ما هي الآمال التي يحملها تجمع بريكس للأعضاء الجدد
- ديلي صباح, إسطنبول
- Aug 29, 2023
انتهت قمة بريكس الخامسة عشرة، التي بدأت بأجواء من التوقعات العالية والإثارة في منطقة ساندتون المصرفية في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب 2023، بتطورات تاريخية هامة.
واستضافت جنوب أفريقيا القمة في ظل الاضطرابات الداخلية الناجمة عن الشكوك الاقتصادية العميقة مثل أزمة الطاقة وارتفاع معدلات البطالة، وحضرها الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وناقشت القمة جدول الأعمال العالمي والإقليمي وكذلك التوقعات والأهداف لتطوير شراكة بريكس في الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية. كما ناقش القادة أيضاً التخلص من الدولرة في الاقتصاد العالمي وإمكانية إنشاء عملة احتياطية جديدة.
ويشهد تحالف بريكس اهتماماً عالمياً متزايداً كونه يهدف إلى زيادة تمثيل البلدان النامية. ويُنظر إلى عضوية بريكس على أنها دخول إلى نادي غير غربي حيث تهدف الأسواق الناشئة والدول النامية إلى تنشيط التعددية من خلال التفاعلات العادلة والمصالح المشتركة. أما بالنسبة للبلدان التي تقدمت بطلبات رسمية أو غير رسمية للحصول على العضوية أو أعربت عن اهتمامها بالانضمام، فإن عضوية بريكس تجلب لها مزايا تتعلق بالتجارة والوصول إلى الأسواق والاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة القوة التفاوضية وتعزيز الدور في الشؤون الدولية.
ويشير الاهتمام المتزايد بمجموعة بريكس إلى أن الاقتصادات الناشئة ترغب في تطوير علاقات ثنائية أعمق وأكثر شمولاً مع كل من القوى العظمى في ظرف دولي تعكس فيه العلاقة بين الولايات المتحدة والصين موقفاً عدائياً وليس تنافسياً. وفي حين أن هناك خلفيات أيديولوجية متعددة لمراكز القوى المختلفة التي قد تتقدم بطلب للحصول على العضوية في التحالف، فإن إمكانات التنمية الاقتصادية للكتلة وآلية التعاون المتعددة الأطراف والتوقعات لتعزيز نظام عالمي أكثر عدالة، فعالة أيضاً.
ضعف نفوذ الغرب
وفي مواجهة ضعف مواقف الدول الغربية في النظام الدولي الذي شكلته خلال التطور التاريخي، ترغب هذه الدول في تعزيز علاقاتها مع دول بريكس التي تمتلك موارد الطاقة والغذاء والتكنولوجيا والتي تحتاج إلى زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المساعدات والاستثمارات غير المشروطة من قبل أعضاء مجموعة بريكس من الدول العظمى كالصين وروسيا، فضلاً عن سياسات عدم التدخل في الشؤون الداخلية، تجعل من بريكس مركز جذب للدول النامية.
وقبيل القمة تبادل زعماء بريكس وجهات نظر متباينة بشأن التوسع الذي يمكن أن يؤدي إلى تحول نموذجي في الحوكمة العالمية. وحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القمة عبر رابط فيديو لأن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحقه بتهمة غزو أوكرانيا. وفي هذا السياق، كانت روسيا العضو الأكثر ترحيباً في كتلة بريكس بسبب عزلتها الدولية. وقد تبنت الهند موقفاً متباعداً بشأن التوسعة، ويرجع ذلك في الأساس إلى مخاوفها من أن يؤدي توسع الكتلة إلى زيادة نفوذ الصين. ومن ناحية أخرى، ظل الرئيس البرازيلي لولا محايداً بشأن فكرة التوسيع بسبب المخاوف من أن يؤدي إلى زيادة عدد الأصوات المختلفة داخل الكتلة وبالتالي زيادة احتمالات التوصل إلى إجماع مشترك.
وأعرب رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا الذي استضاف القمة، عن دعمه للتوسيع، قائلاً إن أهداف وغايات بريكس تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من إنجازات أعضائها، وأن هناك حاجة إلى أصواتٍ أكثر تنوعاً لتحقيقها.
وكان التوسع هدفاً للصين منذ فترة طويلة، وهي التي تأمل أن تؤدي العضوية الأوسع إلى جلب النفوذ إلى مجموعة تضم بالفعل ما يقرب من 40% من سكان العالم، وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وبالرغم من اختلاف القادة حول ما إذا كان ينبغي توسيع الكتلة، فإن عملية توسيع بريكس بدأت عام 2007 مع إنشاء "بريكس بلس"، ودعوة المسؤولين الحكوميين من خارج التحالف للمشاركة في المحادثات. ودعمت روسيا والصين توسيع عضوية وتعاون "بريكس بلس"، بما في ذلك توسيع أعضاء بريكس.
