رحلة في تاريخ قونية التركية ومطبخها المميز

إيتلي اكميك etli ekmek (Shutterstock)

يحب الكثيرون قضاء عطلة نهاية الأسبوع في قونية من أجل الطعام فقط، وهذا ليس سلوكا سخيفاً أبداً، فمطبخ المدينة التي تشتهر بتاريخها وروحانيتها، لا يوجد مثيل له على الإطلاق. وفي العقد الماضي، أصبحت المدينة متحضرةً ومتعددة الثقافات بشكل متزايد، وكذلك حذا مطبخها حذوها بالرغم من أنها لم تفقد نكهتها الإقليمية وعلاقاتها بالماضي. وبمجرد ركوب القطار السريع بعيداً عن أنقرة وإسطنبول، يتحول الحلم إلى واقع سهل المنال أكثر من أي وقت مضى.

خبز الزيت أو "ياغ سومونو" yağ somunu

وهو أحد أطباق قونية الجديدة المبتكرة، الذي يشيع تناوله في الصباح البارد المظلم عندما تكون الحاجة ماسّةً إلى وفرة من الطاقة، فهو حرفياً خبز مليء بالزيت.

وأفضل الأماكن التي تقدم هذا النوع من الإفطار الثقيل هو مخبز الفطائر "بيدجي حسن شينداغلي" الواقع في سوق "كادينلار بازار" أو سوق النساء. وهو يحوي 5 طاولات فقط وعدداً من المقاعد البلاستيكية. وتم افتتاح هذا المطعم عام 1944، وبعد ذلك ظهرت العشرات من المحلات المقلِّدَة له في جميع أنحاء المدينة على مر السنين.

وتعد جبنة قونية الزرقاء المكون الرئيسي لهذا الطبق المبتكر، وهي نوع من الجبن مفتت ومالح للغاية. لكن براعة هذا الطبق تكمن في كيفية استخدامه لهذه الجبنة الشهيرة التي قد لا تحظى بشعبية كبيرة إلا في قونية.

ويصنع خبز الزيت يدوياً في فرن الطوب، ثم يتم تقطيعه إلى شرائح مفتوحة ومغطاة بالزبدة وجبنة قونية الزرقاء، ويمكن إضافة بعض جبن القشقوان للتخفيف من قرمشة الجبن الأزرق. ويمكن أيضاً إضافة بسطرمة تركية للحصول على نكهة إضافية تجعل الخبز المحمص الذي يخرج من الفرن طازجاً، خبز زيت مقرمش يفيض بالجبن واللحم معاً.

قبر الولي "أتيش باز"

بعد تجربة بعض مأكولات قونية الحديثة، قد يتوق الزائر لمعرفة شيئٍ من تاريخ عشاق الطعام. وهنا قد يكون من المفيد التوجه إلى قبر الولي "أتيش باز" طباخ الفيلسوف الصوفي الشهير مولانا جلال الدين الرومي، والذي كان بالفعل شخصاً مميزاً ونادر الوجود إذ أنه لم يكن مجرد عارف بالله وولي، بل كان أيضاً طاهياً ماهراً!

ويقع قبر هذا الرجل الصالح على بعد حوالي 4 كيلومترات خارج مدينة قونية. ولا بد للذهاب إليه من ركوب سيارة أجرة والعودة بها أيضاً.

ويقال إن مولانا الرومي هو من أطلق على الولي التقي هذا الاسم الذي يعني "اللاعب بالنار". وتقول القصة إنه في يوم من الأيام، لم يتبقَّ حطب في مطبخ الدراويش للطهي. وعندما أبلغ الطاهي مولانا الرومي بالموقف، قال مازحاً: "إذا لم يتبق حطب، ضع قدميك تحت المرجل وقم بطهي الطعام بإشعالها". فحافظ الطاهي على طاعته الكاملة للرومي الذي كان مرشده الروحي ما دفعه إلى محاولة تنفيذ ما قاله الرومي حرفياً. فذهب إلى المطبخ ووضع قدميه تحت المرجل وأشعل النار من أصابع قدميه وطبخ الطبق على تلك النار.

وعندما رأى مولانا ما حدث، وبّخه على التباهي بقواه الروحية ولكنه بدا مسروراً أيضاً لامتثاله الكامل لمعلمه الروحي لأنه سماه "اللاعب بالنار" وما زال الاسم سارياً إلى الآن بعد مئات السنين.

وقبر الولي "أتش باز" الذي بني في العصر السلجوقي، هو مبنى بسيط في حديقة منزل حيث تعتني الأسرة التي تعيش هناك بالمقبرة وقد فعلت ذلك منذ أجيال. وتعني تجربتهم في العيش بجوار هذا المركز الروحي أنهم يعرفون الكثير عن التقاليد المحيطة بمولانا وتلامذته والمقربين منه، وهم دائماً على استعداد لرواية القصص لأولئك الذين يتوجهون إلى الموقع للزيارة والدعاء.

وبعد زيارة القبر يقترب الضيوف من وعاء صغير من الملح في الجوار ويتناولون كيساً صغيراً منه في تقليد غريب إذ يوضع هذا الملح داخل القبر كل ليلة ويقال أنه يحتوي على الطاقة الروحية لولي الله "أتيش باز" بحيث أن كل من يزوره يستخدم هذا الملح في طعامه في المنزل. وبهذه الطريقة، تستمر الهدية في العطاء لعدة أشهر بعد الزيارة.

