أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقابلة مطولة مع قناة "وي أون" التلفزيونية الهندية، ، قبيل الزيارة الرسمية التي يجريها إلى الهند غدًا الأحد.
وقال أردوغان خلال اللقاء إن حجم التبادل التجاري بين بلاده والهند، يبلغ 6 مليارات دولار، وإن المرحلة القادمة ستكون مبنية على أساس الربح المتبادل وتعزيز العلاقات واللقاءات بين مسؤولي البلدين.
وأضاف أن زيارته إلى الهند تسعى لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة أنها برفقة نحو 160 رجل أعمال تركيا، سيعقدون اجتماعات مع نظرائهم الهنود، لإنشاء استثماراتٍ متبادلة.
وأشار أردوغان إلى أن بلاده افتتحت قنصلية لها في مدينة مومباي عام 2010 وقنصلية أخرى بمدينة حيدر أباد عام 2013.
ولفت إلى أن هذه الخطوات توضح مدى اهتمام تركيا بالهند.
وحول النزاع على إقليم كشمير بين الهند وباكستان، أوضح أردوغان أن إيجاد حل للمسألة التي مازالت عالقة منذ 70 عاماً سيكون مربحاً للهند وباكستان، وإضافة كبيرة إلى السلام العالمي.
وشدد أن إطالة أمد هذه الأزمة وإجبار الأجيال القادمة على دفع فاتورتها ليس صائبا، علاوة على أن المسألة تؤثر على حياة ورفاهية شعوب المنطقة وعلى الأمن في جنوبي آسيا، "ففي هذه المنطقة الهند صديقتنا وكذلك باكستان".
وأكد أردوغان أهمية إبقاء قنوات الحوار بين الهند وباكستان قائمة، وتركيا مستعدة للمساهمة في هذه الحوارات.
ولفت إلى حسن النية التي أبداها رئيس الوزراء الباكستاني حيال فتح قنوات حوارات ثنائية مع الهند أو مشاركة دولة أخرى بذلك.
واستبعد الرئيس التركي أن يكون هناك أي وجه للشبه في الأزمة بين الهند وباكستان حول كشمير، وبين محاربة تركيا لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية.
وأكد أردوغان عدم وجود مسألة كردية في تركيا، وأن الدولة التركية تحارب منظمة إرهابية "بي كا كا" وليس الأكراد.
وفي السياق توجه مقدم البرنامج لأردوغان بالسؤال: "السيد الرئيس، حسب علمي فإن تركيا وباكستان تربطهما علاقات ثنائية متينة، نرى هنا أن الإسلام يعتبر قيمة مشتركة لوقوف تركيا وباكستان معاً، ومنظمة التعاون الإسلامي تنتقد دائما الهند، لماذا هناك انحياز في ما يخص أزمة كشمير؟".
وردا على السؤال، قال الرئيس التركي إن منظمة التعاون الإسلامي لا تهدف إلى معاداة الهند أو اتخاذ موقف ضدها، لكن من حق المنظمة أن تبدي رأيها حول الإجراءات التي تتخذها نيودلهي بشأن مكافحة الإرهاب، وتقول عن إجراء معين إنه خاطئ.
وأضاف أن ما تسعى له المنظمة هو فقط فتح قنوات الحوار لإيجاد صيغة تتوافق عليها باكستان والهند في موضوع كشمير، لتحقيق السلام وإنهاء المشكلة.
وأوضح أردوغان أن منظمة التعاون الإسلامي تمثل مليارا و700 مليون من مجموع سكان العالم، ولها تأثيرها في مختلف قارات العالم، وتملك قوة اقتصادية، ولها كلمتها في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ولفت إلى أنه يُنتظر من المنظمة المساهمة في السلام العالمي، وهي تقوم بهذا الدور، ولا يحق لأحد محاسبتها عن بياناتها لأن الدول الأعضاء فيها هي عضو أيضا في الأمم المتحدة ولها ثقلها هناك.
وشدد أردوغان على ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، وعدم ترك مصير العالم بيد الدول الخمسة دائمة العضوية (الولايات المتحدة، وروسيا وبريطانيا، والصين، وفرنسا) فالعالم أكبر من خمس.
وأوضح أنه في حال تم العمل بمقترح في هذا الخصوص فإن الهند أيضا ستكون من بين الأعضاء الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
ورداً على سؤال حول "تردد أنقرة بدعم نيودلهي" في مجموعة الموردين النوويين، أكد أردوغان أن تركيا دعمت انضمام الهند وكذلك باكستان إلى المجموعة.
وتساءل المذيع عن ربط الرئيس التركي عضوية الهند بجارتها باكستان، فأجابه أردوغان أن هذا الأمر ليس ربطًا، لأن ذلك من حقها (باكستان) أيضا، فكلاهما يمتلكان قوة نووية.
وتابع أردوغان: "لقد تصرفنا بعدل في هذا الخصوص وقمنا بدعم الهند أيضاً، ورئيس الوزراء الهندي شكرني على ذلك".
