الاحتفال بيوم العرش في المملكة المغربية
- محمدعلي الأزرق, إسطنبول
- Jul 31, 2020
عيد العرش هو العيد الوطني للمملكة المغربية، يحُتفل به في الثلاثين من يوليو من كل سنة.
والاحتفال بعيد العرش مناسبة لتجديد البيعة الشرعية التي تجسد على امتداد تاريخ المملكة المغربية الروابط المتينة التي تجمع الشعب المغربي بعاهل البلاد، بصفته أمير المؤمنين ورمز الأمة وموحدها، كما يشكل وقفة تأمل ومحطة لتقييم المشاريع والبرامج التي أنجزت خلال السنة وكذا رسم الآفاق المستقبلية للعام الموالي.
وهذه السنة يخلد الشعب المغربي الذكرى الحادية والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، في أجواء غير عادية سببها جائحة كورونا. وبفضل الرؤية الاستباقية لصاحب الجلالة، التي تضع صحة وسلامة المواطن المغربي فوق كل الاعتبارات، تمكن المغرب من احتواء الوضع الوبائي ومواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة غير المسبوقة عبر اتخاذ عدة إجراءات وقائية واحترازية أهمها:
إغلاق الحدود مع باقي دول العالم فور بروز الحالات الأولى من الوباء؛
إحداث صندوق تضامني للحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة وكذلك لتمويل التدابير وتجهيز مستشفيات جديدة؛
تحويل عدد من الوحدات الصناعية إلى مصانع لإنتاج الأقنعة والملابس الواقية وكذا آلات التنفس الصناعي تستجيب للمعايير الدولية، وقد مكن الإنتاج الوطني من تحقيق الاكتفاء الذاتي للمغرب، بل مكن من تغطية بعض الطلبات في الخارج؛
وفي إطار العلاقات التاريخية للمغرب مع أشقائه الأفارقة، بادر جلالة الملك إلى إرسال مساعدات من معدات وتجهيزات طبية، لأكثر من خمسة عشر بلدا إفريقيا.
ومع حلول ذكرى عيد العرش يستحضر الشعب المغربي التحولات الإيجابية والإنجازات العظيمة التي حققها المغرب خلال عقدين من الزمن تحت قيادة جلالة الملك الذي يسعى جاهدا إلى بناء مجتمع حداثي وديمقراطي وكذا الارتقاء بالمملكة المغربية إلى مصاف الدول المتقدمة.
وفي هذا الإطار ومنذ اعتلائه العرش أعطى جلالة الملك محمد السادس الانطلاقة لعدة مشاريع تنموية فحول المغرب إلى ورش كبيرة من البناء والإصلاح في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
على صعيد الإصلاحات السياسية تم إرساء ركائز دولة القانون، عبر تعزيز المؤسسات الديمقراطية. كما يعتبر الدستور الجديد الذي تم اعتماده سنة 2011 طفرة نوعية في بناء مغربٍ حديث، من أهم مرتكزاته ترسيخ الديمقراطية والحريات، وإرساء مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتكريس استقلالية السلطة القضائية، وكذا توسيع صلاحيات كل من البرلمان بغرفتيه ورئيس الحكومة.
من جهة أخرى، عرف المغرب خلال هذه الفترة إطلاق مشاريع ضخمة من قبيل ميناء طنجة المتوسط، الذي يشكل قطبا لوجستيا وصناعيا مهما على مستوى البحر المتوسط ومحطة نور للطاقة الشمسية التي تعتبر الأكبر من نوعها على مستوى العالم، وخط القطار فائق السرعة الأول والوحيد على المستوى الإفريقي والعربي.
علاوة على ذلك، تم بناء المطارات وتطويرها وتوسيع شبكة الموانئ وتحديثها لترقى إلى المعايير الدولية، ما مكن من إحداث قفزة نوعية على مستوى البنيات التحتية للمملكة كان لها أثر جد إيجابي على اقتصاد المغرب، وساهمت في جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد أدت بدورها إلى ضخ رؤوس أموال مهمة وتقليص البطالة وتطوير كفاءات اليد العاملة.
