الشنقيطي لديلي صباح: الانتخابات التركية القادمة ستكون علامة فارقة في تاريخ الجمهورية

رقية تشليك
إسطنبول
نشر في 09.03.2023 14:30
آخر تحديث في 09.03.2023 16:29
الكاتب والبروفيسور الدكتور محمد مختار الشنقيطي الأناضول الكاتب والبروفيسور الدكتور محمد مختار الشنقيطي (الأناضول)

مع اقتراب موعد الانتخابات التركية المقررة في 14 مايو/آذار المقبل، بدأ الشارع التركي والعربي في الحديث عن السباق الرئاسي، وسط تكهنات بالشخص الأقرب للفوز بالاستحقاق الذي يعد الأهم في تاريخ الجمهورية التركية التي تأسست في التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1923.

والانتخابات المقبلة ستكون معركة مفصلية لحزب العدالة والتنمية الحاكم وللمعارضة على حد سواء، كما أنها معركة كذلك بالنسبة للناخب التركي الذي سيترجم الخدمات التي قدمها الرئيس أردوغان وحكوماته خلال العشرين عاما الماضية، والمتمثلة في المشروعات التنموية والتسويق لاسم تركيا إقليمياً ودولياً، إلى جانب إدارة الأزمات التي ضربت العالم، بشكل احترافي.

كذلك هي فرصة ليعبر عن مدى تعاطيه مع البرنامج السياسي للمعارضة المتمثلة في تحالف الطاولة السداسية أو الأحزاب الأخرى.

وللتعمق أكثر في تفاصيل تلك الانتخابات التي تشغل الرأي العام المحلي والدولي التقت "ديلي صباح العربية" مع أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر ومدير مؤسسة مشارق ومغارب، الدكتور محمد المختار الشنقيطي.

المرشح الأوفر حظاً:

"أردوغان أم قلتشدار أوغلو؟"، بات هذا السؤال هو الأشهر الآن على الساحة الشعبية، خاصة أن السياسة في الجهورية التركية لا تؤثر على الشأن الداخلي فحسب، بل على الدولي.

ويرى الدكتور محمد المختار الشنقيطي أن الدول في مرحلة الانتقال تحتاج إلى قيادة قوية ومستقرة، وتركيا من الدول التي تمر بمرحلة انتقال سياسي حاسم منذ عقدين من الزمان.

وأضاف: "إذ تحاول أنقرة التحرر تماما من مواريث الانقلابات والتدخل العسكري في السياسة، والتحرر من النفوذ الأجنبي في المعادلة السياسية الداخلية، إلى جانب استكمال نهضتها الجديدة الكبرى التي بدأت مع بداية القرن الواحدة والعشرين، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا".

أردوغان هو الأنسب للمرحلة الحالية:

وأردف الشنقيطي: "نظرا لحالة الانتقال السياسي هذه، وظروف الطوارئ الناشئة عن مأساة الزلزال الأخير، فإني أرى أن الرئيس أردوغان الذي قاد نهضة تركيا الحالية لا يزال لديه الكثير ليقدمه، وأن الشعب التركي بحاسته السياسية العميقة، التي تضرب جذورها في تاريخ امبراطوري عريق، يدرك تماما أن الرئيس أردوغان مؤهَّل أكثر من غيره لاستكمال البناء، وإيصال السفينة إلى برِّ الأمان".

وعبر أستاذ الشؤون الدولية عن مدى احترامه لأحزاب المعارضة في الطاولة السداسية، لكنه لفت إلى أنه لم يجد في برنامجها بديلاً جدياً، منتقداً خطابها السياسي الذي يعتمد على النقد السلبي للرئيس أردوغان وفريقه.

واستدرك: "هذه الأحزاب ليست منسجمة فيما بينها، بل هي أشبه بكتلة ملفَّقة لغايات انتخابية ظرفية، فلا أظن أن هذه الأحزاب ستتفق على برنامج سياسي أو اقتصادي واحد، بل سيكون قادتها شركاء متشاكسين في السلطة، مما يقود إلى شلل الحكومة وفشل مشاريع البناء. وقد جرب الشعب التركي من قبل الحكومات الائتلافية في التسعينيات، فكانت دائما حكومات ضعيفة وسيئة الأداء".

