حان الوقت لاعتراف الغرب بمخاوف تركيا الأمنية
- محمود علوش , إسطنبول
- Jun 27, 2023
هناك نغمة واحدة تسير عليها معظم تصريحات المسؤولين الغربيين بهذا الخصوص وهي أن الوقت حان كي تُصبح السويد عضواً في الحلف. قبل كل شيء، هناك حقيقة مهمة ينبغي التأكيد عليها وهي أن الزمن الذي كان فيه الغربيون يُملون على تركيا سياساتها الخارجية قد ولى. وهذه الحقيقة تستند إلى الممارسة الحازمة التي تُظهرها أنقرة في سياساتها الخارجية في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. على سبيل المثال، أصرت أنقرة على المضي في شراء منظومة إس-400 الصاروخية من روسيا رغم التهديد الأمريكي بالعقوبات. كما لم تتراجع عن اقتناء هذه المنظومة رغم فرض عقوبات عليها. بقيادة أردوغان، تُدير تركيا سياستها الخارجية من منظور مصالحها الوطنية بالدرجة الأولى وليس من منظور ما يُريده الغرب. لا شك أن هذه الحقيقة مُزعجة للغرب، لكن عليه أخذها بعين الاعتبار في التعامل مع تركيا لأن أساليب الضغط لم تعد مُجدية.
في ملف السويد، لا تزال أنقرة تُدير الموقف بشكل يوازن بين مصالحها الوطنية ومصالح الحلف. فهي لم تمنح بعد الموافقة على دخول السويد إلى الناتو، لكنّها ظلت منفتحة على الحوار من أجل التوصل إلى حلول للخلافات بين البلدين. ما يعني أنقرة هو الحصول على العنب وليس قتل الناطور. عندما وجد أردوغان أن فنلندا أوفت بالفعل بالالتزامات التي قدّمتها لتركيا في المذكرة الثلاثية المبرمة في يونيو/حزيران الماضي، قرر أنّها أصبحت تسحق أن تكون حليفاً في الناتو، والأمر نفسه سيبقى ينطبق على السويد. لذلك، لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الموقف التركي سيتغير من دون أن تلمس أنقرة خطوات سويدية واضحة تُلبي مطالبها المشروعة بخصوص مكافحة الإرهاب. بالطريقة التي يقول فيها الغرب إن الوقت حان لعضوية السويد في الناتو، فإنه ينبغي عليه أيضاً الإقرار بأن الوقت قد حان للاعتراف بمخاوف تركيا و مشروعية مطالبها من الغربيين. وهذا الإقرار لا يكون بالأقوال فقط بل بترجمتها إلى أفعال. لكن، ولكي نكون واقعيين بعض الشيء، فإن أزمة عضوية السويد في الناتو ليست أزمة سويدية تركية خالصة، بل هي جزء من أزمة أكبر بين أنقرة والغرب في قضايا مكافحة الإرهاب. في الواقع، لعب الغرب نفسه وعلى رأسه الولايات المتحدة دوراً أساسياً في الوصول إلى أزمة توسيع الناتو عندما اعتقد أن دعم تنظيمات تُصنفها تركيا إرهابية ورعاية أنصارها على أراضيه لن يأتي بدون ثمن.
مع أن تركيا سعت من خلال المذكرة الثلاثية إلى إجبار فنلندا والسويد على تبني موقف معاد ولا لبس فيه إزاء التنظيمات الإرهابية التي تُهدد أمنها، إلآّ أنها أرادت أيضاً تسليط الضوء على العواقب الكبيرة لسياسات بعض الدول الغربية معها خصوصاً في مسألة الإرهاب. لا تزال أنقرة تدعم بشكل واضح سياسة الباب المفتوح في الناتو ويعترف الغربيون بالدور الفعال الذي تقوم به في الحلف. إذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية قد فرضت على الناتو ضم دول جديدة له من أجل تعزيز أمن دول الحلف، فإن الأولوية يجب أن تُمنح أيضاً لتعزيز تماسك دول الحلف والعمل على إزالة المخاطر التي تتعرض لها دول في الحلف كتركيا قبل التفكير في كيفية مساعدة دول أخرى خارج الحلف. وهذا الأمر لا يُمكن أن يتحقق دون اعتراف بعض الغربيين بخطأ السياسات التي انتهجوها مع تركيا لسنوات طويلة. كانت تركيا من أكثر دول الحلف التي تعرضت للإرهاب، كما أنّها تلعب دوراً رئيسياً في حماية الجبهة الجنوبية الشرقية للناتو. مع ذلك، فإن بعض التنظيمات الإرهابية التي تُهدد أمن دولة عضو في الناتو لا تزال تحظى بدعم واضح من دول في الناتو بذريعة مكافحة الإرهاب. إن محاربة إرهاب بإرهاب آخر لا يستوي مع منطق العلاقات بين الشركاء فحسب، بل أفسد روح الشراكة بين دول الناتو.
تُحاول الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن إقناع تركيا بتسهيل عضوية السويد في الناتو من خلال رهن بيعها مقاتلات إف-16 بإتمام العضوية. مع أن مثل هذا الاشتراط ينطوي على نوع من الابتزاز، إلآّ أن تسهيل واشنطن لصفقة المقاتلات من شأنها أن تُخرج العلاقات التركية الأمريكية من الحلقة المفرغة. لكنّها لن تعني بأي حال أن هذه العلاقات ستتعافى. لا تزال أنقرة تأمل من واشنطن أن تتخلى عن الاستراتيجية القصير النظر في علاقتها مع تنظيم "واي بي جي" الإرهابي، وإدراك أن قيمة الشراكة مع دول مهمة في الحلف كتركيا، لا تُعوضها علاقة مع منظمة إرهابية. لو بذلت الدول الغربية في السابق جهوداً كافية للتفكير بكيفية إصلاح العلاقات مع تركيا بالطريقة التي فعلتها لتبرير علاقاتها مع تنظيم واي بي جي ومنح حرية لأنصار المنظمات الإرهابية للتحرك على أراضيها ونشر الدعاية السوداء ضد تركيا، لما كنا قد وصلنا أصلاً إلى أزمة في توسيع الناتو.
إذا لم تتفوق الواقعية على الاستراتيجيات القصيرة النظر في التعامل مع تركيا في العواصم الغربية، فسيكون من الصعب إيجاد مخرج لإعادة إحياء الشراكة التركية الغربية بالطريقة التي ينبغي أن تكون. وإذا كانت الدول الغربية راغبة بأن تكون قمة الناتو المقبلة مناسبة للاحتفال بانضمام عضو جديد إلى الحلف، فالكرة تقع في ملعبها لتحقيق هذا الهدف. أما الرهان على الضغوط وعامل الوقت لإجبار تركيا على التنازل عن مصالحها الوطنية من أجل مصالح الغرب، فمن الواضح أنه لن يؤدي إلى أي نتيجة سوى مزيد من إفساد العلاقات التركية الغربية.