كما تم إطلاق استراتيجيات قطاعية من شأنها تعزيز النشاط الاقتصادي كمخطط المغرب الأخضر لتعزيز الزراعة في المغرب كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي الوطني.
استراتيجية قطاع الطاقات المتجددة لعام 2030 التي ترمي إلى تأمين 52 % من احتياجات المغرب من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030.
رؤية 2020 للقطاع السياحي التي تهدف إلى مضاعفة مساهمة القطاع في الناتج الوطني وزيادة طاقة الاستيعاب بخلق 200000 ليلة مبيت في الوحدات الفندقية وذلك لاستقبال 20 مليون سائح من كافة أنحاء العالم.
بالنسبة إلى مخطط المغرب الرقمي 2020 تم إعداده بهدف تقليص الفجوة الرقمية بنسبة 50 %، ورقمنة لا يقل عن 50 % من الإجراءات الإدارية، وتجهيز 20 % من المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
وقد التزم المغرب في توجهه هذا باتباع دينامية نمو تعززت منذ انطلاق مخطط "إقلاع" وتوقيع الميثاق الوطني للإقلاع الصناعي في 2009. ومن نتائج هذا المخطط زيادة صادرات القطاع بنسبة 22 %، وتطور ملحوظ في البنيات التحتية ورفع حجم الاستثمارات المباشرة الخارجية بنسبة 23 % سنويا وكذا استقطاب شركات عالمية رائدة في صناعة السيارات مثل (Renault Nissan, Peugeot PSA) وصناعة الطائرات مثل (Bombardier).
كما انخرط المغرب خلال السنوات الأخيرة في تحرير اقتصاده وتطوير مناخ الأعمال وذلك عبر إحداث مجموعة من الإصلاحات همت بالخصوص تعزيز وتقوية منظومة قانون الأعمال وتحديث الأسواق المالية وتبسيط المساطر الإدارية وإصلاح النظام البنكي وتوفير الحماية القانونية للمستثمرين وتقديم تحفيزات مغرية لهم، أهمها الإعفاءات الضريبية. وكُللت هذه المجهودات بالنجاح فانتقل المغرب في ظرف عشر سنوات من المرتبة الـ 128 إلى المرتبة الـ 53 عالميا في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال (Doing Business).
ولا يفوتني بهذه المناسبة، بصفتي سفيراً لجلالة ملك المغرب لدى الجمهورية التركية أن أشيد بمستوى علاقات الصداقة والتعاون المتينة، المبنية على الاحترام المتبادل وكذا بالروابط التاريخية بين البلدين والممتدة جذورها إلى خمسة قرون.
ويعتبر الجانب الاقتصادي من أهم ركائز هذه العلاقة الثنائية، حيث تجمع البلدين اتفاقية تبادل حر تم توقيعها سنة 2004 ودخلت حيز التنفيذ سنة 2006. ساهمت هذه الاتفاقية في مضاعفة حجم المبادلات التجارية بخمس مرات منذ 2006 في مجالات عدة، لتبلغ 3.3 مليارات دولار سنة 2019، مع عجز تجاري لصالح تركيا. وفي هذا الصدد، يعمل الجانبان حاليا لإعادة التوازن في ميزان المبادلات التجارية.
من جهة أخرى، بلغت الاستثمارات التركية في المغرب سنة 2018، 29 مليون دولار حيث عرفت تراجعا منذ سنة 2016 التي سجلت استثمارات بحجم 65 مليون دولار. وتعمل الشركات التركية في المغرب البالغ عددها 150 في صناعات النسيج والأثاث والصناعات الغذائية والعقار والبناء والبنى التحتية خاصة الطرق السريعة والسكك الحديدية.
إن هذه العلاقات، رغم متانتها، لا ترقى لتطلعات الشعبين الشقيقين ولا للمؤهلات الحقيقية التي يزخر بها البلدان. وفي هذا الصدد، أجدد استعدادي للعمل سوياً مع المسؤولين الأتراك، للسمو بها إلى آفاق أرحب.
الكاتب:
محمد علي الأزرق سفير المغرب لدى الجمهورية التركية