قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، إن مجلس الأمن الدولي "لم يعد ضمانة للأمن العالمي وبات ساحة تصادم للاستراتيجيات السياسية للدول الخمس دائمة العضوية"، و شدد على أن السلام الدائم بالشرق الأوسط مرهون بحل القضية الفلسطينية.
جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال مشاركته في أعمال الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في ولاية نيويورك الأمريكية.
وأضاف أردوغان: "ينبغي علينا بناء هيكل لإدارة عالمية قادرة على تمثيل جميع الأعراق والمعتقدات والثقافات في العالم".
وأردف: "علينا إعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عن ضمان الأمن والسلام والرفاهية في العالم بسرعة، تحت قيادة الأمم المتحدة".
وتابع الرئيس التركي: "بالنسبة لمستقبل العالم وبالمقارنة مع خطابنا هنا العام الماضي، مع الأسف لا يمكننا رسم لوحة أكثر تفاؤلاً".
وأشار إلى أنّ العالم بات في مواجهة تحديات أكثر تعقيداً وخطورة، قائلاً: "جنوب وشرق وشمال وغرب بلدنا. ثمة الكثير من الاشتباكات والحروب والأزمات الإنسانية والتجاذبات السياسية والتوترات الاجتماعية، ومع المشاكل الاقتصادية العالمية ستصبح مجابهة هذه التحديات أكثر صعوبة مع مرور الوقت".
وأوضح أن "دعوتنا إلى تأسيس نظام دولي لصالح البشرية برمتها، من خلال ندائنا بأن (العالم أكبر من خمسة) تلقى صدى متزايداً، نحن نتفق مع التصريح الذي أدلى به مؤخرا أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش، بأن المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لا تعكس عالم اليوم".
وتابع أردوغان: "باعتبارنا بلدا كان رائدا في العديد من المبادرات الرامية إلى تعزيز السلام والاستقرار، نولي أهمية إلى دعوة السيد غوتيريش لوضع خطة جديدة للسلام".
وأضاف: "رؤيتنا (قرن تركيا) التي بدأنا في تحقيقها في الذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا، هي التعبير الأكثر وضوحا لهذا التطابق. نحن نؤمن بإمكانية وجود نظام دولي يقضي على الظلم العالمي ويعالج عدم المساواة الاقتصادية ويحقق السلام والأمن والاستقرار والرخاء وفعّال وشامل ومحتضن للإنسانية، أي إمكانية وجود عالم أكثر عدلا".
مبادرة شحن الحبوب
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، أكد الرئيس التركي على أنّ بلاده ستواصل جهودها بشكل مطرد لإنهاء الحرب عبر الدبلوماسية والحوار، بناء على أساس استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها.
وتطرق الرئيس التركي للمبادرات الإنسانية التي قامت بها بلاده لا سيما مبادرة شحن الحبوب مع الأمم المتحدة والتي أثمرت عن تصدير 33 مليون طن من الحبوب إلى الأسواق العالمية وحالت دون وقوع أزمة غذائية عالمية.
وعلى الرغم من تمديد اتفاقية الحبوب 3 مرات بعد المساعي التركية، إلا أنّها وبحسب الرئيس التركي "دخلت طريقا مسدوداً في 17 يوليو/تموز".
وفي الشأن القبرصي قال أردوغان: "ننتظر من قوة حفظ السلام الأممية في جزيرة قبرص التزام مبدأ الحياد، ولا نريد لها أن تواجه فقدانا جديدا لسمعتها"، داعياً المجتمع الدولي للاعتراف باستقلال جمهورية شمال قبرص التركية وتأسيس علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية معها.
وفي شأن البيئة، قال الرئيس التركي: "أدعو من هذا المنبر كافة الدول والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لدعم حركة صفر نفايات".
وأردف: "لا يمكننا أن نورث أطفالنا عالماً مليئاً بالتلوث والموارد الطبيعية المستنزفة نتيجة للاستهلاك بلا وعي".
