في وسط صحراء قيزيل قوم (الرمال الحمراء)، أكبر صحارى وسط آسيا، تنتصب كالواحة، تلك المدينة التي كانت لقرون ملتقى ثقافات الشرق والغرب عبر طريق الحرير، وموطن العلماء المسلمين، حتى أصبحت إحدى ثلاث مدن أطلق عليها "قبة الإسلام".
إنها مدينة بخارى في أوزبكستان، التي يعرفها أغلب المسلمون بأنها مسقط رأس الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وكانت إحدى أهم مراكز الإسلام خلال العصور الوسطى، بعد أن فتحها المسلمون على يد القائد قتيبة بن مسلم عام 709 ميلادي، وظلت لقرون المركز الثقافي والسياسي للدول التركية في آسيا الوسطى.
كما أن بخارى، موطن العالم الشهير ابن سينا، الذي وضع أسس الطب الحديث، وألف أكثر من 200 كتاب، في الطب، والفيزياء، والفلسفة.
ودخلت بخارى تحت حكم الدول السامانية، والقراخانية، والمغولية، والتيمورية، والشيبانية، وأصبحت مركزا لإمارة بخارى منذ عام 1533، وحتى احتلالها من قبل الجيش الأحمر السوفيتي عام 1920.
ورغم تعرضها على مر التاريخ لهجمات الإسكندر الأكبر، والفرس، والمغول، والسوفييت، وما صحب تلك الهجمات من تدمير كبير، فإن بخارى، التي احتفلت بذكرى تأسيسها الـ 2500 عام 1997، لا تزال تحتفظ بحوالي 700 أثر تاريخي، تحظى بحماية الدولة، وقامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، بإدراج المدينة ضمن قائمة التراث العالمي عام 1993.
ويقصد بخارى حوالي 10 ملايين شخص سنويا، لزيارة أضرحة شيوخ الطريقة النقشبندية، المدفونيين بها، كما يزورها العديد من المواطنين الغربيين، للتعرف على موطن ابن سينا، الذي درست مؤلفاته في الجامعات الأوروبية.
ومن أهم وأقدم الآثار التاريخية التي تضمها بخارى، قصر "أرك" الذي شيد في القرن الثالث قبل الميلاد، المبني على ارتفاع 20 مترا، وعلى مساحة هكتارين، واستخدم كمقر حكم من قبل الدول المتعاقبة.
ومن الآثار التاريخية البارزة كذلك، ضريح إسماعيل الساماني، المبني في القرن العاشر الميلادي، والذي يتميز بكونه أقدم بناء مشيد بالطوب المحروق، المستخدم بكثرة في آسيا الوسطى.
ومن الآثار المميزة في بخارى كذلك مأذنة كاليان التي بنيت عام 1127، والتي يعني اسمها المأذنة الكبيرة، ويبلغ ارتفاعها 47 مترا، وهي أكثر الأبنية التاريخية ارتفاعا في آسيا الوسطى.
وبجوار المأذنة يوجد مسجد كاليان، ومدرسة "مير عرب"، التي تتميز باستمرارها في تقديم التعليم الديني دون توقف، منذ إنشائها في القرن السادس عشر وحتى وقتنا الحاضر، حتى أنها استمرت في العمل خلال الحقبة السوفيتية.
ومن معالم بخارى الشهيرة كذلك سبيل ماء النبي أيوب، والتي بنيت في القرن الثاني عشر، ويعتقد أنها بنيت مكان نبع ماء، اندفق من الأرض، عندما ضربها النبي أيوب عليه السلام بعصاه، خلال مروره من المدينة التي تقع وسط الصحراء.
واشتهرت بخارى خلال قرون، بكونها موطنا للصناعات اليدوية، كالنجارة، والحدادة، وصياغة المجوهرات، والخياطة، ولا تزال موطنا للعمال المهرة في تلك المجالات، الذين تشربوا تلك المهن أبا عن جد