تركيا تتبوأ مكانة متقدمة في قطاع الخدمات المصرفية والتمويل الإسلامي

محمد تشليك
إسطنبول
نشر في 10.08.2023 10:20
آخر تحديث في 10.08.2023 14:21
قطة تنام أمام ماكينة صراف آلي في اسطنبول، تركيا. 8 أغسطس 2023 EPA قطة تنام أمام ماكينة صراف آلي في اسطنبول، تركيا. 8 أغسطس 2023 (EPA)

حرصت تركيا منذ سنوات على تنمية قطاع صناعة التمويل الإسلامي في البلاد، ونجحت في أن تصبح مركزًا للمصرفية الإسلامية جاذب للاستثمارات

قال يوسف حسن خلاوي، الأمين العام للغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة ICCIA: "لقد قدمت تركيا مساهمات مهمة في النهوض بالصيرفة الإسلامية وجذب رؤوس الأموال من الدول الإسلامية".

تقدم تركيا نفسها كموقع جذاب لرأس المال من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وكان الترويج للتمويل الإسلامي جزءًا من خطط الحكومة لتعزيز العلاقات التجارية مع دول الخليج وتنويع قاعدة المستثمرين في البلاد.

قال الخلاوي في مقابلة مع صحيفة ديلي صباح إن موقع تركيا الرابط بين الشرق والغرب يجعل منها جسراً "ووجهة جذابة للاستثمارات من الدول الإسلامية".

ويوفر قربها من أوروبا والشرق الأوسط وآسيا إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الأسواق وفرص الأعمال. وقد استفادت تركيا بقوة من هذه الميزة لجذب الاستثمارات، بما في ذلك الاستثمارات من الدول الإسلامية.

وقطعت شوطًا طويلاً، لكن هناك دائمًا فرصة للتحسين وهناك المزيد من الخطوات الأخرى التي يجب اتخاذها للترويج للبلاد كوجهة رائدة للتمويل الإسلامي، وفقًا لخلاوي.

وقال: "يمكن لتركيا الاستمرار في تعزيز إطارها التنظيمي، وتعزيز التعليم المالي في التمويل الإسلامي، وزيادة تنوع المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتعزيز مشاركتها مع المؤسسات المالية الإسلامية والمستثمرين على مستوى العالم لزيادة دورها في تسهيل التمويل الإسلامي وجذب الاستثمارات".

تفتخر تركيا بإطار قانوني وتنظيمي شامل لدعم صناعة التمويل الإسلامي. وقد سنَّت قانون المصرفية الإسلامية عام 1983، الذي وفر أساسًا متينًا لعمليات الصيرفة الإسلامية، وتقوم هيئات تنظيمية مثل وكالة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK) ومجلس أسواق رأس المال (SPK) بالإشراف على المؤسسات المالية الإسلامية وتنظمها.

كما قامت تركيا بجملة إصلاحات تشريعية وتنظيمية لخلق بيئة داعمة للتمويل الإسلامي. وسنت القوانين والتعديلات على الأطر القانونية واللوائح الحالية لتلائم المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية "لضمان تكافؤ الفرص لمؤسسات التمويل الإسلامي"، وفقًا لخلاوي.

ومما شجع في البداية على انتشار التمويل الإسلامي في تركيا هي البنوك الإسلامية المحلية العاملة أصلاً في البلاد والمعروفة محليًا باسم البنوك التشاركية، وحتى مايو من هذا العام، لدينا ثمانية مصارف مسجلة تحت هذا البند.

وأعلنت جمعية البنوك التشاركية في تركيا (TKBB) أن لديها إجمالي أصول قدره 1.4 تريليون ليرة تركية (52 مليار دولار) حتى مايو. وهم يديرون شبكة تضم أكثر من 1400 فرع في جميع أنحاء تركيا ويوظفون حوالي 18.650 شخصًا.

