مراحل تطور العلاقات التركية السعودية على مدار العام الماضي

وكالة الأناضول للأنباء
اسطنبول
نشر في 30.09.2016 00:00
آخر تحديث في 30.09.2016 12:45
EPA EPA

وصل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف، إلى تركيا في زيارة رسمية تستمر يومين يلتقي خلالها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في سادس قمة تجمع بين الرئيس التركي وقادة السعودية (الملك وولي العهد وولي ولي العهد) في أقل من عام.

ويعد كذلك اللقاء المرتقب بين أردوغان وبن نايف، الثاني بين الجانبين خلال أقل من 10 أيام، والثالث الذي يجمع أردوغان مع أحد قادة السعودية خلال شهر، والسادس الذي يجمع الرئيس التركي مع قادة السعودية خلال 11 شهرا.

كما تأتي زيارة بن نايف للمملكة اليوم بعد أقل من 6 شهور من زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تركيا، والتي كانت الزيارة الثانية التي يجريها الملك سلمان لتركيا خلال 6 شهور أيضا.

وتعكس تلك القمم المتتالية والزيارات المتبادلة في وقت قريب وقصير، الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود وتعزيز التعاون على مختلف الأصعدة.

وهو ما تم بلورته استراتيجياً بتوقيع أنقرة والرياض يوم 14 إبريل/ نيسان الماضي في مدينة اسطنبول، على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، وذلك بحضور العاهل السعودي والرئيس التركي؛ وعسكرياً بزيادة التعاون بين الجانبين حيث شهد هذا العام فقط 4 مناورات عسكرية مشتركة بين الدولتين؛ واقتصادياً عبر ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 8 مليارات دولار سنوياً، وسط جهود لزيادة التعاون بين الجانبين.

وتأتي السعودية على رأس الدول التي دعمت الشعب التركي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً، في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو/تموز المنصرم.

وأعلنت الرياض، حينها رفضها لمحاولة الانقلاب، وهنأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بعودة الأمور إلى نصابها في تركيا".

وفي التقرير التالي نستعرض أبرز مراحل تطور العلاقات على مدار الشهور القليلة الماضية:

6 قمم خلال عام.. ومجلس استراتيجي

يستقبل الرئيس أردوغان اليوم الجمعة ولي العهد السعودي محمد بن نايف الذي وصل تركيا الخميس في إطار زيارة رسمية تستغرق يومين، بحسب ما أفادت الرئاسة التركية.

وفي إطار زيارته ذاتها التقى بن نايف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين إلى جانب القضايا الإقليمية.

وسبق أن التقى أردوغان وبن نايف في نيويورك على هامش أعمال الدورة السنوية الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 21 سبتمبر / أيلول الجاري في اجتماع جرى خلاله، بحث آخر تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والجهود المبذولة تجاهها وموقف البلدين منها، إلى جانب بحث أوجه التعاون بين البلدين خصوصا المجال الأمني .

كما سبق أن التقى أردوغان و الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد السعودي في مدينة هانغتشو الصينية يوم 3 سبتمبر/ أيلول الجاري، وذلك على هامش قمة مجموعة العشرين، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط .

كما تأتي زيارة ولي العهد السعودي لتركيا بعد أقل من 3 أسابيع من زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لأنقرة في 8 سبتمبر الجاري، واستقبله خلالها الرئيس التركي.

كما تأتي زيارة بن نايف لتركيا بعد أقل من 6 شهور من زيارة الملك سلمان إلى تركيا، والتي كانت الزيارة الثانية التي يجريها الملك سلمان لتركيا في إبريل/ نيسان الماضي، ووقعت تركيا والسعودية خلالها، على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، وذلك بحضور الملك سلمان و الرئيس أردوغان.

ويعنى المجلس بالتنسيق بين البلدين في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والبنوك والمال والملاحة البحرية، والصناعة والطاقة والزراعة والثقافة والتربية والتكنولوجيا والمجالات العسكرية والصناعات العسكرية والأمن، والإعلام والصحافة والتلفزيون، والشؤون القنصلية.