وفي قمة البريكس الخامسة عشرة، أعلن القادة بشكل مشترك في إعلان جوهانسبرغ الثاني أن الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ستصبح دولاً كاملة العضوية في بريكس اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2024. وتنبع الأهمية الجيوسياسية للأعضاء المحتملين الجدد من قطاعات الطاقة والمياه والغذاء.
ومع قبول الأعضاء الجدد، فإن الكتلة الدولية غير المنظمة حالياً بسبب هيكلها الفضفاض والتي تضم الدول غير الغربية الرائدة مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، سوف تزيد عضويتها إلى 11 دولة. ومع تحول تركيز مجموعة البريكس بسرعة نحو الاقتصادات الناشئة الأخرى، فإن الكتلة ستحتاج إلى تسمية جديدة وهيكل رسمي لتنظيم أهدافها وسياساتها وهيئاتها وأساليب صنع القرار فيها.
وفي حين أن المبادئ التوجيهية لعملية توسع بريكس ومعاييرها سيتم تشكيلها بمرور الوقت، فمن المهم النظر في المكاسب الاستراتيجية التي سيجلبها هذا التوسع للبلدان التي يتم قبولها كأعضاء.
وتقدمت إثيوبيا التي دعيت للانضمام إلى الكتلة، بطلب العضوية لتحقيق رغبتها في تحسين آفاقها الاقتصادية وزيادة ثقل بلادها على الساحة العالمية. وتعد إثيوبيا، التي حققت تقدماً مطرداً في عملية التحول الاقتصادي في أفريقيا، ثامن أكبر اقتصاد في القارة بموارد طبيعية مثل الذهب والبلاتين والنحاس والغاز الطبيعي والطاقة الكهرومائية.
وهي ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان وتستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، ما يجعلها عضواً محتملاً قوياً في بريكس. وتعد إثيوبيا شريكاً تجارياً هاماً لعضوَي الكتلة الصين والهند، وتتمتع بعلاقات تجارية واقتصادية قوية مع جنوب أفريقيا، التي تعد بوابة الكتلة إلى أفريقيا. ولذلك، فإن ضم إثيوبيا إلى الكتلة يعد مكسباً إيجابياً لجميع الأطراف.
وبما أن آلية الانفتاح والتعاون المربح للجانبين التي تتبناها مجموعة بريكس تعد ببناء نظامٍ عالمي أكثر عدالة، فإن قادة الأرجنتين الذين تقدموا بطلبات للحصول على عضوية بريكس، يعتقدون أن العضوية في الكتلة ستزيد من مكاسبهم الاقتصادية. وفي حين تظل هناك أسئلة بلا إجابة حول الكيفية التي قد تساهم بها الأرجنتين التي تمر بأزمة مالية عميقة، في تعزيز روح الكتلة، فإن عضوية الأرجنتين سوف تعمل على توسيع بصمة مجموعة بريكس في الجنوب العالمي. ومع ذلك، فإن ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية يجذب دائماً المستثمرين الأجانب بثرواته الطبيعية والبشرية. لذلك، يمكن القول في نظام دولي امتدت فيه المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى كل ركن من أركان العالم تقريباً، إن انضمام الأرجنتين العضو في مجموعة العشرين، إلى مجموعة بريكس يعد خطوةً نحو تحسين العلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية.
دول الخليج ودول بريكس
تعتبر مصر إلى جانب جنوب أفريقيا وإثيوبيا، بمثابة بوابة مجموعة بريكس إلى أفريقيا بسبب مواردها الطبيعية والبشرية، فضلاً عن استعدادها للعب دور متزايد في اقتصاد شمال أفريقيا والشرق الأوسط، باعتبارها الدولة الأكثر سكاناً حيث وصل التعداد البشري فيها إلى 105 مليون نسمة. وسعياً لتحسين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع أعضاء بريكس وكذلك زيادة المشروعات والاستثمارات المشتركة، شاركت مصر في قمتي بريكس عامي 2007 و2022، ما أبدى اهتمامها بعضوية الكتلة. إن شهية بريكس للانفتاح على القارة بسبب ثقل أفريقيا المتزايد في الجغرافيا السياسية العالمية، ورغبة مصر في تكامل السوق وتعزيز التعاون بسبب الركود الاقتصادي الذي شهدته عام 2022، فتحت الباب أمام انضمام مصر إلى عضوية تحالف بريكس. وبهدف تحقيق النمو الاقتصادي من خلال الاستثمارات الأجنبية، ترى مصر أن عضوية بريكس مكسب مهم من حيث الاستقرار المالي.
