ما هي أسباب عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها أذربيجان

مارست أذربيجان عبر حرب قره باغ الثانية، حقها الأصيل في الدفاع عن النفس على النحو المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ما أدى إلى تحرير الأراضي التي كانت تحت الاحتلال لمدة ثلاثة عقود.

وكان الصراع قد توقف في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بتوقيع إعلانٍ التزم فيه الطرفان بحل القضايا المتبقية بالوسائل الدبلوماسية. وكان الهدف الأساسي لهذه المفاوضات الدبلوماسية هو ضمان التنفيذ الكامل للشروط المنصوص عليها في الإعلان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، وتأمين اتفاق سلامٍ شاملٍ في نهاية المطاف بين أذربيجان وأرمينيا. وحملت المحادثات الجارية وعداً بدخول عصرٍ جديدٍ من السلام والتعاون جنوب القوقاز، ما مثَّل نقطة تحولٍ مهمة بعد سنوات من الصراع.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف بسبب فشل الجانب الأرمني بالوفاء بالعديد من الالتزامات المتفق عليها، بما في ذلك المادة الرابعة من الإعلان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي دعت إلى إخراج الجماعات الأرمنية المسلحة من الأراضي الأذربيجانية في قره باغ. وزاد الانحراف عن الشروط المتفق عليها من خطر تجدد الصراع في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، شنت الجماعات المسلحة غير الشرعية في الإقليم الأذربيجاني، هجماتٍ على القوات المسلحة الأذربيجانية.

ونتيجةً لذلك، اضطرت باكو إلى إطلاق عمليةٍ لمكافحة الإرهاب في 19 سبتمبر/أيلول، لنزع سلاح هذه الجماعات المسلحة غير الشرعية. وبلغت العملية العسكرية التي جرت الأسبوع الماضي، التي استمرت 23 ساعة و47 دقيقة، ذروتها باستسلام القوات المسلحة غير الشرعية، وتفكيك الإدارة التي نصّبت نفسها في قره باغ. ومن المهم الإشارة إلى أن الجانب الأذربيجاني كان لديه مبررات قانونية وسياسية وعسكرية صحيحة لبدء هذه العملية.

أسباب قانونية

بينما يوظّف الأرمن ومناصروهم قضية احتلال الأراضي الأذربيجانية كأداةٍ سياسية ودعائية، نجد أن القضية متجذرة بشكل أساسي في القانون الدولي. وتكمن قوة الموقف الأذربيجاني في توافقه مع مبادئ القانون الدولي. وفي هذا السياق، كان قرار أذربيجان بشن عملية لمكافحة الإرهاب يرتكز بقوة على 3 أسس قانونية رئيسية: أولاً، قرارات عام 1993 التي اعتمدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وثانياً، الإعلان الثلاثي. وثالثاً، الاعتراف الدولي بالمنطقة باعتبارها أراضٍ أذربيجانية.

وشددت قرارات مجلس الأمن الدولي المعتمدة عام 1993 على الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات الأرمينية المسلحة من الأراضي المحتلة في أذربيجان، بما في ذلك قره باغ. وخلال حرب قره باغ الثانية التي استمرت 44 يوماً، نجح الجيش الأذربيجاني في تحرير أجزاءٍ من تلك الأراضي. ونصّت المادة الرابعة من الإعلان الثلاثي على نشر فرقة حفظ سلامٍ تابعةٍ للاتحاد الروسي بالتزامن مع انسحاب القوات المسلحة الأرمينية من المناطق المحتلة المتبقية. ومع ذلك، وبالرغم من مرور 3 سنوات على الإعلان الثلاثي، لم تغادر الجماعات المسلحة الأرمنية المنطقة ولم تخرجها قوات حفظ السلام الروسية أو الأرمنية. وهذا يعني أن شروط قرارات مجلس الأمن الدولي التي تم تبنيها عام 1993 والإعلان الثلاثي الصادر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني لم يتم الوفاء بها.

من ناحية أخرى، قره باغ معترف بها دولياً كأراضٍ أذربيجانية. وخلال الاتفاق الذي تم التوصل إليه في براغ في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2022، التزم الطرفان بالاعتراف بمبادئ السلامة الإقليمية بموجب إعلان ألما آتا لعام 1991. وبالتوقيع على هذا الإعلان، أكدت أذربيجان وأرمينيا مجدداً التزامهما بسلامة الأراضي والاعتراف بـ قره باغ كأراضٍ أذربيجانية.

