نهاية "الشرق الأوسط الجديد"
- مراد يشيلطاش,
- Oct 16, 2023
من شأن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والذي أعقبته عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة وغير متكافئة في غزة، أن يتحول إلى لحظة محورية في تاريخ الشرق الأوسط. في حين يبقى التنبؤ بمدى التوغل الإسرائيلي في غزة أمراً غير مؤكداً، إضافةً إلى ما تواجهه حماس من تحديات هائلة في الحفاظ على مقاومتها.
وعلاوةً على ذلك، فإن إسرائيل تتصارع مع تداعيات هذا الاعتداء المفاجئ. ويبدو من المرجح أن يدفع المشهد الناشئ إسرائيل نحو عقيدةٍ أمنية جديدة وموقف أكثر راديكالية بشأن القضية الفلسطينية مقارنة بالماضي. ويبدو أنه ما من بد أمام حزب الله المتواجد في لبنان وسوريا من التورط الوشيك في هذا الصراع، الأمر الذي يثير القلق في الولايات المتحدة.
كما أن دعم الولايات المتحدة المنقطع النظير لإسرائيل، يزيد من تفاقم الوضع ويستلزم إعادة تقييم الديناميكيات الإقليمية المستمرة. ونتيجة لذلك، فقد أصبح من الصعب على نحو متزايد أن يتشكل "الشرق الأوسط الجديد"، الذي تم تأطيره ذات يوم في إطار التطبيع الإقليمي.
من الربيع العربي إلى "الشرق الأوسط الجديد"
من المعروف أن اندلاع الربيع العربي كان سبباً في دفع المناقشات حول الشرق الأوسط الجديد إلى الواجهة، حيث أدى إلى تمكين القوى الديمقراطية وتفكيك الأنظمة الاستبدادية الراسخة. وبينما أطلق البعض على هذا التحول اسم "تطبيع التاريخ"، أطلق عليه آخرون اسم "الشرق الأوسط الجديد".
لكن مرحلة التحول الديمقراطي والتطبيع كانت عابرة، إذ أدى تعمق الصراع في سوريا والانقلاب العسكري في مصر والنكسات التي واجهها الثوار الليبيون والصراع الدائم في اليمن وصعود جماعات مثل تنظيم "داعش"، إلى تحويل مسار الشرق الأوسط الجديد بعيداً عن التطلعات الديمقراطية. ونتيجة لذلك، أصبحت الديمقراطية والاستقرار قوتين متعارضتين، ما أدى إلى تهميش الأسباب الجذرية للقضايا الإقليمية، وإخفاء التحديات الجديدة الناجمة عن الربيع العربي.
ومن اللافت للنظر أن هزيمة تنظيم "داعش" قد أسيء تفسيرها من قبل الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية. وكانت هزيمة الجماعة المتطرفة التي يُنظر إليها باعتبارها النتيجة الأكثر قتامةً للربيع العربي في سوريا والعراق، كافية لبناء نظام إقليمي جديد.
وفي الواقع، لم يتم حل أي مشكلة حقيقية، فالدول العربية قامت بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد في سوريا دون معالجة الأزمة السورية المستمرة، وحدث التطبيع الخليجي دون حل الصراع اليمني، والأهم من ذلك أن التطبيع العربي الإسرائيلي بدأ دون معالجة القضية الفلسطينية. وهكذا، تم إحياء حوار الشرق الأوسط الجديد الذي فشل في سد الفجوة بين المشاكل المستمرة وعملية التطبيع، من خلال مبادرات التطبيع التي مثلت مشكلة جوهرية لأن التطبيع لم يصل إلى القاعدة الشعبية وأهمل المشاكل الحقيقية.
إن الشرق الأوسط الجديد المعاصر والذي تجري مناقشته حالياً، ينحرف بشكل كبير عن الرؤية التي تم التوصل إليها خلال الربيع العربي. وكانت المناقشة الأولية تدور حول الديمقراطية وتغيير الوضع الراهن، في حين أن التركيز الحالي ينصب على الاستقرار والحفاظ على النظام القائم. وفي الأولى، انتقلت الجهات الفاعلة غير الحكومية من الأطراف إلى مركز المناقشات، أما في الأخيرة، فقد أعادت الجهات الفاعلة المركزية تأكيد مواقفها، متذرعةً بالاستقرار الإقليمي.
كما لعب الاقتصاد دوراً ثانوياً في قضية الديمقراطية، بينما في قضية الاستقرار، احتل الاقتصاد مركز الصدارة. وقد أدى هذا التحول إلى تهميش خطوط الصدع التقليدية وشدد على الديناميكيات الجغرافية الاقتصادية باعتبارها المفتاح إلى إقامة نظام إقليمي جديد.
