كشف زلازل تركيا عن أهمية ودور الدبلوماسية الإنسانية في خدمة دول وشعوب المنطقة، عبر فتح آفاق التعاون، وتجاوز الخلافات، ورأب الصدع في العلاقات.
وعقب كارثة الزلزال، تعاطفت معظم دول العالم مع تركيا، سواء العربية أو الغربية، وقدمت مساعدات عديدة، كما وصلت فرق إنقاذ من جنسيات مختلفة، في تعاضد دولي لفت الأنظار.
وطوال سنوات، قدمت تركيا الدعم والمساعدة لكثير من الدول حول العالم، سواء عبر مؤسساتها الرسمية أو منظماتها الإغاثية، ما دفع أيضا الشعوب والحكومات إلى المسارعة بالوقوف إلى جوارها عقب الزلزال.
وفجر 6 فبراير/شباط الماضي، ضرب زلزال مزدوج جنوبي تركيا وشمالي سوريا، قوة الأول 7.7 درجات، والثاني 7.6 درجات، تبعهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر علي باكير، قال إن "زلزال تركيا خلف كارثة إنسانية غير مسبوقة على المستوى البشري والضحايا والجرحى والنازحين والمشردين ومن هم بحاجة لدعم نفسي ومعنوي ومادي".
وأضاف باكير: "لما كان الزلزال قد خلف مثل هذه الكارثة، كان هناك تعاطف ودعم إنساني كبير من الدول والشعوب في المنطقة وعلى مستوى العالم".
وتابع: "وهذا الأمر يترك تأثيراته على أكثر من مستوى، فيما يتعلق بالجانب السياسي والدبلوماسي والإنساني، وربما يتعداه في مرحلة أخرى إلى الجانب الاقتصادي والأمني".
لذا جاءت الحاجة للدبلوماسية الإنسانية، وفقا لباكير، الذي قال إنها "تؤكد التضامن والتحالف بين أي دولتين لهما تاريخ من الصداقة، كما أنها فرصة للدول المتخاصمة والمتحاربة والمتنافسة لتضع ذلك جانبا وتحل خلافاتها".
واستطرد: "كما تفتح الباب أمام المصالح المشتركة، وبالتالي تكون الكارثة بوابة لجسر الهوة بين الطرفين، والنظر إلى أفق أوسع بما يخدم المصلحة المشتركة على مستوى الدولتين والشعبين والسياسات الثنائية ومتعددة الأطراف".
وشرح أستاذ العلاقات الدولية، الدبلوماسية الإنسانية، بقوله: "الزلزال بحد ذاته تذكير بأن هناك تحديات تخرج عن الإطار التقليدي وتشكل تهديد لكل دول المنطقة دون استثناء".
وأردف: "بالتالي على دول المنطقة أن تتعاون على الأقل فيما يتعلق بما يهدد أمنها وسلامة أرضها وسلامة شعبها، خاصة أن مثل هذه الكوارث الطبيعية تتجاوز قدرات أي دولة على التعامل معها منفردة".
وشدد على ضرورة "التنسيق والتعاون على أكثر من مستوى، والاستعداد لهذا الأمر، لأنه على ما يبدو فهذا الزلزال تذكير أن هناك مناطق معرضة لكوارث سواء فيضانات أو زلازل أو تصحر".
وختم بالقول: "الدبلوماسية الإنسانية إذا ما تركت هكذا فإن مفعولها يزول بسرعة، لذا يجب البناء عليها لتؤدي إلى إيجاد مصالح مشتركة مستدامة، وتعاطف وتضامن مستدام بين الأطراف المعنية وليس بشكل مؤقت".
أما الكاتب والباحث اليمني ياسين التميمي، فقال إن الزلزال "وضع المنطقة على أبواب مرحلة جديدة من التغيرات التي قد تعيد صياغة العلاقات بين دولها بدافع من الزخم الذي أحدثته الدبلوماسية الإنسانية".
وأضاف التميمي: "يمكن استحضار النموذج اليوناني الذي بدا متقدما للغاية في التعبير عن الدعم والمساندة، والذهاب قدما نحو إعادة بناء التفاهمات مع تركيا بعد تصعيد خطير على المستوى العسكري في بحر إيجة".
