مصلى "باب الرحمة" المقدسي.. صامد في وجه "المضايقات" الإسرائيلية

وكالة الأناضول للأنباء
القدس
نشر في 01.06.2023 15:23
آخر تحديث في 01.06.2023 18:56
مصلى باب الرحمة في الناحية الشرقية للمسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة  صورة: الأناضول مصلى "باب الرحمة" في الناحية الشرقية للمسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة ( صورة: الأناضول)

بعد إغلاق بقرار إسرائيلي استمر 16 عاماً، أدى مئات الفلسطينيين في 22 فبراير/ شباط 2019 الصلاة في مصلى "باب الرحمة" في الناحية الشرقية للمسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة.

ومنذ ذلك الحين، يقول المسؤولون في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، إن شرطة الاحتلال الإسرائيلي تواصل مضايقاتها للمصلين وحراس المسجد الأقصى في المصلى.

وتشمل المضايقات الإسرائيلية اقتحام عناصر من الشرطة للمصلى بالأحذية واقتلاع وإخراج توصيلات كهربائية فيه، وإبعاد حراس ومصلين فيه لفترات تتفاوت بين أسبوع وعدة أشهر.

وخلال السنوات الأخيرة، ركزت جماعات يمينية إسرائيلية (متطرفة) تقود اقتحامات المستوطنين للمسجد، على المنطقة الشرقية للمسجد، وسط مخاوف إسلامية من مخططات لتحويلها الى مكان صلاة لليهود.

وتقول الحكومة الإسرائيلية إنها لن تغير الوضع القائم بالمسجد، ولكن الجماعات اليمينية الإسرائيلية لا تخفي طمعها بالمنطقة الشرقية منه.

تاريخ المصلى

ومصلى باب الرحمة هو مبنى متوسط الحجم بمستوى منخفض عن الأرض ويتم الوصول إليه من خلال درج.

وقال المؤرخ الفلسطيني يوسف النتشه إن "باب الرحمة من الأبواب الهامة جدا في المسجد الأقصى، فهو الوحيد الذي يفتح في الجهة الشرقية من المسجد".

وأضاف النتشه، في حديث لوكالة الأناضول، أن "المؤرخين اختلفوا في تاريخ باب الرحمة بالمسجد الأقصى ولكن الأرجح أنه يعود إلى الفترة الأموية".

تراث معماري وحضاري

النتشه الذي يدير مركز دراسات القدس في جامعة القدس، قال إن باب الرحمة الذي يسمى في الغرب بـ "الباب الذهبي" اختلف دارسو فن العمارة وتاريخ القدس في نسبة نسيجه المعماري وذهبوا فيه مذاهب شتى.

وأوضح أن بعض المؤرخين جعل معمار الباب روماني الأصل والتاريخ ومنهم من جعله بيزنطي، غير أن "هناك فريق رجحت كفته أكثر واعتبر الباب بنسيجه الموجود حالياً وبزخارفه وبتخطيطه هو بناء أموي يرجع في الأغلب إلى فترة الخليفة عبد الملك ابن مروان".

وقال النتشه إن الباب "ضمن المشروع المعماري الكبير الذي نفذه عبد الملك بن مروان في العناية بالمسجد الأقصى المبارك، وعلى هذا دلائل كثيرة من كتب التاريخ".

وأضاف: "يتميز الباب بطراز معماري نادر وله مكانة هامة جدا في تاريخ القدس والحضارة العربية الإسلامية، فهذا الموقع شهد إقامة الإمام الغزالي رحمه الله حينما ألف كتابه المشهور إحياء علوم الدين".

وأشار إلى أن "الباب مجاور للمقبرة التي تضم رفات مسلمين كثيرين ممن كانوا يقيمون في مدينة القدس، ومنهم عباد وزهاد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وأردف: "النسيج المعماري والموقع المميز للباب جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى وليس فقط باب للدخول والخروج، وحظي باهتمام كبير جدا من الباحثين والدارسين وخاصة تاريخه المعماري والديني".

قصة الإغلاق

وقال النتشه إن باب الرحمة كان لفترة زمنية طويلة مسجداً، مؤكداً "وجود وثائق في محكمة القدس الشرعية تشير إلى ذلك، مثل تعيين موظفين وأئمة له، ولذلك فإن الصلاة في هذه البقعة في هذه الفترة الحديثة كرد فعل على الإسرائيليين إنما جذورها عميقة في التاريخ".

وللمسجد الأقصى 11 باباً مفتوحة هي "الأسباط، حطة، الملك فيصل، الغوانمة، الناظر، الحديد، القطانين، المطهرة، السلسلة والمغاربة".