الخبز المغطى باللحم أو "تيريت"

يعرف الكثيرون طعام قونية الأكثر شهرة باسم إيتلي اكميك etli ekmek، وهو نوع من الخبز المسطح المغطى باللحم. ولدى سكان قونية طرق عديدة لتحضير لحم الضأن منها تندر وكباب بالفرن وتيريت وشيبيك، ما يعني أن النباتيين قد يقضون أوقاتاً عصيبة في قونية.

ويعد تيريت طبق ذو بدايات متواضعة. تم صنعه في الأصل كطريقة لاستخدام بقايا الخبز واللحوم الزائدة. وتشتهر قونية بلحم الضأن، ففي وسط الأناضول الخلاب، بقيت قونية مركزاً لرعي الأغنام على مدى عدة قرون. لذلك نجد لحم الضأن الذي يُقدم فيها رخيصاً نسبياً ولذيذاً وله رائحة لطيفة.

وفي مطعم "تيريتشي مدحت" في سوق النساء، يقطع الطاهي بقايا الخبز ويقليها ثم يسكب لحم الضأن المفروم المغطى بمعجون الطماطم على الوجه. وأخيراً يضع طبقة من الزبادي المليء بالثوم على السطح الخارجي للطبق بأكمله ما يجعل الطعام ثقيلاً جداً لكنه أكثر من لذيذ.

المطبخ الشريف Matbah-ı Şerif

عند ضريح مولانا الرومي يلقي الزوار التحية و يقومون بأداء الأدعية وبعض الصلوات قبل أن يتوجهوا إلى المكان الذي كان فيما مضى دير الدراويش أو "قونية مولوية". وتضم هذه المولوية في أحد أركانها غرفة هي الأكبر بين غرف المكان وتُسمى حرفياً "المطبخ المشرف".

وعُرف طهاة المولوية باسم "اللاعبين بالنار" لأنهم كانوا مسؤولين عن المطبخ ولأنهم كانوا مسؤولين أيضاً عن تثقيف الدراويش السالكين. وكان رئيس الطهاة هو من يقرر ما إذا كان الصبي لديه القدرة على أن يكون درويشاً أم لا، وبمجرد قبوله للطالب، يصبح هو الشخص الذي يتحكم في كل جانب من جوانب تدريبه. لهذا السبب يقول أهل الاختصاص إن المطبخ هو المكان الذي يُطبخ فيه الدراويش. وكان الدرويش المتدرب يكلف بسلسلة من 18 مهمة، ومن خلال تلك المهمات يحاول أن يزكي نفسه ويصبح "مطبوخاً". والواقع أن التسمية "طباخ" هو تلاعب ذكي بالكلمات إذ لم يكن واجب الطباخ المولوي أن يطبخ الطعام بل أن يطبخ الدراويش ويهيأهم للطريقة!

لهذا السبب أُطلق على المطبخ لقب "المطبخ الشريف". ويشاهد الزوار تمثيلًا لطريقة التدريس هذه داخل المطبخ، من خلال شخصيات الشمع التي تبدو مخيفة إلى حد ما وقديمة الطراز، لكنها تقوم بشرح الصورة الروحية للتعليم في ذلك العصر.

مطعم "لقمة خانة" Lokmahane

يقع "لقمة خانة" على بعد مرمى حجر من متحف مولانا، وهو مطعم مرموق ويستحق الزيارة بالرغم من غلاء أسعاره بعض الشيء. ويقضي الزوار عادةً شهوراً يحلمون بالزيارة التالية إلى قونية كي يتمكنون من تناول الطعام في مطعم "لقمة حخانة" مرة أخرى.

ويقدم المطعم الشهير مأكولات قونية المحلية مع لمسة من التاريخ، فيدمج طعام الفترتين السلجوقية والعثمانية مع لمسة من العصر الحديث. ويعكس مبنى المطعم أداءه الراقي فهو قائم في منزل قديم من الطوب تم ترميمه.

وتحتوي قائمة الطعام على حساء البامية، وهو طبق قونية الأساسي الذي يصعب إعداده خارج البلاد إذ يبدأ تحضيره في فصل الصيف عندما يتم تعليق البامية الصغيرة على خيوط مثل الخرز وتترك لتجف في الشمس. وفي شتاء قونية البارد يتم طهي هذه السلاسل في مرق لصنع حساء لذيذ ومنعش. ويقدم المطعم تشكيلة رائعة من المخللات تجد جرارها منتشرة على الأرفف في كافة أرجاء المكان، منها مخلل خيار وطماطم وملفوف وجزر وبامية وكل الخضار والفاكهة التي يمكن تخيلها موجودة تقريباً ضمن هذه التشكيلة اللذيذة.

ومن الأطباق الرئيسية التقليدية طبق "المشوي بالمشمش". وهو طبق عثماني شهير حلو ومالح يقدم لحم الضأن مع المشمش المجفف مع رشة من دبس الرمان. وهناك أيضاً طبق الـ بوتونات، وهي ساق خروف تم شيها لساعات، وتُقدم لمجموعة من 4 أشخاص، وعندما يأتي هذا الطبق على فراش من البرغل، يقوم النادل بعرضٍ مميز لسحب العظم حيث يتهاوى اللحم الطري بدون جهد.

كذلك تعد حلوى اليقطين المحلى أو "قباق تاتليسي" لا غنى عنها في هذا المكان الساحر، وهي محاطة بشيء من الغموض والسرية يلتزم الموظفون بعدم البوح بها حول طريقة تحضيرها ومذاقها الأكثر من الرائع.

بقلم: YASEMIN ÇELEBI PAÇALIOĞLU

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.