وكانت الدولتان قد اتفقتا على إنشاء مجلس للتعاون الإستراتيجي، خلال الزيارة التي أجراها الرئيس التركي للمملكة، في 29 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، واستمرت 3 أيام.

وجاءت قمة الرياض بعد قمة جمعت العاهل السعودي والرئيس التركي على هامش زيارة الملك سلمان إلى مدينة أنطاليا التركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وبذلك تكون القمة المرتقبة اليوم هي السادسة بين أردوغان وقادة السعودية خلال 11 شهراً (3 قمم مع العاهل السعودي في نوفمير وديسمبر 2015 وإبريل 2016، وقمتين مع ولي العهد السعودي، وقمة مع ولي ولي العهد السعودي خلال شهر سبتمبر/ أيلول الجاري).

تطابق المواقف.. وتوحيد الرؤى

وتكتسب الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين أهميتها، من الثقل الذي يمثله بلديهما، إضافة إلى توقيت تلك الزيارات، وتقارب رؤى الجانبين تجاه العديد من ملفات المنطقة.

ففي المجال السياسي، تتسم مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأولى البلدان بوصفهما جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، قضايا الأمة جل اهتمامهما، من منطلق إيمانهما بعدالة هذه القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كما يمتلك البلدان دورًا فاعلًا في منظمة التعاون الإسلامي.

وفي الشأن السوري، تتطابق رؤية البلدين في حتمية رحيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم المعارضة السورية، والتأكيد على الحل السياسي للقضية، مع المحافظة على سيادة ووحدة التراب السوري، وحق شعبه في الحرية والكرامة والعدالة.

كما تدعم تركيا التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، وتتطابق وجهات نظرها مع السعودية، خصوصًا فيما يتعلق بإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية.

وهي الأمور، التي أكد عليها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال زيارته الأخيرة لأنقرة 8 سبتمبر الجاري، والذي عقد خلالها عقد مؤتمرا صحفيا مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو أكدا خلاله تطابق مواقف البلدين تجاه جميع الموضوعات التي تم بحثها وفي مقدمتها الأزمة السورية والعراق واليمن ومواجهة الإرهاب.

وأكد الجبير دعم المملكة للخطوات التي تتخذها تركيا في مواجهة الإرهاب في سوريا، مشدداً على وقوف المملكة ودعمها لتركيا في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها.

ونوه بمستوى التعاون بين البلدين في المجال الاستخباراتي والعسكري وتبادل المعلومات، ووصف العلاقات بين البلدين بـالإستراتيجية والتاريخية، وعبر عن تطلعه لتوسيع نطاق التعاون لما فيه خير البلدين والمنطقة.

4 مناورات عسكرية.. وتعاون متواصل

وعلى صعيد التعاون العسكري، شهدت العلاقات نقلة نوعية وتعاونًا متناميًا، حيث أقيمت 4 مناورات عسكرية بين الجانبين خلال العام الجاري فقط.

وشاركت القوات الجوية الملكية السعودية، في مناورة "النور 2016".، التي أقيمت في قاعدة قونيا العسكرية وسط تركيا في يونيو / حزيران الماضي، وكانت ثالث مناورة عسكرية تشارك فيها السعودية بتركيا خلال شهرين.

وجاءت هذه المناورة بعد نحو أسبوعين من اختتام مناورتي "نسر الأناضول 4" 2016، و"EFES 2016" اللتين أجريتا في تركيا في مايو/ آيار الماضي وشاركت بهما السعودية.

وشاركت تركيا في مناورات "رعد الشمال" التي أقيمت شمال السعودية خلال الفترة من 27 فبراير/ شباط، وحتى 11 مارس/ آذار الماضيين، بمشاركة قواتٍ من 20 دولة، إضافةً إلى قوات درع الجزيرة (قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، تم إنشاؤها عام 1982) ووُصفت بأنها من أكبر المناورات العسكرية بالعالم.

