مع استمرار فصل الشتاء وامتداده طويلاً، وشعور الزحام الشديد في حياة المدن وخصوصاً الكبرى منها، لا بد للمرء من البحث عن متنفس حتى وإن تسلل في عطلة نهاية الأسبوع للاستمتاع باثنتين من عجائب تركيا الطبيعية، هما بحيرة "أبانت" وبحيرة "غولجوك" الرائعتان.
تقع البحيرتان بين اثنتين من أكبر مدن تركيا، إسطنبول وأنقرة، في ولاية "بولو" المذهلة الجمال التي تزداد تألقاً في أشهر الشتاء بسبب الهواء النقي ومناظر الثلوج الخلابة التي تخلدها صور الزوار التذكارية.
وبالرغم من أن الوقت الشائع لزيارة الأماكن الطبيعية والبحيرات الجميلة هو بين شهري مايو وسبتمبر، إلا أن مناظر الأشجار المغطاة بالثلوج ونقاء الهواء الشتوي والمشهد الفريد للبحيرات المتجمدة، لا يقل روعة بل هو بالفعل أكثر سحراً وهدوءاً خلال فصل الشتاء.
المحطة الأولى من جولتي في ولاية "بولو" كانت بحيرة "أبانت"، وهي بحيرة طبيعية مياهها عذبة تتربع بدلال بين أحضان جبال "أبانت" حيث استمدت اسمها أيضاً. وتشكل ضفاف البحيرة والمناطق المحيطة بها، مكاناً مثالياً للذين ينشدون الابتعاد عن أجواء المدن المزدحمة والاستمتاع بالهواء النقي. ويبلغ قطر بحيرة "أبانت" 7 كيلومترات وعمقها حوالي 18 متراً. ويستقبل الزوار لدى دخولهم منطقة البحيرة، مركز استضافة خشبي صغير، يروي تاريخ البحيرة وتعرض فيه أنواع من الحيوانات المحنطة التي تعيش في المنطقة، مثل الخنازير البرية والغزلان والدببة والثعالب والأرانب والطيور الجارحة.
وبمجرد الخروج من مركز الاستضافة، يطالعك منظر البحيرة المذهل، كبقعة مترامية الأطراف لا يدرك مداها، مغطاة بالجليد، تنهمر فوقها ندفات الثلج اللامعة، وسط الجبال المليئة بالأشجار المكسوة بالبياض. وقبل الدخول إلى الممر المؤدي إلى ضفاف البحيرة، تجد العربات التي تجرها الخيول تنتظر المحبين لتأخذهم في رحلة رومانسية. وبعيداً عن الطريق قليلاً، يوجد بازار محلي صغير مليء بالمأكولات الريفية المشهورة في المنطقة وما حولها، بما في ذلك العسل واللبن والجبن والزبدة والأعشاب الطبية إضافة إلى الأدوات اليدوية الخشبية وغيرها. وبالطبع، لا يمكن للزائر مغادرة "أبانت" دون تذوق "نقانق بولو" اللذيذة والمعروفة في كامل المنطقة. كما تصطف العديد من المطاعم الصغيرة على الطريق المؤدي إلى البحيرة حيث يمكن للزوار التوقف والاستمتاع بالشطائر المحشوة بالنقانق وأنواع مختلفة من اللحوم الحارة، فضلاً عن الاستمتاع بجرعة من الدفء مع كوب من الشاي أو من السحلب الشائع في فصل الشتاء.
أما المحطة التالية في رحلتي القصيرة فكانت بحيرة "غولجوك"، وهي بحيرة من صنع البشر، تحتضن ضفافها منزلاً ريفياً صغيراً ومعزولاً تماماً، وتتناهى مياهها إلى سفوح الجبال والغابات الشاهقة وراءها. ويمكن للزوار الاستمتاع بجمال البحيرة حيث يوجد مسار بمسافة كيلومتر واحد حول البحيرة. وتجتمع العائلات في الحديقة المحيطة بالبحيرة، حول حفلات الشواء، ويفتعل البالغون والأطفال معارك ثلجية يتبادلون خلالها قذف كرات الثلج بجميع الأحجام، كما يحلو للبعض ممارسة التزلج على التلال شديدة الانحدار، حتى وإن لم تتح لهم سوى معداتٍ بسيطةٍ مثل حقيبة البقالة البلاستيكية.
وتعتبر منطقة بحيرة "غولجوك"، أكثر استعداداً لاستقبال الزوار، حيث تضم مجموعة كبيرة من المطاعم والمقاهي التي تفيض بروادها من محبي الشاي الساخن أو الحساء اللذيذ. وتقع بحيرة "غولجوك" على بعد ساعة واحدة فقط من بحيرة "أبانت"، ويمكن الوصول إليها بسهولة لأولئك الذين يرغبون بقضاء وقت قصير في ولاية "بولو". وبالرغم من أنني لم أتمكن من الحصول على إجازة أكثر من يوم واحد، إلا أن هناك العديد من أماكن الإقامة الجذابة بعيداً عن المعالم السياحية العادية، لمن يرغب بقضاء المزيد من الوقت محاطًا بالثلج الهادئ المذهل.
تجدر الإشارة إلى أن وكالات السفر والسياحة في المدن التركية الرئيسية مثل إسطنبول أو أنقرة، توفر رحلات منظمة تساعد السكان المحليين والمقيمين على الوصول إلى الأماكن الجميلة التي تزخر بها البلاد في فترة زمنية قصيرة، تتراوح من يوم إلى 10 أيام، دون الحاجة إلى الانشغال بأماكن الإقامة أو وسائل النقل. ولا تتميز هذه الرحلات بتكلفتها المنخفضة فحسب، بل توفر أيضاً معلومات حول أماكن الزيارة، مما يتيح استكشاف المنطقة من الجانب الثقافي والتاريخي والإعلامي في آن معاً.
وقال "بلال يلمزار"، صاحب وكالة سفر في أنقرة: "في الوقت الحاضر، نسعى لتشجيع الناس الذين يعيشون في المدن الكبرى على الابتعاد عن وتيرة العمل المتعب والضوضاء ومكافأة أنفسهم بمغامرات جديدة".
فهل من السهولة بمكان أن نغيّر روتين الحياة المعتاد، ونحجز رحلة لقضاء عطلة شتوية في واحد من أجمل الأماكن، ليس فقط في تركيا، ولكن في العالم كله ؟ إذا كان الجواب نعم فتفضلوا إذاً بزيارة بحيرتي "أبانت" و"غولجوك".
