يعد استكشاف روائع ولاية إزمير غرب تركيا، مغامرة حقيقية بالنسبة للسياح الأجانب وللسكان المحليين أيضاً الذين يعشقون التاريخ الموغل بالقدم من العصر الحجري إلى العصر الحديث مروراً بالعصر الهلنستي والعصر الروماني المؤثر.
ويحتوي ساحل بحر إيجة في تركيا على العديد من الأماكن الجميلة التي تدعو الزوار إلى اختيار أي منها أو جميعها، والتعرف على سحر الطبيعة الممزوج بعظمة التاريخ وهيبته. كما تضم ولاية إزمير نفسها العشرات من مناطق الجذب التاريخية والطبيعية التي يصعب تفضيل إحداها عن الأخرى، نظراً للخصائص الجمالية والسياحية التي تتمتع بها كل واحدة على حدة.
موقع أفسس الأسطوري
لا يمكن لأي زائر لولاية إزمير أن يتخطى مدينة أفسس القديمة العظيمة، لأنها واحدة من أكثر المعالم التاريخية شهرة في تركيا. وهي تقع في الوقت الحاضر في المنطقة السلجوقية في إزمير على الشواطئ الغربية لتركيا.
وبفضل مناخها الرائع والاستثنائي وموقعها الملائم الذي ساعدها على أن تصبح مدينة ساحلية صاخبة يلتقي فيها التّجار والمفكرون والإداريون، شهدت أفسس العديد من التقاليد الثقافية من 3 عصور مختلفة هي العصر الحجري والعصر الهلنستي الزاخر بالتأثير والتغيير والعصر الروماني.
وتصدرت مدينة أفسس قائمة المدن الأكثر زيارة في تركيا عام 2019 بحوالي 2 مليون زائر، واليوم تعود السياحة تدريجياً إلى المكان الذي بدأت الحياة تدب فيه بعد إغلاق الوباء، من مكتبة سيلسوس إلى المسرح الضخم الذي يتسع لـ25 ألف متفرج، حيث تعتبر المكتبة أعجوبة معمارية، وهي واحدة من المكتبات المتبقية من الإمبراطورية الرومانية. وكانت مكتبة سيلسوس ثالث أكبر مكتبة في العالم الروماني بعد الإسكندرية وبيرغامون اللتين يُعتقد أنهما احتوتا على حوالي 12.000 مخطوطة.
أما الفيلسوف والمفكر اليوناني سيلسوس فهو مدفون في سرداب أسفل المكتبة في تابوت رخامي مزخرف. وكان الجزء الداخلي للمكتبة ومحتوياتها دُمّرا بسبب حريق ناتج إما عن زلزال أو غزو قوطي عام 262 م، بينما دُمّرت الواجهة الرئيسية للمبنى بسبب زلزال وقع في القرن العاشر أو الحادي عشر. وظلت المكتبة في حالة خراب لعدة قرون حتى أعاد علماء الآثار إحياءها بين عامي 1970 و1978.
ويُعتقد أن مسرح أفسس هو الأكبر في العالم القديم، حيث استخدم هذا المسرح المكشوف في البداية للعروض الدرامية، ولكن خلال العصر الروماني المتأخر، أقيمت فيه أيضاً معارك المصارعين ومسابقاتهم القتالية.
وتضم أفسس العديد من مجمعات الحمامات الكبرى، التي بنيت في أزمنة مختلفة عندما كانت المدينة تحت الحكم الروماني.
بيت مريم العذراء
في القرن الأول، بدأ أفسس اليوناني في لعب دور محوري في نشر المسيحية وأصبح قطباً هاماً في الأيام الأولى للدين. ومن هنا انتشرت الديانة التوحيدية في ظل الحكم الروماني.
وفي منطقة قريبة خارج مدينة أفسس وعلى بعد 7 كيلومترات من الأراضي السلجوقية، يوجد بيت السيدة مريم العذراء المتواضع المبني بالحجارة والتي يشار لها باللغة التركية "مريم أنّا" أي الأم مريم. ويمثل هذا المكان واحداً من أقدس المواقع المسيحية وهو أيضاً موقع مهم للمسلمين.
وتقول الأسطورة أن مريم العذراء والدة النبي عيسى عليه السلام التي أخذها القديس يوحنا إلى هذا المنزل الحجري، عاشت هناك حتى صعدت إلى السماء وفقاً للمعتقدات الكاثوليكية.
ويشتهر المنزل بأنه مكان رسمي للحج الكاثوليكي منذ القرن التاسع عشر، حيث زاره البابا بولس السادس عام 1967 والبابا يوحنا بولس الثاني عام 1979 والبابا بنديكتوس السادس عشر عام 2006.
كما قام بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت ورابع أغنى شخص في العالم في الشهر الماضي، بزيارة الشواطئ الجنوبية الغربية لتركيا على متن يخته الفاخر للغاية، وتوقف خصيصاً لرؤية منزل مريم العذراء.
ويُعتقد أيضاً أن مدينة أفسس القديمة هي المكان الذي حدثت فيه قصة أصحاب الكهف وفقاً للمسلمين والكاثوليك والمسيحيين الأرثوذكس.
قرية شيرينجة
وهي واحدة من أقدم قرى إزمير. واحتلت القرية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 500 نسمة عناوين الصحف عام 2012 كملاذ آمن للأشخاص الفارين من كارثة انتهاء العالم التي شاع في ذلك الوقت أنها تلوح في الأفق. وإلى جانب قرية فرنسية، اُعتقد أن شيرينجة هي واحدة من المكانين الوحيدين على وجه الأرض اللذين لا تشملهما النبوءة التي فسرها روحانيو العصر الجديد أنها يوم القيامة وموعد انتهاء العالم في 21 ديسمبر 2012.
وتوافد المئات إن لم يكن الآلاف إلى القرية في ذلك اليوم، مما ساعد على جلب الإيرادات إلى الملاذ الجذاب. واليوم، تجتذب شيرينجة الناس من المدن الكبرى والسياح الذين يتطلعون إلى الهروب من صخب الحياة والاستمتاع باستنشاق الهواء النقي، إذ تقع القرية وسط الطبيعة الخصبة وتضم عدداً من المنازل، بعضها يزيد عمره عن 100 عام، والتي تم تحويلها إلى فنادق صغيرة ليقيم فيها الزوار. وتستوعب القرية حوالي 45 فندقاً ونزلاً بإمكانها استضافة ما يقرب من 500 زائر. وهي تشهد عادةً ازدهاراً في الحجوزات في عطلات نهاية الأسبوع.