كيف قرأ الغرب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016؟

لا تزال جراح عائلة ضابط الشرطة خليل حمورين، الذي استشهد في أنقرة بقسم العمليات الخاصة في غولباشي التي قصفتها الطائرات أثناء محاولة الانقلاب التي نفذتها منظمة فتح الله الإرهابية في 15 يوليو 2016 ، كما هي مثل اليوم الأول (الأناضول)

أحدثت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 موجات صادمة في جميع أنحاء العالم، وانتشر صداها خارج حدود تركيا بل في معظم دول المعمورة. وباعتبارها حدثاً جيوسياسياً هاماً، فقد جذبت المحاولة الفاشلة الانتباه وأثارت تفسيرات متباينة، لا سيما في الدول الغربية. ويهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أهم وجهات النظر وردود الفعل الغربية على الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، واستكشاف مجموعة العوامل التي أثرت في تلك القراءات.

تغطية وسائل الإعلام الغربية:

كان رد الفعل الأولي لوسائل الإعلام الغربية على محاولة الانقلاب هو القلق وعدم اليقين، حيث ركزت على الأحداث الجارية ونشرت مقاطع مصورة من قلب الحدث، مع التأكيد على تأثير ما يجري على استقرار تركيا وعلى الآثار الإقليمية في حال نجاح الانقلاب. كما أشارت بعض المصادر الإعلامية إلى أهمية دعم الانتقال الديمقراطي للسلطة، مع تجنب التسرع في إصدار الأحكام.

ألمانيا ووسائل الإعلام الألمانية

بصفتها لاعباً رئيسياً في الاتحاد الأوروبي وشريكاً تجارياً هاماً لتركيا، تابعت الحكومة الألمانية ووسائل الإعلام الألمانية عن كثب محاولة الانقلاب وحللت الأحداث المحيطة بها من وجهة نظر منحازةٍ تحمل الكثير من الازدواجية في المعايير.

ونقلت وسائل الإعلام الألمانية في البداية أحداث محاولة الانقلاب في تركيا بشعور من القلق مؤكدةً على أهمية الاستقرار في تركيا، بالنظر إلى مكانتها كعضو في الناتو ودورها في إدارة أزمة اللاجئين. لكن التركيز الأكبر كان منصباً على توفير معلومات مشكوك بدقتها للجمهور الألماني، وتقييم التأثير المحتمل على العلاقات الثنائية والاستقرار الإقليمي.

وعكست التغطية الإعلامية الألمانية لمحاولة الانقلاب التحفظات القائمة والانتقادات الموجهة لأسلوب قيادة الرئيس أردوغان، إذ

سلطت بعض وسائل الإعلام الضوء على مخاوف حول تآكل مبادئ الديمقراطية وتحويل السلطة بشكل مركزي لأردوغان الذي سيقوم من وجهة نظرهم بتعزيز سلطته وخنق المعارضة.

كما أعربت وسائل الإعلام عن قلقها إزاء الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان وسيادة القانون خلال فترة ما بعد الانقلاب، دون ذكر دماء الشهداء الأبرياء التي أراقتها عناصر الإنقلاب في الشوارع ظلماً وعدواناً ولا مؤسسات الدولة التي قصفها الانقلابيون بالطائرات ولا أي من مظاهر الاعتداء على الديمقراطية أو الشرعية أو حتى حقوق الإنسان.

وأدت الطريقة التي تناول بها الإعلام الألماني ومن ورائه الحكومة الألمانية الانقلاب الفاشل، إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وألمانيا، والتي كانت بالفعل معقدة بسبب قضايا مثل الهجرة وتخلي الألمان والغرب عموماً عن التزاماتهم المتفق عليها، والكيل بمعايير مزدوجة فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان.

ويمكن القول إن وسائل الإعلام الألمانية لم تساهم في فهم دقيق للأحداث، ولم تسلط الضوء على أنشطة الجماعات الإرهابية لا سيما جماعة "غولن" الدموية التي قادت المحاولة الفاشلة، كما أغفلت الحديث عن صمود وتصدي ووحدة الشعب التركي بكافة أطيافه للدفاع عن قراراته المصيرية وترجيحه القطعي للديمقراطية، بل زادت تعقيد الوضع وتأثيره على العلاقات الثنائية واتخذت من الانقلاب فرصةً لصب حقدها على إنجازات أردوغان وقيادته نحو استقلالية قرار تركيا وعدم تبعيتها للغرب.

