إسراء غريب...وأد جديد؟
- جري سالم الجري, إسطنبول
- Sep 02, 2019
كارثة أسرية جديدة ترج العالم العربي، تنتشر في كل مواقع "التَفاضح" الاجتماعي، شابة من بلدة بيت ساحور تحديداً. حيث حدثت الجريمة بسرير المشفى في غرفة الضحية. هذه القصة التي تمت إشاعتها بين العامة بدون دليل قاطع جنائي او حكم بات يقضي بالمتهمين. فهل ثمة ملابسات و مبالغات و مغالطات؟
فالقصة المنشورة التي تمضمضها مشاهير الإعلاميين بالتلفاز و مواقع التواصل الاجتماعي، هي ان الأب ضربها حتى كسر عامودها الفقري، ثم نقلوها للمشفى، فجاء أخوها محمد الغريب المغترب من كندا فأكمل عليها باقي ما تبقى من صحتها وهي ملقاةً على سرير المشفى.
هذه القصة غير صحيحة وبالإثباتات التالية.
الشاب مغترب لليونان، و جلس مع اخته في البيت لفترة بعد خروجها من المشفى أساسا. كذلك تم التسجيل الصوتي لها وهي تصيح في المشفى وهي تنادي الشرطة وتسأل " لماذا تضربوني!؟" تم تسجيله قبل تصريح خروجها بيومين وبالفعل خرجت. فلو كان الضرب مميتاً لكانت ماتت بسويّعات أو ساءت حالتها لدرجة منعها من الخروج. علماً ان الضرب المبرح للفتاة حرام ولكننا كعرب، نصرنا عروبتنا على إسلامنا، و الرجولة أساساً هي الرفق بالمرأة وليس تعنيفها.
تم تصوير بيت و غرفة المرحومة بتقرير كامل و مطول من قناة الوطن الفلسطينية. حيث صورت باب حجرتها المكسور بأول حالة الاحتدام الأسري، حيث اشتد الإشكال العنيف الأسري. وبالفعل البنت ظُلمت و قُهرت نفسياً وجسدياً. وكان الضرب بإيعاز الشيخ عبد الكريم حسان، حيث روج عليهم الخرافة الغير إسلامية وهي ان إسراء قد دخلها جن عاشق لها، فلذلك يستباح جسدها للضرب من قبل ذويها. وبالتالي، بالفعل تحقق الضرب المتخلف الأسري باعتراف الأخ و زوج أختهم الكبرى. وما كان الضرب إلا متنفس مريض مكبوتة كعادة الكثير من الخرافات ذات المتدثرة بالدين، والدين منها براء.
و لكن سبب الكسر هو لقفزها من الشرفة من الدور الأول وهي كانت تحاول النزول لسبيل الفرار وليس الانتحار، حيث مسكت بحافة الشرفة، ولكنها سقطت ثم نهضت، ثم عادت لسرير حجرتها ثم مكثت، فقرأ عليها الشيخ، إلى تدهورت حالتها الصحية بشكل أوضح فنقلوها للمشفى.
مصدر هذه الأحداث يعاد للناطق المسؤول للعائلة وهو زوج أختها ( محمد صافي)، الذي أشيع انه مشارك بالقتل وهذا غير مثبت نهائياً بالنيابة العامة. فبعدما نقلت للمشفى نفى شيخاً آخراً خرافة ان الفتاة معشوقة من كائن الجن، ونصحهم بقراءة القرآن عليها فحسب لتهدأة روعها. وانكر خرافة عشق الجن للإنسيات؛ فكيف لغير البشر يعشق بشرية؟ هل تزوجت قطة دولفين مثلاً؟
عموما؛ لا يصح القول بأنها "ماتت و مات سرها" فلقد تم تشريحها و نقل العينات للأردن، لأجل البت بالقضية و ستظهر النتيجة في مطلع الاسبوع القادم.
ولكن القصة استغلت لأجل محاربة ظاهرة "جريمة الشرف" ،فلذلك بالغ الكثيرون من مناصري المرأة في "تبهير" القضية وخلط الأوراق و الفجور بسيرة العائلة ككل. و بالفعل يجب محاربة هذه ظاهرة جرائم الشرف ولكن بالعدل والرزانة والشرع.
وأنا من رأيي الشخصي أن مصطلح "جرائم الشرف" او "القتل لغسل الشرف" هو وأد للمسلمات التائبات و عنادٌ للإسلام، وهو الجاهلية بعينها، والنفاق المجتمعي المكشوف، فكم مرة نكرر العبارة العامية "الرجال شايل عيبو" بمعنى ان للرجل التصفيق وللمرأة الصفق.
بيد ان إسراء حاشها، لم تكن سيئة السمعة، و كذلك الضرب كان حسب ما هو مشاع، بسبب خروجها مع خطيبها المصحوب بأخته وفي مقهى في مكانٍ عام و بدون أي خلوة، وبعلم والدتها، أيعقل ان تضرب للقتل وهي أساسا مشهورة بالتواصل بصفة "ميك-اب أرتست"؟ فهي ليست من عائلة بذلك القدر من التشدد أساساً. فلا نفجر بالخصومة، ونكون اكثر وحشية بحجة النبل ونصرة الضعفاء، ففي هكذا بلايا ومصائب يجب التريث، وتحكيم العقل والشرع والقضاء العام، وليس الانزلاق نحو العاطفة والسِباب و الفتن.