لم يقع اختيار وزارة الثقافة والسياحة التركية على باتارا، الواقعة في جنوب غربي البلاد، لتكون شعار العام 2020، من فراغ، فتاريخ المدينة يرجع إلى ألفي عام، وعثر فيها على آثار لحياة البشر تعود إلى ما قبل 6 آلاف عام.
وقد أعلنت وزارة الثقافة والسياحة التركية عام 2020 "عام باتارا" المدينة الساحلية في منطقة ليقيا القديمة التي تشرف على البحر المتوسط وتقع في مدينة "كاش" بالقرب من أنطاليا جنوب البلاد. وجاء هذا الإعلان تطبيقاً لنهج الاهتمام بالقيم الثقافية التركية وتسليط الضوء عليها في جميع أنحاء العالم. وكانت الوزارة قد أعلنت في السياق نفسه، عام 2018 "عام طروادة" وعام 2019 "عام غوبكلي تبيه".
وتلفت باتارا الأنظار لما تشتهر به من شواطئ تُعد مكان وضع سلاحف "كاريتا كاريتا" بيضها، وهي مسقط رأس القديس نيكولاس المعروف بـ"بابا نويل" ومكان ولادة أبوللو إله الشمس والفن، وآرتميس إلهة القمر والصيد، وفقا للميثولوجيا الإغريقية القديمة.
وتضم باتارا، الواقعة بين قضاء فتحية بولاية موغلا وقضاء قاس في ولاية أنطاليا، آثاراً على وجود حياة بشرية بها قبل أربعة آلاف عام من الميلاد.
وبدأ البروفيسور فخري إيشيق من جامعة "آق دنيز" والفريق المعاون له أعمال حفر في مدينة باتارا عام 1988، ولا تزال الأعمال مستمرة تحت إشراف البروفيسور حواء إيشكان، منذ عام 1999 وحتى اليوم.
ومن بين الآثار التي تم الكشف عنها خلال أعمال الحفر مبنى "مجلس اتحاد ليقيا" الذي يُعد أول مجلس ديمقراطي في العالم، والمسرح الأثري، والشارع الرئيسي، والحمامات، والبازيليكا، ومنارة نيرون.
أقدم منارة بحرية:
ويعد "مجلس اتحاد ليقيا" واحداً من أفضل نماذج الديمقراطية في العالم، وبه كان يلتقي ممثلو مدن اتحاد منطقة ليقيا، وكان المجلس مصدر إلهام للولايات المتحدة أثناء تأسيسها.
أما المسرح الروماني في باتارا، الذي يمثل مرحلة الانتقال المعماري بين العصرين الهلسنتي والروماني، فهو واحد من أكبر المسارح الرومانية في الأناضول، وتبلغ سعته 6 آلاف شخص.
وتضم باتارا أيضاً بقايا أقدم منارة بحرية.
وشيدت المنارة في عهد الإمبراطور نيرون عام 64-65 قبل الميلاد وذلك وفقاً للكتابة البرونزية الموجودة عليها وكانت وقت تشييدها في ارتفاع يضاهي ارتفاع عمارة من خمسة أدوار.
وكانت المدينة الأثرية في باتارا ميناءً لتجميع وتخزين الحبوب التي يتم نقلها من الأناضول إلى روما. وتشتهر المدينة أيضاً بمجرى المياه الذي يأتي من على بعد 20 كيلومتراً من المدينة.
أرض أبوللو وأرتميس:
وطبقاً للميثولوجيا الإغريقية فإن باتارا هي أيضاً المكان الذي ولد به أبوللو إله الشمس والفن، وآرتميس إلهة القمر والصيد.
ويُروى أن "الإلهة هيرا غضبت على ليتو التي عشقها زوجها وكبير الآلهة زيوس، ولذلك لم يقبل أي مكان استضافة ليتو حتى تمكنت من اللجوء إلى باتارا".
ويُحكى أن "قصة حياة أبوللو وآرتميس الابنين التوأمين لزيوس وليتو بدأت في باتارا".
كما تشير أعمال الحفر إلى أن القديس نيكولاس المعروف بـ"بابا نويل" ولد في باتارا في القرن الرابع وعاش بها طفولته، وتدرج القديس نيكولاس في مناصب الكنيسة حتى تم إرساله أسقفاً إلى دمره، في أنطاليا، جوب غربي تركيا، وتوفي هناك.
مساعي لإدراج المدينة على قائمة يونسكو:
وقالت البروفيسور حواء إيشكان إيشيق، رئيسة أعمال الحفر بالمدينة الأثرية في باتارا، للأناضول، إن الهدف الوحيد هو إدراج المدينة الأثرية في باتارا عاصمة اتحاد ليقيا، على القائمة الدائمة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
وكان وزير الثقافة والسياحة محمد نوري أرصوي قد زار المدينة الأثرية في 24 ديسمبر/ كانون أول الماضي، وتلقى معلومات عن الأعمال الجارية هناك.
ونشر أرصوي صوراً للزيارة عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي معلقاً عليها بقوله: "قمنا بجولة تفقدية في المدينة الأثرية بباتارا التي تتمتع بأهمية تاريخية وأثرية كبيرة".