فرنسا ووسائل الإعلام الفرنسية

ذكرت وسائل الإعلام الفرنسية في البداية أحداث محاولة الانقلاب في تركيا بشعور من القلق والتحفظ، وأكدت على أهمية الحفاظ على الديمقراطية والاستقرار وسيادة القانون داخل البلاد.

كما سلطت التقارير الصحفية الضوء على التأثير المحتمل لمحاولة الانقلاب على المنطقة، وكذلك على المصالح الفرنسية والعلاقات مع تركيا.

لكن التغطية الإعلامية الفرنسية شأنها شأن معظم وسائل الإعلام الغربية حولت مشاهد الانقلاب الفاشلة لتصورات وانتقادات قائمة على اللامنطقية في ازدواج المعايير والكيل بمكيالين نتيجة سخط الغرب على نهج الرئيس أردوغان في تعزيز قوة تركيا السياسية وجعلها تخط مساراً مستقلاً بما يخدم مصالحها الوطنية، بعيداً عن اتّباع الغرب والانحياز لخدمة مصالحه، حيث كررت بعض وسائل الإعلام الفرنسية إثارة المخاوف بشأن تآكل مبادئ الديمقراطية وتزايد النزعات الاستبدادية. كما سلطت الضوء على المخاطر المحتملة لمرحلة ما بعد الانقلاب، بما في ذلك القيود على الحريات المدنية وحرية الصحافة. كما ركزت على الاهتمام بحالات الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، ولا سيما استهداف الأفراد والجماعات التي يُنظر إليهم على أنهم من المعارضين للحكومة.

أما عن التداعيات الجيوسياسية، فقد كان لمحاولة الانقلاب الفاشلة انعكاساً على وسائل الإعلام الفرنسية التي أبرزت دور تركيا العضوة في الناتو، وأهميتها في إدارة تدفقات الهجرة، وموقعها الاستراتيجي في المنطقة، إضافةً للتأثير المحتمل لمحاولة الانقلاب على الاستقرار الإقليمي وتوازن القوى في الشرق الأوسط.

وأدت محاولة الانقلاب الفاشلة إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وتركيا بسبب إثارة فرنسا قضايا مثل حرية التعبير والاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن وعرقلة سير عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

والواقع أن التغطية الإعلامية الفرنسية لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 اتسمت باهتمامها بالديمقراطية التي يراها الغرب مناسبة لمصالحه وحقوق الإنسان المزيفة التي تتغافل سفك دماء الأبرياء من أبناء الشعب التركي ومحاولة اغتصاب قرارهم السياسي. فيما ركزت فقط على تقييم قيادة الرئيس أردوغان الذي يعاند الانطواء تحت لواء خدمة المصالح الغربية، ومزاعم انتهاكات حقوق الإنسان. ولم تساهم وسائل الإعلام الفرنسية في فهم الديناميكيات المعقدة المحيطة بالانقلاب الفاشل ولا أهداف الجماعات الإرهابية التي قادته، ما يؤكد على ضرورة مخاطبة الأطراف الغربية لإفهامهم قيم الديمقراطية وسيادة القانون بشكل موضوعي عادل.

الولايات المتحدة الأمريكية ووسائل إعلامها

باعتبارها قوة عالمية كبرى وحليفةً لتركيا، تابعت الولايات المتحدة الأمريكية عن كثب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا وحللّت الأحداث المحيطة بها، لكن بكثير من الانتظار وعدم التسرع باتخاذ أي قرارٍ أو إطلاق أي حكم، أملاً في أن تتكشف النتائج على ما يخدم مصالح واشنطن.

وسلطت وسائل الإعلام الأمريكية الضوء على التأثير المحتمل على الاستقرار في منطقة حرجة وحساسة من العالم، ودور تركيا في جهود مكافحة الإرهاب وعضويتها في الناتو، مع تقييم التداعيات المحتملة على العلاقات الأمريكية التركية.

