الديمقراطية والاستقرار ينتصران في تركيا
- إسطنبول
- Apr 17, 2017
يوم أمس، شارك أكثر من 50 مليون مواطن تركي في استفتاء دستوري تاريخي للتصويت على سلسلة من التعديلات من شأنها، في مجملها، أن تحول النظام البرلماني التركي المعيب تماما إلى نظام رئاسي. وبعد أشهر من الحملة الشرسة التي جرت وتستمر حتى الآن، أجري الاستفتاء أمس بطريقة شفافة وحرة ونزيهة. وعلى مدى الأسابيع الماضية، بذلت كل من حملة "نعم" المؤيدة للإصلاح الدستوري، وحملة "لا" المعارضة له، قصارى جهدهما للفوز بأصوات الناخبين المترددين بالإفصاح عن آرائهم. وفي النهاية، شكل الاستفتاء انتصارا للديمقراطية التركية واستقرارا لبلادنا على المدى الطويل.
وكما هو الحال في كل حملة انتخابية، ثمة فائزون وآخرون خاسرون.
لقد كان الشعب التركي هو المنتصر الواضح الوحيد من الانتخابات أمس. فبعد تسعة أشهر من محاولة انقلاب فاشلة وسط حملة تشويه دولية ضد بلادهم، آثر الشعب التركي إرسال رسالة قوية إلى أعداء تركيا. وفي الوقت نفسه، شهد الاستفتاء الدستوري في 16 أبريل نهاية ناجحة لعملية إصلاح استمرت عشر سنوات: في عام 2007، أيدت الأغلبية الساحقة من المواطنين الأتراك اقتراحا للسماح للشعب بدلا من البرلمانيين بانتخاب رؤساء تركيا. وبعد ثلاث سنوات، تم إقرار تعديلات إضافية لزيادة إضعاف نظام الوصاية العسكرية من خلال إخضاع المجلس العسكري في عام 1980 إلى العدالة. وأخيرا، صوت الشعب التركي بالأمس لانعكاس جزئي لإرث انقلاب عام 1960 من خلال إعادة إقامة علاقات الرئاسة مع السياسة الحزبية، وتحييد خطر حكومات الائتلاف الضعيفة، وإدخال آليات جديدة لتعزيز الفصل بين السلطات. وبعبارة أخرى، أعادت الأمة التركية ضبط المصنع للجمهورية.
فائز كبير آخر بعد التصويت، هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ففي آب / أغسطس 2014، حصل أردوغان على 51.8 في المائة من الأصوات ليصبح أول رئيس منتخب شعبيا في البلاد. ووفقا لنتائج غير رسمية، فازت حملة "نعم" بتأييد حصة مماثلة من الناخبين يوم الأحد. وعلى هذا النحو، يمكننا أن نخلص إلى أن السيد أردوغان عزز قاعدته الانتخابية بعد ما يقرب من ثلاث سنوات في منصبه وهو مؤشر على أنه سيظل مرشحا قويا إذا ما سعى إلى إعادة انتخابه في عام 2019.
وأخيرا، من المهم أن نعترف أن الاستفتاء الدستوري في 16 أبريل كان انتصارا للأجيال المقبلة.
منذ عام 1960، أطاح الجيش على الأقل أربع حكومات منتخبة ديمقراطيا في تركيا. وأدى نظام الحكم الذي صممه متآمرو الانقلاب إلى خلق مواجهات سياسية وشل الاقتصاد وجعل من الممكن لنظام الوصاية العسكري التدخل في العملية السياسية كما يحلو له. ونتيجة لذلك، عانت الأجيال المتعاقبة الأتراك في ظل عجز الحكومات التي لم تتمكن من إدارة بلد يتمتع بإمكانيات هائلة. ولذلك، فإن الأجيال المقبلة ستستفيد من التغييرات الدستورية التي اعتمدها الناخبون أمس، ولن يكون هناك نظام سياسي معيب عميق يقف في طريق تقدم تركيا.
أما بالنسبة إلى الخاسرين:
فكان الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأوروبية يجتمعون في الفراش سوية مع المجموعات الإرهابية، كمنظمتي بي كا كا وغولن، طوال الحملة الانتخابية. وفي الأشهر الأخيرة، لم يكن لدى من نصبوا أنفسهم على رأس الديمقراطية في أوروبا أي مشكلة في التدخل في الاستفتاء التركي، من خلال الانحياز العلني لحملة "لا" واستهداف الدبلوماسيين الأتراك، وفرض حظر تعسفي على الفعاليات التي ينظمها مؤيدو الإصلاح الدستوري. ومن أجل المضي قدما، سيتعين عليهم أن يتفقوا مع الحقائق السياسية في تركيا إذا كانوا يريدون حماية مصالحهم.
وفى الوقت نفسه، في شرق تركيا، دفعت منظمة بي كا كا الإرهابية وحزب الشعوب الديمقراطي، الجناح السياسي للحزب الإرهابي، ثمنا باهظا بعد إنهائهم وقف إطلاق النار المعلن من جانب واحد فى يوليو عام 2015، والتخلي عن محادثات نزع السلاح مع تركيا وتحويل حياة المواطنين العاديين إلى جحيم. حيث أظهرت النتائج أن المحافظات ذات الغالبية الكردية مثل دياربكر وغيرها، الناخبون فيها أيدوا الإصلاح الدستوري بأعداد أكبر مما كان متوقعا. وهو ما لم يكن الإرهابيون وجناحهم السياسي مستعدين لخطره، أي مزيد من التراجع في دعمهم الشعبي، لذلك سيتعين عليهم أيضاً تصحيح خطئهم والتوقف عن تهديد تركيا ووقف جهودها في شمال سوريا.
وأخيرا، أثبتت وسائل الإعلام الدولية مرة أخرى أنها غير قادرة على فهم السياسة التركية والتنبؤ بكيفية تصرف الناخبين الأتراك. فحتى اللحظة الأخيرة، شبك العديد من الصحفيين الدوليين في تركيا أصابعهم، وأعربوا عن أملهم في أن يشكل الاستفتاء التاريخي نقطة تحول بالنسبة إلى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وعلى الرغم من أنهم كانوا يقدمون تقارير عن الإصلاح الدستوري لعدة أشهر، لكنهم كانوا كسولين جدا في دراسة التقاليد الدستورية في تركيا، وبدلا من ذلك ادعوا أنهم يعرفون ما يجري من خلال قراءة نقاط حملة "لا" للأمور فقط. نأمل أنهم قد تعلموا الدرس هذه المرة.
على مدى الأشهر المقبلة، سيعمل البرلمان التركي على سن عدد من القوانين لتسهيل انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى نظام الحكم الرئاسي. ومع ذلك، فمن المهم أن نعترف بأن البلاد تمر في مرحلة حساسة. ومن أجل المضي قدما، يتعين على الفائزين التأكد من إتمام عملية الانتقال بسلاسة، وسيتعين على الخاسرين أن يفكروا في أوجه القصور وأن يوقفوا التشكيك في الحقائق.
لقد شكل الاستفتاء انتصارا للديمقراطية التركية. لكن الكفاح من أجل مستقبل أفضل لا يزال مستمرا.