ولفت إلى أنه ينبغي للهند عدم الخوض في سباق بهذا الخصوص، بل عليها أن تنظر إلى الموضوع على أن تركيا دعمت الهند فيمكنها أيضا دعم باكستان، مبيّنا أن موقف بلاده في هذا الخصوص إيجابي ومحايد تماماً.
وحول رأيه عن العلمانية في ظل نظرة كل دولة إليها بشكل مختلف، والنقاشات التي تدور بشأنها في تركيا من حين لآخر، قال أردوغان: "سأعرف لكم العلمانية، العلمانية التي أؤمن بها لا يمكن أن تجدوها لا في أوروبا ولا في الدول الأنجلو - سكسونية، العلمانية هي ضمان الدولة لمعتقدات كل المجموعات الدينية، هذا هو فهمنا حول العلمانية، ينبغي عدم التفريق بين المواطنين، وأن يعيش الجميع وفق معتقداتهم سواء أكانوا مسلمين أو بوذيين أو ملحدين".
ووجه المذيع لأردوغان سؤالاً حول تصاعد الإسلاموفوبيا وتحولها إلى عاصفة في أوروبا وأمريكا الشمالية، وسأله عما إذا كان ذلك من أجل الحصول على الأصوات في الانتخابات، أو موضوع حريات، أو انعكاسا للهوية الدينية؟
وأجاب الرئيس التركي قائلاً إن الحجاب هو التزام المسلمات بواجباتهن الدينية، السماح به أو حظره مهم جدا من حيث إظهار مواقف تلك الدول، وفي الوقت الذي لا نتدخل في تركيا بأي مجموعة دينية، نرى بأن الغرب بدأ بمعاداة كبيرة للمسلمين، الوضع في بعض الدول وصل إلى حد معاداة المسلمين وإحراق المساجد، والاعتداء عليها.
وأشار إلى الحملات المعادية لشخصه، من قبيل رفع لافتة عليها صورته الشخصية أمام البرلمان السويسري، وكتابة عبارات عليها تدعوا لاغتياله، مشددًا على أن بلاده لم تشهد معاداة للمسيحية ولا اليهودية، وأن أول ما يقومون به في أي هجوم، هو حماية المعابد وتأمين أمنها.
وتابع أنه لا يمكن أن تحدث هكذا أمور في بلادنا، لماذا؟ (...) "لأن من مهمتنا حماية جميع المجموعات الدينية، هذا الذي نقوم به، لكن الغرب لم يتعامل ولا يزال لا يتعامل معنا بنفس الطريقة".
وفي معرض رده على سؤال بشأن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، قال أردوغان إنه منذ 54 عاماً ننتظر على أبواب الاتحاد، وخلال هذه الفترة أقدم الاتحاد على الكثير من الالتفافات والمناورات، وللأسف لم يتصرف زعماء الاتحاد بشكل صادق.
وتساءل أردوغان: "هل يوجد بينهم (قادة الاتحاد الأوروبي) من يتصرف بصدق؟! (...) نعم يوجد، لكن قسم منهم لم يكونوا صادقين ولم يفوا بوعودهم أبدا".
وضرب مثالا على ذلك أن الاتحاد الأوروبي وعد بتقديم دعم مالي بقيمة 3 مليارات يورو في يوليو/تموز الماضي، للاجئين الموجودين في تركيا، والذين يصل عددهم إلى نحو 3 ملايين، إلا أن كل ما قدمه حتى الآن هو 725 مليون يورو، وفي المقابل أنفقت تركيا 25 مليار دولار.
وأضاف: "قال لي وزير خارجية سابق لإحدى الدول الأوروبية الهامة (لم يذكر اسمه)، لا تهدروا جهدكم عبثا (...) سألته لماذا؟ فأجاب: أنتم مسلمون، لذلك لن يقبلوكم في الاتحاد (الأوروبي)، ونحن (تركيا) اليوم نحن نرى ذلك يتجسد على أرض الواقع".
وأشار أردوغان إلى إمكانية إجراء استفتاء شعبي بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد من عدمه، في حال استمرت أوروبا بعدم الوفاء بوعودها.
ولدى رده على سؤال "يقولون إنه لا توجد حرية للإعلام ووالإعلاميين في تركيا"، نفى أردوغان تلك الادعاءات قائلا: "كل القنوات تعمل وهل رأيتم إغلاق قناة ما؟ (...) وهناك الكثير من الصحفيين وكتاب الأعمدة يكتبون ضدنا، ويهاجموننا، كما أن هناك من وجه إلينا كل أنواع الإهانات، بالرغم من ذلك هل رأيتم أنه تم إغلاق صحيفة ما؟".
وحول آخر التطورات في الأزمة السورية، أوضح أردوغان أن بلاده تجري لقاءات مع أمريكا وروسيا والسعودية وإيران وقطر بهذا الصدد، مشدداً على أن النظام السوري يمارس إرهاب دول.
