لماذا هذه الحملة الإعلامية الغربية على أردوغان؟

من التجمع الانتخابي لأنصار تحالف الشعب في أدرنة كابي، اسطنبول. 7 مايو 2023 (الأناضول)

ليس غربياً أو مفاجئاً القول إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو زعيم مكروه في الغرب عموماً. بعيداً عن العناوين الاستعراضية التي نقرأها في بعض الصحف الغربية من حين لآخر عن "أردوغان الديكتاتور والمستبد وعدو الحريات"، ويُمكن المجادلة بها طبعاً، هناك الكثير من الأسباب القوية التي تُفسّر هذا الكره.

عندما كانت صحيفة "ذا إيكونوميست" البريطانية تدعو الأتراك صراحة إلى التصويت ضد أردوغان في الانتخابات المقبلة لأن هزيمته ستكون قيمة جيوسياسية ضخمة للغرب، كان زعيم المعارضة كمال قليجدار أوغلو يعد في مقابلة مع هيئة الإذاعة العامة البريطانية "بي بي سي" في نفس اليوم بأن تركيا ـ إذا ما فاز برئاستها ـ ستُعطي الأولوية للغرب وليس مع روسيا.

يقودنا ذلك إلى استخلاص أول سبب لهذا الكره وهو أن أردوغان مُزعج للغرب ويعمل ضد مصالحه لأنه في عام 2015 قرر أن مصلحة تركيا تجنب الدخول في فخ صدام عسكري مع روسيا بسبب سوريا لأن حلف شمال الأطلسي، التي هي عضوة فيه، لم يُفعل المادة الخامسة للدفاع عنها. ولأنه في عام 2017 قرر أن مصلحة تركيا شراء منظومة إس-400 الصاروخية من روسيا لأنّ الدول الغربية رفضت بيع تركيا أسلحة تحتاجها. ولأنه في عام 2022، قرر أن مصلحة تركيا تكمن في الحياد البناء بين روسيا وأوكرانيا للحد من تداعيات الحرب عليها ورفض الانخراط في العقوبات الغربية على موسكو.

عندما تقول "ذا إيكونوميست" وغيرها من الصحف الغربية، التي لم تستطيع عزل عقدتها من أردوغان عن تناولها لقضايا تركيا بموضوعية، أن هزيمة أردوغان ستعني إصلاح علاقات تركيا مع حلف الناتو ومع الولايات المتحدة لأن أردوغان تسبب في تسميمها بسبب العمليات التركية ضد تنظيم واي بي جي الإرهابي الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابي، فهذا يقودنا إلى سبب ثاني لهذا الكره وهو أن أردوغان يتحدي المصالح الغربية لأنه قرر في عام 2016 أن مصلحة تركيا تفرض عليها التدخل عسكرياً في سوريا لتدمير المشروع الانفصالي الذي تدعمه الولايات المتحدة والدول الغربية بذريعة الحرب على الإرهاب. ولأنه قرر العام الماضي أن مصلحة تركيا هي منع انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو إذا لم تُلبيان مطالبها المشروعة بوقف دعمها لتنظيم واي بي جي ورعايتها للدعاية السوداء التي يقودها أنصار منظمتي بي كا كا وغولن الإرهابيتين ضد تركيا على الأراضي الأوروبية. ولأنّه قرر مع نظيره الروسي والإيراني في قمة طهران العام الماضي أنه ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا والتوقف عن مساعيها لتهديد وحدة دولة مُجاورة لتركيا.

عندما ترى "ذا إيكونوميست" والحملة الإعلامية الغربية المعادية لأردوغان أن هزيمته في الانتخابات المقبلة ستفرض على رئيسها الجديد كمال قليجدار أوغلو الإفراج عن المعتقلين السياسيين المعارضين لأردوغان، وهي مزاعم مُضللة ولا يُمكن تصديقها بأي حال، فهذا يقودنا إلى سبب ثالث لهذا الكره، وهو أن أردوغان مزعج للغرب لأنه في عام 2014 قرر أن مصالح الأمن القومي لتركيا تفرض عليها التدخل بقوة لقمع التمرد الذي قاده حزب الشعوب الديمقراطي بإيعاز من منظمة بي كا كا الإرهابية في جنوب شرق تركيا ولأنه يُبدي صرامة شديدة في مواجهة المشروع الانفصالي الساعي لتهديد وحدة تركيا وإن لبس هذا المشروع عباءة سياسية. ولأنه قرر بعد ذلك أن مصلحة الأمن القومي لتركيا تفرض عليها الشروع في معاقبة حزب الشعوب الديمقراطي لأنّه استغل البلديات التي يُديرها في جنوب شرق تركيا وتحويلها إلى مركز للإمداد اللوجستي لمنظمة بي كا كا الإرهابية. عندما تتجاهل الحملة الإعلامية الغربية المعادية لأردوغان حقيقة أنه كان الزعيم التركي الوحيد الذي أبرمت تركيا في عهده اتفاق سلام تاريخي مع منظمة بي كا كا في عام 2013، وأن الدعم الغربي للمشروع الانفصالي لتنظيم واي بي جي في سوريا لعب دوراً أساسياً في إفساد عملية السلام، فهذا يعني أن جانباً أساسياً من أسباب الحقد الغربي على أردوغان أنه يعمل ضد المصالح الغربية التي تستخدم منظمة بي كا كا وأفرعها في جوار تركيا لتهديد أمنها القومي.

