في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء، دخل الجيش التركي ببعض دباباته مخترقاً الحدود السورية، للمساهمة في تطهير مدينة جرابلس من تنظيم داعش. التحالف الدولي، الذي كان يكتفي دائماً بدعم المعارضة المعتدلة والجيش الحر بالغطاء من الجو، أدخل قوات برية له على الأرض للمرة الأولى بفضل تركيا. وفي غضون فترة قصيرة من التحرك التركي، تمكن الجيش السوري الحر من تحرير العديد من القرى من قبضة داعش، بما فيها كيكليجا.
لقد أصبحت تركيا الضحية الأكبر للفوضى في سوريا. فقد شن تنظيم داعش عشر هجمات إرهابية على تركيا في العامين الماضيين، مودياً بحياة المئات من المدنيين. ومع أن تركيا لم تتواني عن بذل كل ما في وسعها لقطع خطوط تمويل التنظيم ومنع توظيفه للمزيد من المقاتلين، من خلال ترحيل وإعادة الآلاف من المقاتلين الأوروبيين الطامحين للانضمام إليه في سوريا والعراق، إلا أن المسألة لا تزال تشكل أزمة لتركيا. ولسوء الحظ، فإن استمرار الأزمة السورية وفشل الغرب في التعامل مع نتائجها قد ضخم هذا الخطر.
ومن التداعيات الأخرى للأزمة السورية، تنامي العنف لدى تنظيم بي كا كا الإرهابي، في الوقت الذي كانت تركيا تسير فيه قدماً باتجاه عملية السلام الداخلي لحل مشكلة عمرها يقارب الثلاثة عقود مع التنظيم. إلا أن التنظيم الذي أصبح يتغذى على الفوضى في سوريا وعلى الدعم البشري والعسكري الذي يحصل عليه امتداده السوري "ب ي د"، باشر عملياته وهجماته الإرهابية.
لا بد من الإشادة بالدعم الأمريكي للعملية العسكرية على داعش، وعلى الوعود التي قطعتها واشنطن حول ضمان انسحاب تنظيم "ب ي د" الى شرقي نهر الفرات. والإجراءات العسكرية التي اتخذتها تركيا بالأمس، بعد الكثير من الدراسة والمشاورات، لا تخرج عن إطار الدفاع عن النفس.
لقد طالبت تركيا منذ البداية المجتمع الدولي وحلفاءها الغربيين على وجه خاص، بدعم مجموعات المعارضة المعتدلة، مثل الجيش الحر. إن تقوية المجموعات المعتدلة سيسهم بدوره في إعادة تشكيل مستقبل معتدل لسوريا. والعملية العسكرية التركية واضحة الأهداف؛ الحد من تواجد داعش على طول الحدود مع سوريا، وضمان انسحاب ميليشيات "ب ي د" الى شرقي الفرات.
ليس لتركيا خطط طويلة الأمد في شمال سوريا سوى ضمان تحقق الأمن فيها، وهو سبب دعمها للجيش السوري الحر. العملية العسكرية تسعى إلى إضعاف داعش، ودعم الجيش الحر الذي تعتبره تركيا الطرف الوحيد المؤهل للتعامل مع الموقف، بالإضافة إلى تأمين الحدود التركية وتقوية الأمن القومي.