اللغة التركية داخل اللهجات العربية!
- جري سالم الجري,
- Sep 07, 2018
أول فترة تعمقي بدراسة اللغة التركية، في الفصل الدراسي الأول، كنت في قمة التمتع حين تصادف كلمة تركية أجدها في عاميتي الكويتية. المتعة ذاتها كانت عند زملائي من مختلف الأوطان العربية، سوريا والعراق ومصر وغيرهم مثل المغاربة أصدقائي الذين لديهم شغف كبير بتعلم اللغة التركية. الظريف بأنه لم يتفاجأ أحدٌ منهم من حقيقة احتواء كل لهجة واحد منهم كلمات من اللغة التركية؛ بل الكل كان يتوقع ذلك، ولكن الاندهاش كان بكمية تلك الكلمات!
قلت لنفسي، كأن سلطاناً عثمانيا مزق أوراق معجم اللغة التركية، وأودع الورقات عشوائيا في كل بلد عربي. لندخل فندقاً مليئاً بالعرب ونسمعهم يتكلمون، تجد السوري يسمى محفظته جزدان cüzdan ليدفع للمصري رسوم البقاء في الفندق، فيبتسم المصري له ويقول "تفضل مفاتيح الأوضا oda". أما الكويتي الذي يشتكي من عطل الإضاءة في الفندق فيقول "اللمبة lamba خربانة يا جماعة!". أما العماني الصغير فسيحذر والده من وجود نار بالشقة ويقول آتش ateş، وأما السعودي فيضع فنجان قهوته على الماسا masa. واللبناني سألوه عند البوابة الرئيسية سؤالا محيرا فكان جوابه لكل سؤال هو بلكي belki؟ وأما العراقي فأراد وصف صاحبه بالثراء، فيغمز بوجهك ويقول "أبو علاوي زنگين zengin!" فهل يعقل أننا العرب نتحدث التركية ونحن لا نعلم؟
ردعا للجدلية القومية، أيهما أثر بالآخر أكثر، العربية أم التركية؟ الجواب الموضوعي هو بالتأكيد أن العربية الفصحى أثرت بالتركية أكثر بكثير من تأثير التركية لها؛ لكن اللغة التركية أثرت بالعربية العامية أكثر من تأثير العربية على العامية التركية، لأن احتكاك الأتراك كان مع العباسيين وأحفادهم، وتلقيهم للغة كان من باب الدين وليس التجارة التي تعتبر هي مورد العاميات. ومن الملحوظ كذلك أن تأثير اللغة التركية على العاميات العربية شبة معدوم حاليا، بعد الانفصال العربي-التركي في أزمة سقوط الخلافة العثمانية. لكن من المشوق جدا لمتذوقي اللغة أن أبشرهم بأن العرب يخترعون كلمات تركية محضة حتى بدون اتصالهم بالأتراك تماما!
ففي صحارى السودان أو في جبال اليمن وحتى لو في الربع الخالي، ستسمع من العرب من يستخدم قاعدة "جي-چي" التركية التي تنص على إرفاق إحدى هاتين الأداتين في نهاية أي كلمة، كتعبير عن المهنة أو الوظيفة. مثلا شاي-چي، قهوا-جي، أو بحال الازدراء فلسفچي ومصلحچي. فبهكذا أداة لغوية تُرفق بإبداعات عفوية عربية، "يُؤترك" العرب لهجاتهم وهم لا يعلمون. يبدو أنه أكثر من الهلالات العثمانية التي بقيت في الأعلام العربية وقبب المساجد ثابت حتى بعد العثمانية، فاللسان التركي رَسخ... "راسخچي"!