المسلمون في بلغاريا.. تشتت بعد الاضطهاد والتعويل على الشباب
- محمد الحسين, إسطنبول
- Oct 11, 2022
تعد بلغاريا بوابة أوروبا على الجانب الشرقي من العالم، ومركز البلقان السياسي، وهي جسر يربط بين الشرق والغرب، عبرت منه حضارات متعاقبة مخلفة تاريخاً ما زالت شواهده حاضرة بأثرها وتأثيرها، لا سيما الحضارة الإسلامية.
ويقدر تعداد المسلمين في بلغاريا حالياً بنحو 1.5 مليون، لكنهم كانوا أكثر بكثير قبل خروج العثمانيين منها عام 1877 م.
ومرَ المسلمون في بلغاريا بأوضاع متفاوتة بلغت حد الملاحقة والاضطهاد أيام الحكم الشيوعي، إلى التشتت وأقل قليلاً في الوقت الحالي، وفق ما ذكره السفير اليمني السابق لدى بلغاريا عبدالرزاق العمراني.
العمراني قال، في محاضرة له على هامش معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري: إن أسوأ مرحلة عاشها المسلمون في بلغاريا أثناء الحكم الشيوعي، في الفترة ما بين عامي 1944 – 1989، حيث سلبوا منهم هويتهم وسلخوهم عن دينهم بالإكراه، وطردوا خلال شهرين فقط، أكثر من 300 ألف مسلم بلغاري من أصول تركية.
وأضاف الكاتب عبد الرزاق العمراني، الذي وقع كتاباً له في المعرض بعنوان "بلغاريا من الزاوية الشرقية": في عام 1985 أجبرت السلطات البلغارية المسلمين آنذاك على تغيير أسمائهم وديانتهم، وحرموهم من أموالهم وأملاكهم، ناهيك عن نهب المساجد ومصادرتها وتحويلها إلى مراقص ومخازن، وفي أحسن الأحوال إلى متاحف، وأغلق عدداً كبيراً منها، ولا يستطيع إلى الآن أي أحد أن يعيد فتحها.
بلغاريا من الزاوية الشرقية
ولفت العمراني في حديث لـ "ديلي صباح" إلى أن المآذن رفعت في بلغاريا قبل أن ترفع في إسطنبول، حيث أن الإسلام دخل إلى بلغاريا قبل أن فتح إسطنبول "القسطنطينية" على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453 م.
وذكر العمراني في كتابه أن "هناك من يقول بأن آثاراً إسلامية وعربية ونقوش وجدت في بلغاريا، وتدل على دخول الإسلام إليها قبل الفتح العثماني"، مردفاً: "فبعض المؤرخين يؤكدون، استناداً إلى حقائق تاريخية، أن سكان منطقة رودبي في جنوب بلغاريا، البوماك، يعتبرون أحفاد الأمويين الذين حاصروا القسطنطينية آنذاك، ولم يتمكنوا من دخولها، فقام البعض منهم بالاستمرار باتجاه بلغاريا واستقروا فيها ونشروا الإسلام".
وأردف: "لذلك من الواجب أن نذكر بالعلاقة الحميمية بين الإسلام والعثمانيين والبلغار والعرب، وهذا أحد أهم الأسباب الرئيسية التي دعتني لإعداد كتابي".
وتابع: "هذا الكتاب العربي الوحيد الذي يطرح ويعالج وضع الإسلام والمسلمين في بلغاريا، وما دعاني لتأليفه هو أنني بعد أن عينت سفيراً لليمن في بلغاريا عام2013، لم أجد أي مرجع عربي يطرح هذا الموضوع، فالمراجع كانت عبارة عن تركية أو بلغارية، فكانت إما متحيزة إلى جانب البلغار أو إلى جانب المسلمين، ولم أجد مراجع محايدة تعطي معلومات دقيقة".
ويشرح الكاتب عبدالرزاق العمراني في كتابه "بلغاريا من الزاوية الشرقية" عن المسلمين في بلغاريا الذي وفدوا إليها من الجانب الشرقي، أصولهم وأعدادهم وتوزعهم والأوضاع التي مروا بها، والمصاعب والمشاكل التي يعاني منها المسلمين في بلغاريا، منذ خروج العثمانيين منها وحتى الآن.
أصول المسلمين في بلغاريا
ويعود أصول مسلمي بلغاريا إلى عدة قوميات وشعوب، فالأغلبية منهم ذو أصول تركية، إذ يشكل المسلمون الأتراك 60 ٪، ثم يليهم المسلمون البوماك بنسبة 25 ٪ ، ثم المسلمون الغجر "الروما" بنسبة 15 ٪ ، ثم التتار الذين يشكلون نسبة ضئيلة من المسلمين، بحسب كتاب العمراني.
وأشار الكاتب العمراني إلى أن أكبر التجمعات السكانية للمسلمين تتمركز حول منطقتين، الأولى تقع في الشمال الشرقي من بلغاريا، حيث مربع "روسه، سيليسترا، فارنا، شومين"، أما المنطقة الثانية تقع جنوبي بلغاريا عند جبال رودوبي.
ويسكن في هاتين المنطقتين حوالي 80 ٪ من أتراك بلغاريا، في حين يتواجد 90 ٪ من مسلمي "البوماك" في منطقة رودوبي الغربية، كما ينتشر المسلمون في المناطق القريبة من الحدود الغربية، الصربية والمقدونية والحدود اليونانية والتركية.