وتمتلك المملكة العربية السعودية، إحدى أكبر مصدري النفط الخام في العالم 15% من احتياطيات النفط العالمية. وبلغت احتياطيات السعودية من الذهب والعملات الأجنبية، وهي العضو المؤسس لمنظمة أوبك، 693 مليار دولار بحلول عام 2022، وفقاً لإحصاءات البنك المركزي. وباعتبارها واحدة من أبرز اللاعبين في سوق الطاقة والتمويل والاستثمار العالمي، فإن عضوية المملكة العربية السعودية في بريكس ستزيد من أمن الطاقة والتعاون بين الدول الأعضاء. وستستفيد المملكة العربية السعودية التي ستزيد بشكل كبير من ظهور الكتلة على مسرح الطاقة العالمي، من سوق بريكس الذي يتوسع مجال نفوذه من خلال عضويتها في الكتلة. وبهذه الطريقة، ستعمل المملكة العربية السعودية على تقليل اعتمادها على الكتل الغربية، وفي الوقت نفسه سيكون بإمكانها زيادة الديناميكية الاقتصادية والقوة الاستثمارية لدول التحالف.
كذلك فإن موقع إيران الجغرافي الاستراتيجي وسط الشرق الأوسط، سيزود مجموعة بريكس بمجال نفوذ رئيسي، كما أن عضويتها في مجموعة بريكس، حيث تهدف بكين وموسكو إلى زيادة التجارة وتقليل الاعتماد الاقتصادي على الغرب، ستخلق مكاسب كبيرة لكلا الجانبين. وتخضع إيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، لعقوبات اقتصادية صارمة وعزلة دولية بسبب برنامجها النووي. وفي هذا السياق، تهدف إيران إلى تقليل تأثير العقوبات من خلال منح اقتصادها المتعثر فرصةً جديدةً للحياة عبر عضويتها في بريكس. ونظراً لوجود علاقات استراتيجية مع دول بريكس المؤسسة مثل جنوب إفريقيا والبرازيل والهند، ترى إيران في العضوية بوابةً هامةً لأسواقٍ أوسع. ولذلك، فإن العضوية ستؤدي إلى تنويع الاقتصاد الإيراني وتعزيز اقتصادات بريكس.
وباعتبارها واحدة من اللاعبين الاقتصاديين الرئيسيين في الخليج في مجالات مثل النفط والغاز والتمويل والتجارة والسياحة والخدمات اللوجستية، فإن عضوية الإمارات العربية المتحدة في بريكس لديها القدرة على خلق خياراتٍ متنوعة في ظرف ترتفع فيه أصوات إلغاء الدولار. ومن خلال دعمها المالي القوي، ستعمل دولة الإمارات التي لديها القدرة على التأثير على الديناميكيات الجيوسياسية للعالم المالي، على زيادة القدرة الاقتصادية للكتلة وتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي. وبفضل الدعم المالي الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة، سيعمل التكتل على توسيع مجاله الاستثماري وزيادة قدرته على التأثير.
إن أهم فائدة لعضوية بريكس بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة ستكون تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية. وبالنسبة للإمارات التي تعتبر الدولتين المؤسستين الصين والهند، أسواقاً محتملة لتوسعها في جنوب آسيا، تبرز روسيا كبديل للولايات المتحدة، التي يُنظر إليها على أنها حليف تاريخي لها ولكنها تسعى إلى تقليل اعتمادها السياسي والاقتصادي.
وعلى وجه الخصوص، فإن مشاركة الدول المنتجة للنفط مثل إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مجموعة بريكس تعني أن الكتلة ستهيمن على 31% من إنتاج الطاقة العالمي، وهو تطور مهم من شأنه أن يحدث تغييرات في أرصدة استيراد وتصدير الطاقة العالمية. ونظراً لانضمام كبار موردي ومشتري الطاقة على مستوى العالم إلى مجموعة بريكس، فسوف تحول البلدان تركيزها إلى الكتلة الجنوبية العالمية.
إن إرسال دعوات العضوية إلى ما يسمى ببلدان العقدة سيزيد من الرؤية العالمية لمجموعة بريكس، لأن البلدان التي تقدمت بطلبات للحصول على العضوية أو أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى التحالف، هي بالفعل مراكز جذب مهمة في مناطقها. وبالتالي، فإن إدراج إثيوبيا والأرجنتين ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران في مجموعة بريكس، التي تسعى إلى زيادة نفوذها ونطاق نفوذها من خلال ضم البلدان ذات الاقتصادات الناشئة أو صانعي الألعاب الجيوسياسية في الكتلة، ليس مفاجئاً.
ونتيجة لهذا فإن توسع مجموعة بريكس يحمل وعداً للدبلوماسية الدولية والمشاركة البناءة، لأنه يفتح الفرص والأساليب المبتكرة لمعالجة القضايا ذات الأهمية العالمية، من عدم المساواة الاقتصادية إلى المخاوف البيئية، خارج الحدود الجغرافية لمجموعة بريكس. ومع التوسع، يمثل الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس الآن 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و47% من سكان العالم. ورغم أنه من السابق لأوانه أن نجزم ما إذا كانت مجموعة بريكس المتعددة الكيانات سوف تكون أقوى، فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن التوسع داخل الكتلة من شأنه أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في البنية السياسية والاقتصادية العالمية.
بقلم: GÖZDE SÖĞÜTLÜ