وكما هي العادة مع وسائل الإعلام الغربية، فقد أعربت بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن مخاوفها حول سجل أردوغان الديمقراطي وتزايد النزعات الاستبدادية وقمع المعارضة، حسب زعمهم، مؤكدةً على حاجة تركيا لدعم القيم الديمقراطية وسيادة القانون في أعقاب محاولة الانقلاب.

وسلطت بعض التقارير الضوء على دور تركيا في مكافحة الإرهاب، وموقعها الاستراتيجي كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط، وأهميتها في إدارة أزمة اللاجئين. بينما ركزت أخرى على التأثير المحتمل لعدم الاستقرار السياسي على العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا والآثار الإقليمية المترتبة على الفوضى السياسية داخل تركيا، وجهود مكافحة الإرهاب.

لكن الجانب الأبرز في التغطية الإعلامية الأمريكية للمحاولة الفاشلة كان الاهتمام بمزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة إلى احترام مبادئ الديمقراطية التي ترضي العم سام وأعوانه وتحقق مصالحهم كاملةً دون أن يرف لهم جفن حول الأرواح البريئة التي سقطت أو اغتصاب الإرهابيين المدعومين بالدبابات والطائرات المقاتلة، لقرارات الشعب التركي.

وكذلك، أدت محاولة الانقلاب الفاشلة إلى توتر في العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب الدعم الأمريكي للتنظيمات الإرهابية ورفض الحكومة الأمريكية تسليم زعيم جماعة غولن المتواجد على أراضيها والخلافات حول الملف السوري.

وبشكل عام فقد اتسمت التغطية الإعلامية الأمريكية لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 بمزيج من المخاوف من عدم الاستقرار والمصالح الأمريكية في المنطقة ومزاعم تتعلق بقيادة الرئيس أردوغان، والتركيز على جانب ضيق منحاز من حقوق الإنسان وسيادة القانون إضافةً لتقييم الآثار الإقليمية المتوقعة في حال نجاح المحاولة. وأكدت التغطية على أهمية الحفاظ على الشراكات الاستراتيجية بما يتوافق مع الطبيعة متعددة الأوجه للعلاقات الأمريكية التركية.

ختاماً، من الواضح أن الغرب قرأ محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا بطريقة منحازة تتوافق مع رغباته ومصالحه وركز بشكل غير منطقي ولا عادل على مخاوفه بتعزيز سلطة أردوغان ومنحه الفرصة لمزيد من قمع المعارضة وتوطيد سلطته، كما اعتبر تآكل مبادئ الديمقراطية سبباً مباشراً لمحاولة الانقلاب وقام بالترويج لهذه الفكرة، لكن صناديق الاقتراع نسفت جميع تلك الادعاءات الواهية وأعلنت عن فوز الرئيس أردوغان المتوالي، بثقة شعبه بنسب مُشرّفة بعد أن وضع الغرب كل ثقله لدعم المعارضة السياسية داخل البلاد من جهة ثم دعمه لمدبري الانقلاب الفاشل زإيوائهم وتمويلهم بالأموال اللازمة من جهة أخرى.

ومن المهم أن ندرك أن وجهات النظر الغربية تختلف اعتماداً على العدسة المحددة التي تم من خلالها تداول الأحداث في حقبة زمنية ما، بما في ذلك الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والديمقراطية. ومن خلال دراسة وجهات النظر المختلفة هذه، نكتسب رؤىً حول الطبيعة المعقدة لردود الفعل العالمية على الأحداث الجيوسياسية الهامة.

Bu web sitesinde çerezler kullanılmaktadır.

İnternet sitemizin düzgün çalışması, kişiselleştirilmiş reklam deneyimi, internet sitemizi optimize edebilmemiz, ziyaret tercihlerinizi hatırlayabilmemiz için veri politikasındaki amaçlarla sınırlı ve mevzuata uygun şekilde çerez konumlandırmaktayız.

"Tamam" ı tıklayarak, çerezlerin yerleştirilmesine izin vermektesiniz.