ويتميز مسلمو بلغاريا عموماً بطبيعتهم الريفية، فأغلبهم يشتغلون بالزراعة، بحسب الكاتب عبد الرزاق العمراني.
مليون ونصف مسلم
وذكر الكاتب أن "عدد المسلمين في بلغاريا، الأقرب إلى الدقة، هو مليون ونصف، بناء على ما أفاد به مفتي بلغاريا".
وأضاف: "بينما تذهب بعض التقديرات، المبالغ فيها، إلى أن عدد المسلمين في بلغاريا يبلغ أكثر من 3 ملايين نسمة، وبأن المسلمين يشكلون ما نسبته 25 ٪ من عدد السكان، وهذه الأرقام فيها الكثير من المبالغة، غير أنه قد يمكن تصديقها فيما إذا تحدثنا عن تعداد المسلمين حين خروج العثمانيين من بلغاريا عام 1878 م قبل عمليات التهجير".
ويبلغ عدد المساجد في بلغاريا 1283 مسجداً وتنقسم إلى قسمين، الأول "المساجد التي تقام فيها الصلوات الخمس ولا تقام فيها صلاة الجمعة وعددها 126 مسجدا"، والثاني "المساجد التي تقام فيها الصلوات الخمس بالإضافة إلى صلاة الجمعة وصلاة العيد وعددها 1157 مسجداً".
ولفت العمراني إلى وجود أعداد كبيرة من المساجد التي جرى إغلاقها منذ الحكم الشيوعي ومنها حولت إلى مخازن ومتاحف، ولا يستطيع أحد أن يعيد افتتاحها، لأن الحكومات البلغارية المتعاقبة تقول أن "عدد المساجد الحالي يكفي للمسلمين".
ويشير إلى أن أغلب هذه المساجد يقع في القرى والضواحي، أما في المدن، فمثلاً في العاصمة صوفيا لم يكن فيها سوى مسجداً واحداً عام 2010، لصعوبة الحصول على تراخيص لبناء المساجد، وفي عام 2012 افتتح العرب مسجدين آخرين في الضواحي البعيدة عن المدينة، في حين كان فيها 85 مسجداً عند خروج العثمانين.
أوضاع المسلمين في بلغاريا
وعن أوضاع المسلمين في بلغاريا حالياً، قال السفير اليمني السابق عبدالرزاق العمراني: "على الأقل من الجانب الرسمي ليس هناك مضايقات، وإنما تكون هناك تصرفات عدائية فردية أو حزبية، مثل الحزب اليميني "أتاكا" الذي يقوم بين الحين والآخر بمضايقات للمسليمن، حيث سبق وأن سير مظاهرة احتجاجاً على صوت المكبرات والصلاة خارج الجامع.
كما أنه في عام 2014 تجمع المئات من الأشخاص أمام محكمة مدينة بلوفديف البلغارية، للاحتجاج على تحويل مسجد "كورشوم" ليكون تحت السلطات الإسلامية البلغارية.
وأشار العمراني في كتابه إلى أن أبرز المعوقات التي يعاني منها المسلمين في بلغاريا بأن أغلب المساجد تعاني من نقص في الأئمة، وفق ما أفاده به مفتي بلغاريا، وهذا يعود إلى العهد الشيوعي الظالم الذي منع التعليم الدين الإسلامي، والثاني إلى قلة الإمكانيات المادية لدار الافتاء، وعدم قدرتها على دفع رواتب الأئمة.
تعويل على الشباب
إلا أن العمراني أكد أن حال المسلمين اليوم في بلغاريا أفضل بكثير مما كان عليه في السابق، حيث أصبح لهم دار افتاء ومؤسسات، واستعادوا جزءاً بسيطاً من حقوقهم المادية والمعنوية.
وأكد أنهم لازالوا يتطلعون إلى مستقبل أفضل، وخاصة شباب اليوم الذين يقبلون على تعلم القرآن الكريم في المساجد، وأصبحوا أكثر معرفة والتزاماً بأمور الدين، مقارنة بكبار السن الذين نشأوا في وقت الحظر أيام الشيوعية، وخاصة أولئك الذين يذهبون من بلغاريا للدراسة أو العمل في أوروبا الغربية، ويعودون أكثر التزاماً بالدين، كونهم في الغرب يحصلون على الحرية الدينية أكثر مما يحصلون عليها في بلغاريا.
وختم السفير اليمني السابق لدى بلغاريا والكاتب عبدالرزاق العمراني حديثه لـ "ديلي صباح": "نتطلع اليوم إلى هؤلاء الشباب لحمل الشعلة، نحو مستقبل أفضل للمسلمين في بلغاريا والعمل على توحيد صفوفهم والتغلب على التحديات، والاستفادة من حالة التعاطف مع الإسلام في بعض جنبات المجتمع البلغاري، لدرجة أن عدداً من البلغار قد اعتنقوا الإسلام لمجرد قراءاتهم عنه على شبكة الإنترنت، وبعدها حضروا إلى مقر دار الافتاء؛ لطلب معلومات عن الإسلام، واتخاذ الإجراءات الخاصة بإشهار إسلامهم".