وخلال مفاوضات السلام الجارية، اعترف رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان علناً بسلامة أراضي أذربيجان، بما في ذلك قره باغ، واعتُبر هذا البيان بمثابة خطوةٍ هامة. وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن جميع المسائل المتعلقة بالإقليم الأذربيجاني قد تم حلها باعتراف باشينيان، ما يعني ضمناً أن عملية مكافحة الإرهاب كانت ضمن الولاية القضائية لأذربيجان.

علاوةً على ذلك، أوضح حكمت حاجييف مساعد رئيس جمهورية أذربيجان، قبل العملية أن أذربيجان لن تتسامح مع أي مناطق رمادية أو قوات مسلحة غير قانونية على أراضيها السيادية. وقد كرر وزير الخارجية جيهون بيراموف هذا الموقف خلال اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول، حيث أكد أنه لا يمكن لأي دولةٍ أن تتسامح مع وجود قواتٍ مسلحةٍ غير شرعية على أراضيها.

ومما زاد من شرعية عملية مكافحة الإرهاب التي تقوم بها أذربيجان، تواصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن شخصياً مع الرئيس إلهام علييف، ساعياً إلى فهم شروط أذربيجان لوقف العملية. وأشار هذا التفاعل إلى أن العملية اعتبرت مشروعةً من وجهة نظر الولايات المتحدة. وباختصار، فإن اعتراف المجتمع الدولي بإقليم قره باغ أراضٍ أذربيجانية، إلى جانب تصريحات وأفعال الشخصيات والقادة السياسيين الرئيسيين، يؤكد شرعية عملية أذربيجان لمكافحة الإرهاب في الإقليم ضمن سياق القانون الدولي.

أسباب سياسية

كانت لهذه العملية ضد الإرهاب في قره باغ 3 أسباب سياسية، أولها، مطالبة أرمينيا بآليةٍ دولية. فمع اعترافها شفهياً بـ قره باغ كأراضٍ أذربيجانية، سعت أرمينيا إلى إنشاء آليةٍ دوليةٍ لحماية حقوق وأمن أرمن الإقليم. وهذا يعني ضمناً الرغبة في نقل السيادة الأذربيجانية في المنطقة إلى كيانٍ دولي. وكانت أرمينيا في الأساس، تهدف إلى إحياء آلية مماثلة لمجموعة مينسك القديمة لتعزيز هذه المطالب. ومن أجل ممارسة الضغط على أذربيجان وتعزيز موقفها، أبقت أرمينيا على وجود ما يقرب من 10 آلاف فرداً من القوات المسلحة غير الشرعية في المنطقة.

علاوةً على ذلك، حاولت أرمينيا تعزيز هذه الجماعات المسلحة غير الشرعية عن طريق إرسال الأسلحة والأفراد عبر طرق خارج سيطرة أذربيجان، خاصة خلال الفترة التي لم يكن فيها طريق لاتشين تحت السلطة الأذربيجانية. وتم إثبات تورط المواطنين الأرمن بالتجنيد كقواتٍ مسلحة في منطقة قره باغ الأذربيجانية من خلال أدلة الفيديو التي قدمتها قوات الحدود الأذربيجانية.

وبالإضافة إلى ذلك، زاد الوضع تعقيداً في الإقليم بسبب وجود الجماعات المسلحة غير الشرعية التي احتجزت السكان المدنيين كرهائن. وقدمت هذه الجماعات المسلحة الدعم السياسي للعناصر الانفصالية في المنطقة، والتي كانت تنتهك بشكلٍ مباشرٍ الاتفاقيات الدولية من خلال المطالبة بوضعٍ خاص لإقليم قره باغ، ورفض الاعتراف بالسيادة الأذربيجانية. كما عارض الانفصاليون بشدة المحادثات المباشرة بين أرمن الإقليم والأذربيجانيين، والتي بدأت في أعقاب القرار الذي تم اتخاذه في براغ عام 2022 وحظي بدعمٍ من منصات دولية أخرى. وبدلاً من ذلك، أصروا على إشراك الوسطاء.