عندما تقول "ذا إيكونوميست" إن أوروبا يجب أن تستجيب لفوز محتمل للمعارضة التركية بإحياء برنامج التأشيرات المتوقف منذ فترة طويلة للأتراك، فهذا يقودنا إلى سبب رابع لهذا الكره وهو أن أردوغان لم يعد يرى في أوروبا حاجة لتركيا لأنه قرر منذ فترة طويلة أن الاتحاد الأوروبي غير جاد في مفاوضات ضم بلاده وبأن مصلحتها تكمن في البحث عن خيارات أخرى أكثر فائدة لها بالاستدارة نحو الشرق وعمقها التاريخي. ولأنه قرر منذ فترة أن مصالح تركيا تكمن في بناء علاقات متوازنة بين الغرب والشرق والخروج من عباءة الارتهان المُطلق للغرب. ولأنه قرر في عام 2020 أن الخيار الأفضل لحل القضية القبرصية هو حل الدولتين لأنّ الأوروبيين لا يعترفون بالحقوق المشروعة للقبارصة الأتراك وينحازون بشكل أعمى للقبارصة اليونانيين. ولأنه قرر في العام التالي أن تركيا تعتبر اليونان بأنها تحولت إلى قواعد عسكرية أمريكية لأن الانتشار العسكري الأمريكي في دولة مجاورة لتركيا يهدف إلى تطويقها ومعاقبتها على خياراتها الجيوسياسية المستقلة عن الغربيين.

عندما تقول "ذا إيكونومست" والبروباغندا الإعلامية الغربية المعادية لأردوغان إن هزيمته في الانتخابات ستؤدي إلى نهاية حقبة الهوية المحافظة لتركيا، فهذا يقودنا إلى سبب خامس لهذا الكره وهو أن أردوغان مُزعج للغرب لأنه عمل على معالجة حقبة الصراع بين الهويات في تركيا ونقل العلاقة بين الهويتين المحافظة والعلمانية من مرحلة التصادم إلى مرحلة التعايش وشكّل تركيا الحديثة التي تجمع بين إرثها المحافظ وحداثتها العلمانية. وعندما تقول البروباغندا المعادية لأردوغان إن المعارضة التركية ستعمل على إنهاء تدخلات تركيا في جوارها، فهذا يقودنا إلى سبب سادس لهذه الحملة وهو أن أردوغان جعل تركيا قوة إقليمية قائمة بحد ذاتها ولم تعد بحاجة إلى الغرب لتأمين مصالحها الإقليمية. وعندما تقول هذه الحملة إن صعود صناعات الدفاع التركية في عهد أردوغان جعل تركيا متهورة في استخدام قوتها في الصراعات المحيطة بها، فهذا يقودنا إلى سبب سابع لهذا الكره وهو أن أردوغان مُزعج للغرب لأنّه قرر أن من مصلحة تركيا الوصول إلى مرحلة تستطيع فيها إنتاج الأسلحة التي تحتاجها بنفسها والدفاع عن مصالحها باستخدام قوتها دون الاعتماد على الغرب. لهذه الأسباب ببساطة يبدو أردوغان من منظور غربي ديكتاتور ومستبد.

أما عن بعض المبررات الأخرى التي تستند فيها هذه الحملة والتي تقوم على فكرة ان أردوغان أصبح بعد تعديل الدستور في عام 2017 والانتقال إلى النظام الرئاسي حاكما "سلطوياً ويُدير البلاد بمفرده"، فهي تتجاهل حقيقة أن هذا التعديل جاء بعد استفتاء شعبي وافق عليه أكثر من نصف الأتراك، ولم يفرضه أردوغان بالقوة. وإذا أراد الأتراك التخلص من هذا النظام أو من حكم أردوغان فبالطبع أنهم لن ينتظرون توجيهات من الصحافة الغربية.

لقد وصلت الديمقراطية التركية إلى مرحلة من النضج تستطيع فيها منح الأتراك حق تحديد مستقبل بلدهم بأصواتهم في الصناديق.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.