف للزائر الصعود إلى الطابق الثاني حيث توجد ثلاث صالات عرض أخرى، تزخر كل واحدةٍ منها بنماذج فريدة لرقعات شطرنج تحاكي أزمنةً قديمةً وحديثةً وبلداناً تجمع قارات العالم قاطبةً.
وتتميز بعض الرقعات في هذا الطابق بأرضيّة مدرّجة وأخرى تحوي حُجُرات مقعّرةٍ، بينما تبرز الصنعة اليدوية البديعة في الرقعات الخشبية التي تضم أحجاراً تمتاز بالزخارف الناعمة التي تعكس مهارة صنّاعها وثقافة البلدان التي تبرع عادة بمثل هذا النوع من الحرف اليدوية كتركيا والهند وإيران.
وعلى مشارف المخرج الذي يؤدي إلى سلم الهبوط، تقف رقعة شطرنج مميزة تروي قصة صراع مبطّنٍ يكاد لا ينتهي بين فريق الولايات المتحدة في حقبةٍ من التاريخ المعاصر وفريقٍ من الخصوم يضم إرهابيين مزعومين، حيث تجسد الأحجار شخصيات مثل كونداليزا رايس وبوش الابن وأسامة بن لادن وصدام حسين وغيرهم.
ويمكن التّعرف على الفعاليات التي يقدمها المتحف في العطل والمناسبات إضافة إلى طريقة الوصول إليه وساعات عمله الأسبوعية، من خلال زيارة الموقع الرسمي له www.gokyaysatrancvakfi.org.tr
3- مركز العلوم:
تعتبر زيارة مركز الفيزياء والعلوم في أنقرة نزهةً جميلةً تجمع بين المتعة والترفيه والتعلم، كون المركز يقع ضمن مساحةٍ ممتدة تضم صالةً رياضيةً وروضة أطفال ومركزاً موسيقياً، وتحيط بتلك المباني المتناثرة هنا وهناك حديقة خلابة فيها بحيرة اصطناعية تقع على ضفافها ساحة للعب الأطفال واستخدام زلاجات العجلات والدراجات الصغيرة، وتصطف مدرّجات من المقاعد حولها تتيح للزائر الجلوس للاستجمام وتأمل المنظر البديع، فيما تمتد المساحات العشبية الغنّاء في كل الاتجاهات تظللها بين الحين والآخر أشجار باسقة تشير إلى تاريخ المكان الممتد إلى أكثر من عشرين عاماً.
وتوجد عند بوابة المركز منطقة مخصصة للعب الأطفال الصغار الذين لا يمكنهم إدراك محتويات المركز، إذ يمكن لأحد الوالدين أن يمضي الوقت معهم ريثما يتاح لبقية الأبناء زيارة المكان المفيد والاستمتاع بالتعلم فيه.
وفي ساعةٍ محددةٍ من اليوم تُعلن إدارة المركز بدء العرض العلمي الذي يستقطب الزوار من خلال التعريف بأحد المواضيع العلمية كالكهرباء أو الحركة أو الأشعة أو ما شابه، حيث يجتمع الجمهور على مقاعد مقابلة للمنصة التي يقف عليها المدربون المتخصصون ويقومون بشرح المعلومات بطريقة شيقة تجذب الأنظار، مستعينين ببعض الأشخاص لإيضاح التطبيقات البسيطة ما يُشيع جواً من الإثارة والبهجة بين الحاضرين وخصوصاً الأطفال منهم.
ويضم المركز العديد من تطبيقات الفيزياء التي توضح كثافة السوائل وتطبيقات التصوير ثلاثي الأبعاد وقياس شدة القوة وسرعة ردود الأفعال البشرية وتعادل قوى التوازن وأثر الحرارة في طيران المناطيد بالهواء الساخن وتطبيقات انتشار الصوت في المكالمات عن بعد ومجسّمات توضح حركة الكواكب والنجوم والمجرات وماهية الثقب الأسود وآلية ابتلاعه للأجسام الكونية فضلاً عن تطبيقات الظل وانعكاسات الأشعة على المرايا المتقابلة وغيرها الكثير من العلوم الممتعة والمفيدة والمدهشة بآن معاً.
وتجدر الإشارة إلى أن قيمة تذاكر الدخول إلى مركز العلوم زهيدة جداً، وهي مخفضة بشكل خاص للطلاب. وبالإمكان التعرف على موقع المركز وساعات عمله من خلال الرابط الإلكتروني https://www.fgbm.com.tr
4- مكتبة الأمة الرئاسية:
هي صرح حضاري علمي ثقافي عظيم، يضاهي أكبر صروح الثقافة والمكتبات الرئاسية العالمية من حيث الاتساع والتصميم وعدد الكتب والمؤلفات والمخطوطات والمواد المقروءة والمسموعة في العالم.
وتقف الكلمات عاجزةً عن وصف الأجواء المحيطة بالمكان منذ لحظات الاقتراب منه، ناهيك عن المشاعر التي تعتري الزائر وهو يتأمل صالة المعارض المقابلة لبناء المكتبة والحدائق المحيطة بها والمسجد المهيب الذي يجاورها بمآذنه التي ترتفع بالهواء في مشهد يعكس دقة اختيار الموقع ودلالاته من حيث الانتماء لأمة عظيمة في البعد المادي والمعنوي.
ومن الطبيعي ألا يتسع مقال كهذا لوصفٍ مفصلٍ للمكتبة بكافة طوابقها وردهاتها وأروقتها، وما تحتويه من كتبٍ ومخطوطاتٍ ودورياتٍ وحولياتٍ وصالاتٍ تغلق وتفتح في ساعات محدودةٍ، وأخرى تستمر في تقديم خدماتها للباحثين والدارسين والطلاب على مدى اليوم كاملاً بساعاته الأربع والعشرين طيلة أيام الأسبوع على مدار الأشهر والأعوام، إضافةً إلى تقديم القهوة والشاي والكعك وأطباق الحساء مجاناً لمرتادي المكتبة.
تتألف المكتبة بالمجمل من ستة طوابق فوق الأرض وأربعةٍ أخرى تحتها، إضافة لمدرّج استراحة على هيئة دائرية تتخلله نباتات الزينة وطاولات للجلوس الفردي أو المشترك، إلى جانب مصاعد بانورامية تتيح للرّاكب الإشراف على كل الطوابق التي تضم بدورها منصّاتٍ لحمل الكتب وطاولات للجلوس عليها بهدف المطالعة أو الدراسة، إضافةً لقاعات المواد السمعية البصرية وقاعات المطالعة الفردية، ومساحات أخرى تضم صالات الخدمات والاستراحات والمساجد وأماكن الحصول على المشاريب المجانية.
وهناك قاعات مخصصة للأطفال وأخرى للشباب وأخرى للباحثين والمتخصصين، كما تضم المكتبة قاعاتٍ للمخطوطات النادرة ومشفى للكتب لإعادة ترميم القديم وإصلاح التالف منها، إلى جانب الكثير من التفاصيل التي قد تستلزم تخصيص يوماً كاملاً للإطلاع عليها في جولة تعريفية واقعية أو افتراضية متاحة على الموقع الالكتروني، ناهيك عن تصفحها والاستمتاع بقراءتها.
ويمكن من خلال صفحة المكتبة على الانترنت المخدومة بعدة لغات منها اللغة العربية، التّعرف على الأنشطة والفعاليات التي تقدمها المكتبة بالإضافة إلى كافة التفاصيل www.mk.gov.tr