وفي إطار تعاون البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، حطّت مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي في قاعدة إنجرليك الجوية بولاية أضنا، جنوبي تركيا، في فبراير الماضي، وذلك في إطار التحالف الدولي لمحاربة "دعش".

وفي الشهر نفسه، وقَّعت شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية الإلكترونية والشركة السّعودية للتّنمية والاستثمار التّقني الحكومية "تقنية"، في 21 فبراير الماضي، اتفاقاً لتأسيس شركة مشتركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة العربية السعودية.

وتهدف الشركتان من خلال مساهمة قدرها 50% لكل منهما، لتأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، لصناعة وتصميم وتطوير الرادارات، ومعدات الحرب الإلكترونية، والرؤية البصرية، وسد احتياجات المملكة والمنطقة من هذه المعدات.

وتعد تركيا عضو بارز في "تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب" أعلنت المملكة عن تشكيله في ديسمبر الماضي، ويضم 40 دولة.

8 مليارات دولارحجم التبادل التجاري.. وجهود لزيادة التعاون

ينعكس أي تقارب بين الرؤى الإقليمية والسلوك الخارجي للمملكة وتركيا، إيجابياً على العلاقات الثنائية بين البلدين على المستوى الاقتصادي والتجاري.

وفي هذا السياق، نجح المستثمرون السعوديون في الحصول على مكانة متميزة في الاقتصاد التركي، بينما استفاد المستثمرون الأتراك من مشروعات البنى التحتية الكبرى التي يجري العمل على تنفيذها في المملكة، وكان أبرزها مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز، بالمدينة المنورة، بالشراكة مع شركة سعودية.

ويعمل مجلس أعمال سعودي تركي، يضم رجال أعمال من البلدين، على دعم وتنشيط وتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين.

ويرى باحثون اقتصاديون ومحللون، أن أوجه التعاون بين السعودية وتركيا أكبر بكثير مما هو موجود الآن، نظراً لما تتمتعان به من آفاق واسعة للتبادل التجاري في الساحة الاقتصادية الدولية، حيث يمكن للمملكة أن تمثل شريكاً اقتصادياً قوياً ومضموناً لتركيا في ظل التقارب بين البلدين، والعلاقات المتميزة التي تصاعدت في عهد الملك سلمان، والرئيس أردوغان الذي يسعى لتعزيز علاقات بلاده مع المحيط الإقليمي والدولي.

وفي هذا السياق، قال السفير التركي في السعودية يونس دميرار، في لقاء مع الأناضول قبل يومين، أن حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين لا يعكس العلاقات السياسية الكبيرة "لذا يجب أن يزداد التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين عما هو عليه الآن".

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 8 مليارات دولار سنوياً، "أعتقد أنه قليل جداً عما يجب أن يكون عليه.. نتوقع بعد هذه الزيارات والاتفاقيات أن الرقم سيرتفع كثيراً".

وأضاف: "نلاحظ تزايداً مستمراً في عدد السعوديين الذين يستثمرون ويشترون العقارات للسكن وللسياحة في تركيا.. السعودية أكثر الدول الخليجية ملكية للعقارات والسياحة في تركيا.. بلادنا أصبحت محوراً رئيسا للسائح السعودي".

ويبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا، بحسب السفير، 800 شركة تعمل بحصانة القوانين التركية، "وفي الفترة القادمة سيزداد العدد، كوننا نلمس رغبة كبيرة من المستثمرين السعوديين للاستثمار والتجارة والسياحة في تركيا".

ويبلغ عدد الشركات التركية العاملة في السعودية، قرابة 200 شركة، بحجم أعمال إجمالي يبلغ 17 مليار دولار أمريكي حتى اليوم، ورأسمال يتجاوز 600 مليون دولار.

ودعا السفير التركي رجال الأعمال الأتراك للاستثمار في السعودية، خاصة بعد رؤية 2030 الهادفة إلى الاستغناء عن النفط كمصدر رئيس للدخل في المملكة، ما سيعطي المستثمرين الأجانب تسهيلات للاستثمار.