وأكد أن بلاده تحارب المنظمات الإرهابية في سوريا مثل "داعش"، و"ب ي د" (الذراع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية).
وأعرب الرئيس التركي عن رفضه استخدام منظمات إرهابية محددة من أجل القضاء على منظمات إرهابية أخرى، مضيفاً أنه ينبغي أن يتوحد التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وتركيا وروسيا وإيران والسعودية وقطر لمحاربة "داعش" في سوريا والعراق.
وتابع أنه "عقب ذلك نخطط لتشكيل إدارة يختارها الشعب السوري ليتولى السلطة، ويجب ألا نصر على تولي شخص مجرم مثل بشار الأسد السلطة (...) هذه هي المسألة".
وأجاب أردوغان على سؤال "منظمة غولن أم داعش العدو الأول لتركيا؟"، بالقول إن "ساحة كل منهما مختلفة عن الأخرى، لكن غولن هو العدو الأول لذا نبذل جهودنا لتطهير تركيا من منظمته".
وأضاف أنه يوجد في الداخل التركي منظمة "بي كا كا" الإرهابية ولها امتداد في شمالي سوريا هو "ب ي د/ ي ب ك"، كما أن هناك "داعش" ونحن نحاربهم جميعا.
وأكد أن تركيا قتلت نحو 3 آلاف من "داعش" في سوريا "وليس هناك كفاح مماثل من قبل قوات التحالف مثل مكافحتنا للتنظيم".
وفي معرض رده على سؤال "هل يمكن لتركيا باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) مواصلة علاقاتها الجيدة مع روسيا"، قال أردوغان: "نحن وضعنا في الناتو مختلف كما أن علاقاتنا مع روسيا مختلفة؛ فروسيا هي دولة جارة لنا ونمتلك معها حجماً كبيراً للتبادل التجاري، ولنا علاقات تجارية اقتصادية وعسكرية وسياسية مع دول الناتو، أي إننا لا نقيم علاقاتنا مع جهة على حساب جهة أخرى".
وعلى الصعيد الداخلي، أكد أردوغان أهمية تغيير نظام الحكومة في تركيا بعد الاستفتاء الذي شهدته البلاد في 16 أبريل/نيسان الجاري.
وأشار إلى أن هذه الخطوة هي الأهم بالنسبة إلى تركيا في السنوات الـ 94 الأخيرة.
ووجه المذيع الهندي سؤالًا للرئيس التركي قال فيه "أنتم في الحياة السياسية التركية منذ 20 عاما شغلتم مناصب رئيس البلدية ورئيس الوزراء وحاليا رئيس الجمهورية، يعتبركم البعض الرئيس الأقوى في تاريخ تركيا، ومن جهة أخرى يرى البعض أن رئيساً قوياً قد لا يكون من مصلحة تركيا، فما رأيكم؟".
وأجاب أردوغان: "نحن نتفهم وجهة نظر الجميع في هذا الأمر، أنا توليت رئاسة بلدية إسطنبول أكبر ولايات تركيا، وإحدى أكبر ولايات العالم (من حيث عدد السكان) وتعد تجربة لي في الإدارات المحلية لمدة 4 سنوات ونصف، والإدارات المحلية هي حجر الأساس والمكون الرئيسي للديمقراطية، ثم توليت رئاسة الوزراء لمدة 12 عاماً، وأكثر من عامين ونصف العام كرئيس للجمهورية، أي الأنظمة تناسب مستقبل تركيا أنا أراقب عن قرب ما يجري من أحداث سواء في تركيا أو العالم".
وفي رده على سؤال حول الشعبية التي يحظى بها أردوغان في الشارع التركي، وحول خلقه لحالة استقطاب داخل الشارع التركي، أكد أردوغان أن حزب العدالة والتنمية هو حركة سياسية، تحتضن كافة أبناء الشعب وتتفهمهم، دون التمييز بين دياناتهم وألسنتهم، ودون التفريط في الحريات والحقوق وحرية الرأي.
وأشار أنّ هذه السياسة كانت وراء فوز الحزب في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها تركيا.
وأضاف أن "نتائج الانتخابات تشير إلى أننا نحتضن كافة شرائح الشعب، لو كنا نمزق ونفرق الشعب لما وضعنا هذا الشعب اليوم في الموقع الذي نحن فيه، وبالنسبة إلي بدلا من وضع تفاسير مختلفة، علينا النظر إلى صندوق الانتخابات ماذا يقول".
وسلط الرئيس التركي الضوء على أهمية المشاركة الشعبية الواسعة في الاستفتاء مبينا أنها وصلت إلى 85%، قائلاً إن "بعض الدول الأوروبية تصل فيها نسبة المشاركة إلى 35 أو 40%، تركيا نجحت في ذلك، ببعض الأنظمة الديمقراطية، قد يحدث ذلك عبر الإجبار، هذا أمر مختلف عن الاستفتاء الذي شهدته تركيا".