الرؤية السياسية لأحزاب المعارضة:

وحول بيان أحزاب المعارضة التركية فيما يخص الرؤية السياسية بعد ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي، قال الشنقيطي: "للأسف الشديد أن مطالعة النقاط الإثنتيْ عشرة التي تضمَّنها بيان الأحزاب الستة حول ترشيح السيد كمال قلتشدار أوغلو، تدل على ضعف الخيال السياسي لدى هذه الأحزاب".

وأضاف: "ليس في هذا البيان رؤية سياسية موحَّدة وصالحة لتحقيق بديل ناجح، بل مجرد توزيع للمناصب والمغانم في المستقبل وبطريقة تؤدي إلى إضعاف الدولة وتشتت القرار. فقد ضَمِن كل رئيس حزب في هذا البيان أن يكون أحد نواب السيد كمال في حال فوزه، وحصل كل من رئيس بلدية إسطنبول ورئيس بلدية أنقرة ضمنا على وعد بالحصول على منصب كبير لنفسه في المؤسسة الرئاسية، فأصبح لمؤسسة الرئاسة التركية في هذا المستقبل المتخيَّل ثمانية رؤوس! ثلاثة من حزب الشعب الجمهوري وخمسة من قادة الأحزاب الأخرى، وهذا أمر لا يستقيم معه بناء، ولا يتحقق معه قرار رشيد".

وأشار الشنقيطي إلى أن البيان التزم بتقسيم الوزارات حسب تمثيل كل حزب في البرلمان، وهذا الالتزام سيفتح بابا واسعا للتنافس والتنازع بين هذه الأحزاب في تعيين الوزراء وسيقود لشلل الحكومة، لأنها ستكون حكومة منتمية إلى ستة أحزاب متشاكسة. ووصف رؤية الأحزاب الستة بأنها رؤية غامضة وغير عملية على الإطلاق.

النظام البرلماني أم الرئاسي:

وخلال الفترة الماضية، دعت أحزاب المعارضة التركية إلى الرجوع للنظام البرلماني، لكن السؤال هو أي من النظامين هو الأنسب لتركيا بغض النظر عن الفائز في الانتخابات المقبلة.

وفي هذا الخصوص قال الشنقيطي: "من المعروف في العلوم السياسية والقانون الدستوري أن لكل من النظامين الرئاسي والبرلماني جوانبه الإيجابية وجوانبه السلبية، وأن النظام البرلماني بما يقود إليه من تشرذم وضَعف في مصدر صناعة القرار، ومن تحكُّمٍ للأقلية في الأغلبية، لا يناسب المجتمعات التي تعيش حالة انتقال من الحكم العسكري إلى الحكم الديمقراطي، كما هو حال تركيا".

وأوضح أن من الممكن أن يقود ذلك النظام إلى الشلل في المؤسسات الحكومية، وطغيان المزايدات والمهاترات على الساحة السياسية، على حساب الإنجاز والبناء والاهتمام بمصالح الشعب.

وأضاف: "ولا ننسى أن الديمقراطية التركية كانت مهدَّدة بانقلاب عسكري مدعوم من الخارج منذ سنوات قليلة، أقصد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، ولولا شجاعة الرئيس أردوغان ومبادرته، وتضحية الشعب التركي وبسالته، لضاع كل شيء في تلك المغامرة الدموية الأثيمة".

واستدرك: "فالنظام البرلماني قد يناسب بعض الديمقراطيات ذات العمر الطويل التي أصبحت مؤسساتها صلبة ومستقرة، ولا تعاني من تشرذم داخلي ولا من تدخل خارجي، مثل الديمقراطيات الغربية، علما بأن أكبر ديمقراطية غربية، وهي الولايات المتحدة، يحكمها نظام رئاسي لا نظام برلماني منذ أكثر من 200 عام. أما تركيا فلا يناسبها اليوم -في رأيي- سوى النظام الرئاسي -بغضّ النظر عن شخص الرئيس- حتى تصْلُب مؤسساتها الديمقراطية وتترسَّخ، وتصبح عصيَّة على أي اختراق أو تخريب".

وشدد الأكاديمي في جامعة قطر على أن العودة للنظام البرلماني ليست في صالح تركيا وتطورها السياسي.