وظهرت بعد عام 2020، 3 مسارات سياسية متميزة: التطبيع العربي الإسرائيلي، وتطبيع تركيا مع دول المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر، والتطبيع العربي الإيراني، وكلها ساهمت في التحول من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي سادها مناخ إقليمي فوضوي، إلى حقبةٍ أكثر حسماً لعمليات التطبيع.
الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر
إن هجوم حماس غير المتوقع على إسرائيل والعمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، من شأنها أن تؤدي إلى عرقلة هذا التقدم، وربما تكون بمثابة نهاية لما يسمى العصر الجديد في الشرق الأوسط. ويتوقف مستقبل هذا الوضع إلى حدٍّ كبير على تصرفات إسرائيل المقبلة ومصير حماس ونطاق توسع الصراع.
ويشير التوجه العسكري الإسرائيلي الحالي إلى شن عملية برية شاملة ضد غزة، بهدف التدمير الكامل لحماس. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى حصر المدنيين في غزة في مناطق محددة في حين تسيطر إسرائيل على المناطق منزوعة السلاح، وبالتالي إضعاف نفوذ حماس إلى الأبد. وقد يشمل ذلك أيضاً نقل السيطرة على غزة إلى سلطة عباس.
إن المعسكر المؤيد للحرب في إسرائيل يساوي خطابياً بين حماس و"داعش"، وهو ما يعكس الاستراتيجيات العسكرية المستخدمة في عمليات مكافحة "داعش" في العراق وسوريا، ما قد يؤدي إلى نهج غير إنساني تجاه غزة على غرار العمليات في الرقة والموصل. كما يقدم الدعم الدولي لإسرائيل في الوقت الحاضر، ميزة كبيرة.
ومع ذلك، تواجه العملية البرية الإسرائيلية تحديات عديدة، ومن المهم أن نتذكر الأمثلة من الحربين الأوكرانية والسورية، والتي توضح كيف قامت الجماعات المسلحة غير الحكومية بتحسين قدراتها في الصراعات غير المتكافئة، ما يشكل تحديات كبيرة لوحدات الجيش النظامي.
ونظراً لقوة حماس المتنامية وخبرتها في حرب المدن والكثافة السكانية المرتفعة في غزة والدعم الشعبي الواسع النطاق لحماس والمشهد العمراني والأنفاق تحت الأرض في غزة، فمن المشكوك فيه أن تؤدي العملية البرية الإسرائيلية إلى القضاء على حماس بالكامل.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن حشد حزب الله على طول الحدود اللبنانية - السورية قد يجبر إسرائيل على تحويل قواتها شمالاً، ما قد يؤدي إلى توسيع الصراع على جبهاتٍ متعددة. وإذا ما تصاعد الدعم الأمريكي لإسرائيل إلى حد التدخل من قبل أطرافٍ ثالثة، فقد يؤدي ذلك إلى أزمةٍ إقليمية. فضلاً عن أن الأهمية المتزايدة لإيران في سياسات إدارة بايدن، ترفع من سوية التعقيد.
ولا تزال الأهداف وراء عملية حماس التي أطلقتها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول غير واضحة إلى حدٍّ ما. ويبدو أن الأهداف المعلنة هي إنهاء الغارات الإسرائيلية على غزة، ووقف الهجمات على المسجد الأقصى، وتأمين إطلاق سراح الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. لكن إذا كانت عملية "طوفان الأقصى"، مدفوعةً باعتبارات استراتيجية وليست تكتيكية، فهذا يعني أن الوضع سيتجاوز القضية الفلسطينية المباشرة، وهذا بدوره قد يؤدي إلى تعطيل عمليات التطبيع في الشرق الأوسط.
وقد تكون إحدى العواقب المباشرة هي تعليق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، بالرغم من الجهود التي تبذلها إدارة بايدن لتعزيز التقارب بينهما، وقد تتأثر أيضاً جهود التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب سلباً، وقد يواجه التطبيع المتوتر بالفعل بين تركيا وإسرائيل المزيد من التحديات.
وإذا نجحت تركيا في التفاوض على إطلاق سراح الرهائن ووقف تصعيد الصراع، فمن الممكن أن يتحسن الوضع. وعلى العكس من ذلك، إذا فشلت هذه الجهود واشتدت حدة الاحتلال الإسرائيلي لغزة، فقد تحتاج أنقرة وتل أبيب إلى إعادة النظر في عمليتهما الدبلوماسية الجارية.
وختاماً، من المحتمل أن تغلق أحداث 7 أكتوبر الباب مؤقتاً أمام الشرق الأوسط الجديد، وقد يعتمد إعادة فتحه على المسار الذي تختاره إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمشهد الجيوسياسي العام.