وبين أنّ الكوارث الطبيعية المتعلقة بالتغير المناخي "باتت جزءا من الحياة اليومية للإنسان الذي يعيش في أي بقعة من المعمورة".
كارثة الزلزال
وتطرق الرئيس التركي للزلزال الذي ضرب تركيا في 6 فبراير/شباط الماضي مستشهدا بوصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنه: "من أكبر الكوارث الطبيعية في هذا القرن".
وتسببت الكارثة بحسب الرئيس التركي بمصرع أكثر من 50 ألف إنسان وتدمير 850 ألف بناء، وقال: "إن الصداقة التي مدت يدها إلى دولتنا في ذلك اليوم الحالك كانت عزاء لنا".
وأعرب عن شكره باسم تركيا وشعبها، لأكثر من 100 دولة مدت يد العون لتركيا في كارثة الزلزال.
وعن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أكد على ضرورة وضع العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي "على أرضية سليمة في هذا الوقت بالتحديد في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تزداد تعقيدا".
وقال: "ما ننتظره من الاتحاد الأوروبي هو القيام بمسؤولياته تجاه تركيا وإنهاء المواقف المتناقضة تجاهنا".
كما أكد دعم بلاده بشكل عملي لعملية تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا بعد تصاعد حدة التوتر بين البلدين مؤخرا.
الملف السوري
وأوضح الرئيس أردوغان أن المأساة الإنسانية في سوريا بدخولها العام الثالث عشر، "تجعل الظروف المعيشية أصعب لكل شخص في المنطقة بغض النظر عن أصوله ومعتقده".
وقال: "تركيا هي الدولة الوحيدة التي تبدي موقفاً مبدئياً وبناء وعادلاً تجاه التطورات التي تهدد وحدة سوريا السياسية وسلامتها الاجتماعية وبنيتها الاقتصادية".
وأردف:" كما أن إنهاء الأزمة في منطقتنا الجنوبية عبر إيجاد حل شامل ودائم ومستدام يلبي التطلعات المشروعة للشعب (السوري)، يزداد أهمية يوما بعد يوم. إن التأثير المدمر لزلزال 6 فبراير/ شباط الذي أثّر على 14 مليون شخص في بلدنا، ألقى بظلاله على سوريا أيضاً".
وأشار أردوغان إلى تردي وتفاقم الأوضاع الإنسانية، في شمال غربي سوريا مع توقف المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة عبر الحدود.
وأردف: "نحن في تركيا بالطبع لن نترك أكثر من 4 ملايين شخص يكافحون من أجل البقاء في ظل ظروف معيشية صعبة في الشمال السوري، يواجهون مصيرهم".
وأشار إلى أنه "مع اكتمال الوحدات السكنية التي قمنا بدور رائد في تشييدها خلف حدودنا، ستتسارع عملية عودة اللاجئين في بلادنا إلى هذه المناطق".
وأكد الرئيس التركي أنّ التهديد الأكبر لسلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية "هو الدعم المقدم للمنظمات الإرهابية الخاضعة لسيطرة القوى التي لها مطامع في هذا البلد".
وقال :"لقد طفح الكيل بالشعب السوري الذي يرزح تحت وطأة تنظيم بي كي كي / بي واي دي من جهة والجماعات المتطرفة التي ظهرت جراء الانقسامات الطائفية من جهة أخرى".
القضية الفلسطينية
وعلى صعيد آخر، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن السلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه "إلا من خلال التوصل إلى حل نهائي في القضية الفلسطينية".
وقال أردوغان: "لا يمكن للسلام الدائم أن يتحقق في الشرق الأوسط إلا من خلال التوصل إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية".
وقال: "سنواصل دعم الشعب الفلسطيني ودولته في كفاحه من أجل الحصول على حقوقه المشروعة على أساس القانون الدولي".
وأردف أنه "من الصعب على إسرائيل أن تجد السلام والأمن اللذين تسعى لهما ما لم يتم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ومتكاملة جغرافيا على أساس حدود عام 1967. وفي هذا النطاق، سنواصل المتابعة عن قرب لمسألة احترام الوضع التاريخي للقدس، لاسيما الحرم الشريف".