وقال: "كل هذا طبعا إذا افترضنا أن قلتشدار -في حالة فوزه- سيقبل بالتحول إلى النظام البرلماني الذي سيجرِّده من كل صلاحياته، ويجعله أسيرا للأحزاب الصغيرة، وهذا أمر غير وارد في تقديري".

أردوغان لديه طموح سياسي عظيم:

وذكر الشنقيطي أن الرئيس التركي أردوغان لديه طموح سياسي عظيم، مثل كل القادة العظام، وكذلك اعتداد كبير بالذات، إذ يظهر ذلك في شخصية الإنسان ذي المواهب القيادية منذ الطفولة المبكرة، كما أوضحه المتخصصون في علم النفس السياسي.

وقال: "ليس الرئيس أردوغان استثناء من هذه القاعدة، فهو رجل ذكي وطموح من دون ريب، ورؤية الرئيس أردوغان لرسالة تركيا ودورها في العالم دليل واضح على الذكاء والطموح".

العالم أكبر من خمسة:

وأشاد الشنقيطي بالدور العالمي الذي تلعبه تركيا، موضحاً أن أنقرة مصنفة اليوم لدى علماء الجغرافيا السياسية والدراسات الاستراتيجية ضمن القوى الإقليمية المحورية والصاعدة، لكن مكانتها وإمكانها يؤهلانها لأكثر من ذلك، وهو التحول إلى قوة عالمية في المستقبل.

وقال: "القيادة التركية الحالية واعية بهذه الإمكانية، لكن الأمر يحتاج إلى شروط وأمامه بعض العوائق، ومنها أن القوى السائدة لا تمنح القوة الصاعدة مساحة في النظام الدولي بسهولة، حرصا على الاستئثار بالهيمنة. وتحتاج تركيا -كقوة صاعدة- أن تشق طريقها بصبر وبصيرة وحذر استراتيجي لكي تحقق ما تطمح إليه دون اصطدام مباشر مع القوى الدولية السائدة اليوم".

زلزال تركيا المدمر أظهر مدى قوة الروابط الإنسانية:

وحول الحديث عن "كارثة القرن" زلزال تركيا المدمر الذي ضرب جنوبي البلاد في السادس من فبراير/شباط الماضي، عبر الشنقيطي عن ألمه تجاه ما حدث.

وقال: "فقدنا في هذا الزلزال أرواحا عزيزة ستبقى ذكراها طريَّة في القلوب، كما أن الزلزال أضرَّ بالنهضة العمرانية التي تعيشها تركيا منذ أكثر من عقدين من الزمان، وزاد من معاناة الشعب السوري الذي يعيش معاناة الحرب منذ أكثر من عشر سنين".

وفي سياق متصل أشاد الشنقيطي بالاستجابة الشعبية العربية بعد الكارثة، لافتاً إلى أن شعوب المنطقة (عربا وتركا وكردا وغيرهم) تربطهم أرحام دينية وثقافية وإنسانية عميقة، وهم شركاء في التاريخ والحضارة والمصير. لذلك لا عجب أن انفعل الوجدان العربي انفعالا عميقا بالكارثة التي حلت بجنوب تركيا وشمال سوريا.

وأضاف: "كانت الاستجابة العربية للزلزال دليلا على عمق الروابط الأخوية. ويمكن أن يستمر هذا الإحساس الأخوي بعد إعادة البناء وتضميد الجراح، إذا اضطلعت النخب السياسية والثقافية برسالتها في بناء الوعي وتوحيد الصف، وتخلَّت عن الأنانية السياسية والتعصُّبات القومية، وقِصَر النظر الاستراتيجي".

أمير قطر أول زائر رسمي لتركيا بعد "الزلزال":

وفيما يخص زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا عقب الزلزال، قال الشنقيطي: "لم يفاجئني أبدا أن يكون أمير قطر أول زائر رسمي لتركيا، إذ تربط بين البلدين علاقات أخوية استراتيجية، فضلا عن أن العمل الإغاثي والخيري جزء من استراتيجية القوة الناعمة في كل قطر وتركيا، فهما من أعظم الدول نشاطا في هذا المجال، خصوصا إذا تعلق الأمر بشعوب جارة وشقيقة".