قليلة هي الأماكن حول العالم التي توفر لقاصدها السلام والهدوء بغض النظر عن الفصل الذي يزورها فيه. من هذه الأماكن المميزة مدينة "كويجييز" التركية التي تمكنت بالرغم من موقعها على ساحل بحر إيجة في ولاية موغلا المشهورة سياحياً، من حماية نمط حياتها الهادئ والحفاظ على لمسة الهندسة المعمارية التاريخية التي تعكس دفئ المدينة الصغيرة الغافية بسلام على شاطئ البحر. وقد انضمت "كويجييز" الفاتنة إلى قائمة المدن البطيئة التي تعرف باسم "Cittaslow"، وهي علامة مسجّـلة تمتدِح البطء في المدينة وتمثل شهادة على توافُـر خصوصيات محدّدة، ترتبط بجودة الحياة وبالنموّ المستديم فيها.
بقيت "كويجييز" المحاطة بسلاسل الجبال العالية من جهتي الشمال والشمال الشرقي، بعيدةً عن اكتظاظ أفواج السيّاح، ومجموعات الزوار الكثيفة. إذ أن وشاح السكينة والهدوء الذي تكتسي به البلدة المطلة على ضفاف بحيرة "كويجييز"، جعلها تقدم لضيوفها أنشطةً صيفيةً تتسم بالدعة والهدوء، مثل الاسترخاء أمام البحيرة، أو الذهاب في رحلة بالقارب بدلاً من صخب حفلات الشاطئ المعتادة. وبمجرد دخول الزائر مشارف المدينة، لن يخطئ أنفه رائحة الحمضيات التي تُعنوِن زيارته ببداية جميلة بفضل أشجار البرتقال والليمون واليوسفي المحيطة بالمدينة. ومما يضاعف بهجة اللقاء الأول محبة السكان المحليين الودودين، الأمر الذي يساعد على الشعور براحة الموطن الأصلي.
لا تتباهى "كويجييز" بألوان مصابيح إشارات المرور لعدم حاجتها لها، فهي حقاً واحدة من أكثر الأماكن هدوءاً على وجه الأرض. وقد حظرت المدينة استخدام الفحم للتدفئة منذ عدة سنوات للحفاظ على جودة الهواء. لذلك يشعر الزائر بالسلام والصفاء وهو يستمتع بمشاهدة السلاحف المائية المعروفة باسم "كاريتا كاريتاس" أثناء تجوله في البحيرة على متن قارب، أو بالتعرف على الآثار التاريخية للحضارات السابقة التي توالت على هذه المنطقة القديمة.
ظلت منطقة جنوب غرب تركيا على مدى قرون طويلة موطناً لحضارات أسست ثقافاتها وتركت بصماتها على العالم. وقد استضافت "كويجييز" العديد من هذه الحضارات على مدى الزمن، حيث يعود تاريخها إلى عام 3400 قبل الميلاد. وتشير السجلات التاريخية إلى أن الحضارة الأولى التي عاشت في هذه المنطقة كانت حضارة "كاريانز"، وأعقبها حضارة السكيثيين والآشوريين والأيونيين والأكلار والفرس والرومان والسلاجقة والعثمانيين.
ويمكن للضيوف والسياح زيارة أنقاض مدينة "كونوس" Kaunos، حيث يعتقد علماء الآثار والمؤرخون أن "الكونوسيين" هم السكان الأصليون للأناضول بسبب لغتهم وعاداتهم وطقوسهم ومعتقداتهم الفريدة، وكانوا يعبدون إلههم المسمى "باسيليوس كونيوس". وبذلك أسسوا تراثهم الخاص الذي لا زالت آثاره موجودة إلى الآن بفضل الجهود المبذولة للحفاظ عليه ضمن نمط الحياة البطيء الثمين في هذه المدينة العصرية.