ومنذ وقوع الزلزال، أعلنت اليونان دعمها ومساندتها لتركيا، كما أرسلت عدد من شحنات المساعدات، التي تتضمن أغطية (بطانيات)، وملابس، ومواد غذائية ومنظفات وألعاب للأطفال.
يأتي هذا في الوقت الذي تشوب فيه علاقات تركيا واليونان مشكلات عديدة، بينها قضية جزيرة قبرص، وثروات شرق البحر المتوسط، وتسليح أثينا جزر بحر إيجة.
وفي 24 فبراير/شباط، قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، إن "أجواء إيجابية خيّمت على علاقات بلاده وتركيا عقب الزلزال، هذه الأجواء لها دور في تسهيل بدء عملية التقارب والحوار في السياسة الخارجية".
وعن الدول العربية، قال التميمي: "كان دورها كبيرا في إسناد تركيا وضحايا الزلزال، وهو موقف تعزز بالدبلوماسية الإنسانية لكنه أيضا بني على أرضية متماسكة من العلاقات التي شهدت تصدعات خطيرة منذ 2011".
ونبه إلى ضرورة "ألا نغفل التحولات الإيجابية التي كانت سياسات الرئيس (التركي) رجب طيب أردوغان وحكومته قد أسهمت في إعادة تحفيزها وتوجيهها بما يتفق مع الفرص الهائلة المتاحة من الفرص المشتركة".
التميمي تحدث أيضا عن "فرص استثنائية تمتلكها الدبلوماسية الإنسانية لتجاوز الصعوبات والتعقيدات التي تنشأ نتيجة التطورات السلبية بين الدول وتقاطعات السياسة الدولية والاستهداف الذي يرمي إلى بقاء دول منطقتنا في حالة صراع".
وذكر أنه "يمكن لهذه الدبلوماسية أن تفوّت الفرصة على مسار العدالة فيما يخص المظالم الهائلة التي لحقت بالشعب السوري، إذا لم تبق هذه الدبلوماسية متمسكة إلى الحد الأقصى بمبادئ العدالة".
ومنذ منتصف مارس/آذار 2011، اندلعت ثورة شعبية في سوريا تطالب بإقامة دولة ديمقراطية وتداول السلطة، غير أنها تحولت إلى مواجهات مسلحة، سقط خلالها آلاف القتلى، بحسب إحصائيات أممية.
ودعا "دول المنطقة إلى تأسيس حقبة جديدة من التعاون والتضامن على خلفية التهديد المشترك الذي تمثله الزلازل التي تضرب المنطقة من مصر إلى تركيا مرورا بالشام والعراق ما يستدعي توظيفا استثنائيا لإمكانياتها وخبراتها".
وختم الباحث اليمني بالتأكيد أن "هذا يعني ان الجميع مدعوون إلى إعادة النظر نحو الكوارث الطبيعية، التي يتجاوز تأثيرها أحياناً تأثير الحروب".
في المقابل، يخالف أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الهاشمية الأردنية عدنان هياجنة من سبقوه، فيقول إن "المساعدات الإنسانية كانت تجاوبا لتعاطف الرأي العام مع الكارثة الإنسانية، ولا تشكل تحولا جوهريا في سياسات الدول".
وأضاف هياجنة، للأناضول: "لا أعتقد أن الأخطار المحدقة بالدول ستجعلها تُقبل على التعاون، لأنها ما زالت محكومة بالحسابات الواقعية العقلانية".
وشدد على أن "مستقبل العلاقات بين دول الإقليم مرتبط إلى حد كبير بما يحدث من تحولات في النظام الدولي، ودول المنطقة ودورها محدود جدا فيما يتعلق بالتحولات الدولية".
ومنذ الزلزال، تسابقت الدول والشعوب العربية، وعدد من الدول الغربية والمنظمات الدولية، لدعم وإغاثة المتضررين وتوجيه مساعدات عينية ومالية للمناطق المنكوبة.