وتابع الرئيس أردوغان حديثه بالقول: "يؤلمنا بشدة، الوضع في اليمن البلد الذي تربطنا به علاقات تاريخية ووجدانية عميقة".
وأعرب عن تمنيه "أن يتم حل هذه المشكلة في أسرع وقت ممكن في إطار الوحدة الوطنية وسلامة أراضي اليمن".
وحول العلاقات مع مصر قال :"لقد دخلنا مرحلة جديدة بدأنا فيها بتحسين علاقاتنا مع مصر في جميع المجالات، والتي كانت راكدة منذ فترة. نحن عازمون على تعزيز تعاوننا على أساس المصالح المتبادلة في هذه الفترة الجديدة".
وقال الرئيس التركي إن العراق يبذل جهوداً صادقة للتغلب على التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها.
وأضاف: "نحن نتبنى نهجا من شأنه أن يعزز الوحدة السياسية للعراق وسلامة أراضيه ويدعم جهود إعادة الإعمار، بدون التمييز بين مكوناته".
وأضاف: "لقد انكشفت حيل أولئك الذين يتمسكون بذريعة داعش كلما واجهوا مشاكل في هذه المنطقة".
وتابع : "باعتباري زعيم دولة خاضت بالفعل أكبر معركة ضد داعش، وألحقت أكبر الخسائر بهذا التنظيم، وتعرف الحقائق الكامنة خلف هذه المشكلة بكل تفاصيلها، أريد أن أتحدث إليكم بصراحة".
وزاد: "لقد ضقنا ذرعا بنفاق من يستخدمون داعش وأمثاله غطاءً لتحقيق مصالحهم في الشرق الأوسط بما فيه سوريا والعراق وفي شمال إفريقيا ومنطقة الساحل".
وأوضح أن التهديد في منطقة الشرق الأوسط لا يقتصر على "داعش" فحسب، بل أيضا في "التنظيمات الإرهابية والمجموعات شبه العسكرية والمرتزقة والعناصر المحلية التي تعمل لصالح من يدفع أكثر، والتي يتم رعايتها وتقويتها من أجل استخدامها كأدوات للحروب بالوكالة".
وقال: "الدول التي تواصل التعاون مع المنظمات الإرهابية من أجل مصالحها السياسية والاقتصادية الخاصة، ليس لها الحق في الشكوى من الإرهاب والمشاكل المترتبة عنه".
وعن علاقات بلاده مع دول أمريكا الجنوبية والكاريبي، اعتبر أردوغان بأنها "منطقة فعّلت فيها تركيا كل سياستها الخارجية الإنسانية وعززت معها روابط الصداقة يوما بعد يوم".
وتهدف تركيا، بحسب أردوغان، إلى تحويل العلاقات مع هذه المنطقة في المستقبل، إلى سياسة شراكة مع دول أمريكا الجنوبية والكاريبي.
إفريقيا
وعن القارة السمراء، أشار الرئيس التركي أنّ الذكرى الستين هذا العام لتأسيس منظمة الاتحاد الإفريقي "تحمل رمزية لتولي القارة زمام أمورها ونهوضها".
وقال إنّ العملية التي بدأت بإرادة "حلول إفريقيّة لمشاكل إفريقيا" أصبحت من "أهم مشاريع التنمية في العالم".
وأضاف: "بهدف مرافقة إفريقيا في هذا المسار، قمنا بتتويج علاقاتنا مع القارة بشراكة استراتيجية. نرحب بعضوية الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين، وقدمنا لها دعمًا قويًا".
واستدرك أردوغان بالإشارة إلى التحديات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تواجهها منطقة الساحل.
وأعرب عن تمنياته بأن تشهد النيجر، التي شهدت انقلابا عسكريا مؤخرا، في أقرب وقت تحولًا نحو النظام الدستوري والحكم الديمقراطي.
وحذّر من خطورة التدخل عسكرياً في النيجر الأمر الذي من شأنه مفاقمة عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها.