في ظل الاحتلال الإسرائيلي
- ديلي صباح, إسطنبول
- Jul 26, 2023
في الشهر الماضي، دخل الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عامه الـ57 ، ما يجعله أطول احتلال في التاريخ الحديث. وبعد أكثر من 56 عاماً قامت إسرائيل بضم قانوني بحسب ما أسمته، وفعلي لأجزاء كبيرة من الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال سياسات قاسية، تضمنت مصادرة الأراضي والمستوطنات غير القانونية ونزع الملكية. كما اقترنت هذه السياسات بتفشي التمييز، وتسببت في معاناة هائلة للفلسطينيين وتعطيل كل جانب من جوانب حياتهم اليومية وحرمانهم من حقوقهم الأساسية. وعلى مدى السنوات الـ 56 الماضية، أجبرت إسرائيل آلاف الفلسطينيين على ترك أراضيهم واحتلتها واستخدمتها بشكل غير قانوني لإنشاء مستوطنات تضم مستوطنين إسرائيليين يهود حصراً.
وأدت هذه المستوطنات إلى تهجير مجتمعات فلسطينية بأكملها، ودمرت منازلهم وسبل عيشهم وفرضت قيود على حركتهم، بل وعلى حصولهم على المياه والأراضي والموارد الطبيعية. كما هاجمهم الجيش الإسرائيلي والمستوطنون بعنف. وخلال السنوات الماضية، هدمت إسرائيل عشرات الآلاف من الممتلكات الفلسطينية وشردت مجموعات كبيرة من السكان لبناء منازل وبنية تحتية لتوطين سكانها بشكل غير قانوني في الأراضي المحتلة، وتحويل الموارد الطبيعية الفلسطينية مثل المياه والأراضي الزراعية لاستخدامها في المستوطنات .
وبالرغم من قرارات الأمم المتحدة المتعددة، واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي الفلسطينية ودعم أكثر من 700.000 مستوطن يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية والتي من المتوقع أن يزيد عددهم فيها بمقدار 500.000 آخرين في السنوات الخمس المقبلة، ما يزيد من استحالة حل الدولتين ويجعله بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
توسع مستمر وحثيث
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة وبدأ ولايته السادسة كرئيس لوزراء إسرائيل على رأس ما وصفه العديد من المراقبين بالحكومة الأكثر يميناً في تاريخ الكيان، بما في ذلك الأحزاب العنصرية العلنية مثل يهوديت "القوة اليهودية". وفي فترته السابقة كرئيس للوزراء، أظهر نتنياهو دعماً قوياً لحركة الاستيطان والتزم بضم أجزاء من الضفة الغربية.
ومع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي يهيمن عليها سياسيون دينيون وقوميون متطرفون تربطهم علاقات وثيقة بحركة الاستيطان، فإن الوضع في الأراضي الفلسطينية اليوم يمر بمنعطف خطير وحاسم. ففي الأشهر الستة الأولى منذ عودة نتنياهو لمنصبه، أعطت إدارته الضوء الأخضر لبناء 13.000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، ما يجعل عام 2023 بالفعل أعلى عام على الإطلاق من حيث الموافقات على المستوطنات، وفقاً لتحليل أجرته حركة السلام الآن، وهي مجموعة حقوقية إسرائيلية.
ومن ناحية أخرى، دأبت المجموعات المتطرفة من المستوطنين المسلحين على مهاجمة القرى الفلسطينية بشكل منهجي، وإرهاب مجتمعاتهم والتأثير على حياتهم. ووثقت الأمم المتحدة هذا العام 591 هجوما للمستوطنين الإسرائيليين حتى الآن، أسفرت عن سقوط ضحايا وأضرار في الممتلكات. وأصبح المتوسط الشهري للأشهر الستة الأولى من عام 2023 أعلى بنسبة 39% من المتوسط الشهري للحوادث المتعلقة بالمستوطنين عام 2022. وبالإضافة إلى ذلك، قتل المستوطنون 6 فلسطينيين وجرحوا 204 آخرين من بينهم 24 طفلاً، في الأشهر الستة الأولى من عام 2023.
تأجيج العنف
بينما تستمر قضية عنف المستوطنين، وكذلك التهديد شبه اليومي للعديد من الفلسطينيين خلال السنوات الماضية وإلى اليوم، حدث تصعيد كبير في الهجمات في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والمؤيدة للمستوطنين.
وأدى التوسع المستمر في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، والخطوات المكثفة لخلق حقائق لا رجعة فيها على الأرض، إلى تأجيج واحدة من أعنف المراحل بين الإسرائيليين والفلسطينيين خارج حرب شاملة منذ سنوات. وشمل تصاعد العنف خلال الأشهر الماضية في الضفة الغربية عمليات هياج شنتها القوات الإسرائيلية وعشرات من المستوطنين الإسرائيليين في البلدات والقرى الفلسطينية.
وفي يوليو/ تموز، نفذت القوات الإسرائيلية أكبر عملية عسكرية في الضفة الغربية المحتلة منذ عام 2002 في إطار هجوم جوي وبري واسع النطاق استمر يومين في مخيم جنين ومحيطه. وكان الهدف من العملية كما ورد، مواجهة وجود المقاومة الفلسطينية في جنين. وقتلت القوات الإسرائيلية خلال المداهمة 12 فلسطينياً بينهم 4 أطفال وأصابت أكثر من 100 مدني، واعتقلت أكثر من 120. وألحقت الغارة أضراراً جسيمةً بالطرقات والمنازل والسيارات والبنية التحتية العامة.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، شن المستوطنون الإسرائيليون سلسلة من الهجمات العنيفة على مجتمعات وبلدات فلسطينية مختلفة في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة، حيث أضرموا النيران في المنازل والسيارات والمزارع والشركات وأطلقوا الرصاص الحي وقتلوا وجرحوا العديد من الفلسطينيين. وقُتل هذا العام ما لا يقل عن 130 فلسطينياً و 24 شخصاً من الجانب الإسرائيلي حتى الآن، وفقاً لإحصاءٍ صادر عن وكالة أسوشيتيد برس.
وتقول جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية إن حملات المضايقة والترهيب ضد العائلات الفلسطينية تغذيها أهداف طرد الفلسطينيين من منازلهم، والمطالبة بمزيد من الأراضي لصالح المستوطنات الإسرائيلية وتعزيز السيطرة الإسرائيلية الدائمة وغير الديمقراطية على الأراضي الفلسطينية.
من جانبه، قال ليئور عميهاي المدير التنفيذي لمنظمة "السلام الآن"، إن المستوطنين يتلقون دعماً غير مسبوق من أعضاء حكومة نتنياهو ولا يواجهون سوى قدر ضئيل أو معدوم من المساءلة عن أفعالهم.
وبصرف النظر عن جيش الدفاع الإسرائيلي، وصفت وكالة الأمن الإسرائيلية "الشاباك" وقادة الشرطة الإسرائيلية، هجمات المستوطنين بأنها "إرهاب قومي بكل معنى الكلمة". وتتضمن خطط الحكومة الإسرائيلية الجديدة الآن إصلاح القضاء، والذي من شأنه أن يمنح السياسيين سيطرة كاملة على التعيينات في المحكمة العليا، ويسمح للبرلمان بتجاوز القرارات القضائية.
عملية مجمدة
في غضون ذلك، من المقرر تجميد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بالكامل. وفي الواقع، لا يوجد ولو حزب واحد في الائتلاف الحالي يدعم حل الدولتين، بل إن معظمهم ينكر قيام الدولة الفلسطينية من الأساس، ويدعم تعميق الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية.
وخلال خطاب ألقاه وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في آذار/ مارس الماضي في باريس، قال فيه "لا يوجد فلسطينيون لأنه لا يوجد شعب فلسطيني"، وهو ما يبدو أنه صورة تظهر خريطة إسرائيل التي تضمنت الضفة الغربية المحتلة وغزة والأردن.
هذا وقد أدى العنف الإسرائيلي المتصاعد والتعرض لحقوق الإنسان والانتهاكات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وغياب الأفق السياسي، إلى تمكين المتطرفين وتقويض الأمل، وأظهر التحديات الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون الآن مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.
وختاماً فإن الاحتلال الإسرائيلي الراسخ الذي لا يمكن تمييزه عن ممارسات الفصل العنصري، والقائم على التمييز المؤسسي لمجموعة عرقية قومية إثنية على أخرى، والتقاعس الدولي في مواجهة خيار إسرائيل لتعميق احتلالها بمستويات جديدة من العنف، لن يؤدي إلا إلى تشجيع المزيد من الأفعال والانتهاكات نفسها.
بقلم: NAJLA M. SHAHWAN