وعقد الاجتماع الأول بين ممثلي أذربيجان وأرمينيا في قره باغ في خوجالي في الأول من مارس/آذار، بوساطة قوات السلام الروسية. وفي وقت لاحق، اقترح الجانب الأذربيجاني أن تستمر هذه الاجتماعات دون وسيط وأن تعقد في باكو لإجراء حوارٍ أكثر مباشرة. لكن الانفصاليين في الإقليم رفضوا هذا الاقتراح. ويذكر أنه تم التوصل إلى اتفاقٍ على مستوى وزيري خارجية أذربيجان وأرمينيا في موسكو لعقد لقاءٍ مباشر في مدينة يفلاخ في أذربيجان. ولسوء الحظ، تراجعت القوات الانفصالية في قره باغ في اللحظة الأخيرة. وفي جوهر الأمر، كانت أرمينيا والعناصر الانفصالية في قره باغ تتجاهل باستمرار القرارات المتفق عليها وتستخدم القوات المسلحة غير الشرعية كدرعٍ وقائي.

وفي 9 سبتمبر/أيلول 2023، أجرى الانفصاليون في خانكندي ما يسمى بانتخاباتٍ رئاسيةٍ جديدة في المنطقة "لتجديد شرعيتهم". وبعد حرب 2020، فشلت مواقف الانفصاليين تماماً، وظنوا أنهم سيحصلون على نتائج مختلفة مع وجوهٍ جديدة في هذه الانتخابات المزعومة. إلا أن الانتخابات جاءت بنتائج عكسية، وأدانتها المنظمات الدولية والدول وأعلنت اعترافها بالمنطقة كأراضٍ أذربيجانية. ومن ناحية أخرى، صرح الرئيس علييف بأن الانتخابات غير القانونية التي أجريت في قره باغ تتعارض مع الاتفاق الشفهي الذي تم التوصل إليه بين الطرفين.

والحقيقة أن المطلب الأول لما يسمى بالرئيس المنتخب حديثاً، هو الحصول على وضعٍ خاص للانفصاليين. ولذلك فإن وجود القوات المسلحة في المنطقة زاد من رغبة ما يسمى بالإدارة في استغلال الوضع الراهن لصالحها.

أسباب عسكرية

من ناحية أخرى، وبالرغم من هزيمة أرمينيا في حرب الـ 44 يوماً، إلا أنها كانت تخطط لحربٍ جديدة مع أذربيجان. وبينما كانت إدارة نيكول باشينيان تستغل الوقت لمنع أي نتائجٍ في محادثات السلام الجارية مع أذربيجان، كانت أرمينيا تستعد لبيئةٍ جيوسياسية مواتية. وبالتوازي مع ذلك، قال خبراء وسياسيون مقربون من الحكومة والمعارضة في أرمينيا، إن البلاد، مثل أذربيجان، يمكن أن تنتظر 20 أو 30 عاماً وتستعيد قره باغ في النهاية. ولذلك، كانت أرمينيا تخطط للعب على الوقت، وتعزيز نفسها عسكرياً واقتصادياً، ثم شن هجومٍ جديد. والواقع أن جهودها في مجال التسلح تزايدت في الآونة الأخيرة، وكثفت أنشطتها لزيادة القدرة البشرية على القتال.

وكانت القوات المسلحة الأرمنية غير الشرعية في قره باغ تهدد أذربيجان عسكرياً باستمرار. وزرعوا ألغاماً على الطرق المشيدة حديثاً في المناطق المحررة من الاحتلال، وعطلوا الأنظمة الإلكترونية للطائرات التي تحلق فوق أذربيجان وأصابوا جنديين أذربيجانيين في أغدام في اليوم السابق لبدء العملية. وفي نفس اليوم، ونتيجةً لأعمالهم التخريبية، استشهد 7 من ضباط الشرطة الأذربيجانية بالألغام المزروعة على طريق فضولي - شوشا. وكان الغرض الرئيسي من كل هذه الأفعال هو تهديد إعادة الإعمار في مناطق أذربيجان المحررة من الاحتلال، ومنع السكان المدنيين من العودة إلى أراضيهم، والحصول على قوة ردع. لذلك، جعلت هذه العوامل، العملية العسكرية لمكافحة الإرهاب ضرورية.

واستهدفت عملية مكافحة الإرهاب في المقام الأول أهدافاً عسكريةً، ولم يتم استهداف المناطق التي يسكنها مدنيون. وتم الاستيلاء على المرتفعات الاستراتيجية في فترةٍ زمنيةٍ قصيرة وقطع طرق الإمداد للجماعات المسلحة غير الشرعية، ما جعلهم يستسلمون خلال يوم واحد. وأدى بسط السيادة الأذربيجانية في قره باغ وبدء عملية دمج أرمن الإقليم، إلى إزالة إحدى أهم العقبات أمام السلام الدائم بين أذربيجان وأرمينيا.

بقلم: CAVID VELIYEV

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.