أما الأبواب المغلقة فهي إضافة إلى باب الرحمة، أبواب الجنائز، المزدوج، الثلاثي، والمفرد.

وباب الرحمة يوجد في جدار السور الذي يحيط بالبلدة القديمة من مدينة القدس الشرقية ولكنه مغلق من الخارج منذ عقود طويلة.

وفي هذا الصدد، قال النتشه: "هناك الكثير من الروايات بشأن إغلاق الباب من الخارج، ولكن الأرجح أن الباب أغلق في فترة صلاح الدين الأيوبي".

واستدرك: "الإغلاق لم يكن حجرياً، بمعنى آخر أغلق كباب خشبي، ولكن النسيج المعماري لما يوجد اليوم من إغلاق حجري فهو على الأغلب يعود إلى فترة السلطان سليمان القانوني، وعلى الأرجح جرى هذا عندما تمت العناية بسور القدس".

وأضاف: "في هذه المنطقة بالذات التي تقع بين باب الأسباط وباب المغاربة نرى الإضافات المعمارية العثمانية واضحة جدا في القسم العلوي من السور وفي الأقسام الوسطى والسفلية".

مبنى تذكاري متكامل

من سوره الخارجي، يبدو واضحا أن مصلى الرحمة يتكون من ممرين ويطلق عليهما باب الرحمة وباب التوبة.

وقال النتشه: "هو باب يتكون من ممرين وهذه صفة موجودة في عمارة القدس، ونجد ما يشابه ذلك في الباب المزدوج ولكن بثلاثة ممرات في الباب الثلاثي" في إشارة إلى أبواب مغلقة في الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى.

وأضاف: "الأبواب في مدينة القدس ليست عبارة عن فتحات تيسر الدخول والخروج، وإنما هي أيضاً مبنى تذكاري له وحداته المعمارية وتكويناته وعناصره، فأنت تجد داخل هذا الباب القباب والأعمدة وتيجانها، وهذه كلها صفات تتميز بها أبواب المسجد الأقصى المبارك".

ومن الناحية الخارجية، توجد مقبرة باب الرحمة الإسلامية، حيث توجد قبور عدد من الصحابة أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.

وذكر النتشه أن "الدفن تم في المنطقة منذ الفتح الإسلامي وتكاثر، وهذا ما أدى لصعوبة الاستطراق للباب لداخل المسجد الأقصى من خلال مقبرة باب الرحمة".

مضايقات إسرائيلية

وعام 2003، أغلقت الشرطة الإسرائيلية مصلى باب الرحمة، بداعي استخدامه من قبل مؤسسة فلسطينية صنفتها أنها "غير قانونية".

ومنذ ذلك الحين تجدد أمر الإغلاق سنويا، رغم مطالبات دائرة الأوقاف الإسلامية المتكررة بإنهائه، معتبرة الإغلاق "قرار احتلالي عسكري تعسفي باطل".

وفي 22 فبراير 2019، أقام المئات الصلاة في مصلى باب الرحمة ما أغضب السلطات الإسرائيلية التي لوحت بإعادة إغلاقه مجددا.

وفي حينه أشارت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إلى إدراكها "مطامع المتطرفين اليهود في الساحة الشرقية للمسجد الأقصى، ومنها باب الرحمة، بشكل متزايد منذ بداية عام 2016، عندما بدأت جولات المتطرفين اليهود المقتحمين للأقصى تتضمن توقفاً، وأحياناً صلوات يهودية تلمودية بحماية شرطة الاحتلال".

وفي تصريحات سابقة، لوكالة الأناضول، قال نائب مدير عام دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، إن "من داخل الأسوار هناك قاعة كبيرة بمساحة 250 مترا مربعا، وبارتفاع 15 مترا، تعلوها قباب كانت على مدى عقود مصلى".

وأشار إلى أن القاعة تعلوها غرف كانت على مدى سنوات تستخدم مدرسة، أطلق عليها اسم المدرسة الغزالية.

واستناداً إلى الشيخ بكيرات، فإن المكان بقي مصلى حتى عام 1967، ومن ثم استخدم مكتبة لكلية الدعوة وأصول الدين، ولاحقا للجنة التراث الإسلامي، حتى إغلاقه.

وبحسب النتشه، فإن "الخطط الاستراتيجية والآنية للنيل من المسجد الأقصى وتراثه المعماري وتقسيمه واضحة جدا، وهي للأسف تنتظر الظروف المواتية، وما نشاهده من مضايقات واستحواذ وتنكيل، ماهو إلا تعبير عن هذه السياسات والقرارات والخطط في دوائر الاحتلال الإسرائيلي".