وشهدت البنوك الأعضاء زيادة في صافي الأرباح بنسبة 443% ونمو حجم الأصول بنسبة 65.6% إلى ما يقرب من 1.19 تريليون ليرة تركية بحلول نهاية عام 2022. وبلغت حصتهم في القطاع المصرفي 8.4%.

سوق قوي وقاعدة مستهلكين

وقال الخلاوي: "اجتذبت البنوك الإسلامية التركية استثمارات كبيرة وحققت أرقامت كبيرة ما جعلها نموذجًا للتميز في العالم بأسره، فضلاً عن تلبية الاحتياجات المالية للسكان المحليين".

قال الخلاوي، وهو أيضًا الأمين العام لمنتدى "البركة"، إنهم يبحثون في الفرص المتاحة في تركيا، وأكد أنهم يعملون من خلال العديد من الأحداث والبرامج الكبرى التي خصصوها "لتمكين السوق التركية من خلال الفرص والوعي والتطورات التي تتطلبها مع مراعاة التحديات والتغيرات المعاصرة".

وأضاف: "نحن نقدم منصة ومنتدى عالميًا لأصحاب المصلحة من جميع أنحاء العالم لتبادل الأفكار ومشاركة أفضل الممارسات واستكشاف فرص التعاون للمساهمة في تعزيز التمويل الإسلامي وثقافة الاقتصاد من خلال تسهيل المناقشات الهادفة والمساهمة في نمو وتطوير قطاع التمويل الإسلامي في تركيا".

كما أكد الخلاوي على العديد من العوامل التي قال إنها تساهم في جاذبية تركيا كوجهة للتمويل الإسلامي وتطوير الأعمال، مشيرًا إلى حجم سوقها المحلي القوي وقاعدة المستهلكين الكبيرة والطلب على المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وأوضح: "تركيا لديها سوق محلي كبير وديناميكي، إضافة للعملاء والمستخدمين من جميع أنحاء العالم. قاعدة المستهلكين الكبيرة هذه توفر فرصًا كبيرة للشركات والمستثمرين في مختلف القطاعات، بما في ذلك التمويل الإسلامي. فالطلب على المنتجات والخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يزداد داخل البلاد، ما يعزز جاذبية تركيا كوجهة للتمويل الإسلامي".

كما أشار إلى أن الروابط والخلفية الثقافية والتاريخية الإسلامية والتراث التركي قد أرست أرضية قوية للتمويل الإسلامي الحديث والخدمات المصرفية: "هذا الإرث التاريخي، جنبًا إلى جنب مع التزام الدولة بالحفاظ على التقاليد الإسلامية، يجعل تركيا وجهة جذابة للتمويل الإسلامي وتطوير الأعمال. إنه يخلق إحساسًا بالألفة والتقارب الثقافي للمستثمرين والشركات من البلدان الإسلامية."

السياسات والحوافز

لقد نفذت الحكومة التركية على مدار السنين مجموعة من السياسات والمبادرات لجذب التمويل الإسلامي وتطوير الأعمال.

وقال الخلاوي إن من تلك السياسات تقديم حوافز للمستثمرين الأجانب، ووضع لوائح تجارية مواتية، وتسهيل ممارسة الأعمال التجارية. كما استشهد بالوكالات والمؤسسات الحكومية التي أنشأت لدعم وتعزيز التمويل الإسلامي، مثل جمعية البنوك التشاركية في تركيا TKBB وصندوق الثروة التركي Türkiye Wealth Fund (TWF).

وبحسب خلاوي، فإن قسماً كبيراً من دعم وتسهيل تشغيل النظام الاقتصادي الإسلامي، خاصة التمويل الإسلامي والمصارف الإسلامية، في تركيا يأت من خلال البنية التحتية المالية:

"تركيا لديها بنية تحتية متطورة للتمويل الإسلامي. لديها شبكة قوية من البنوك المشاركة والمؤسسات المالية الإسلامية التي تقدم مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وجود هذه المؤسسات، إلى جانب دعم قانوني وتنظيمي، يخلق بيئة مواتية للتمويل الإسلامي ويجذب المستثمرين والشركات التي تتطلع إلى الانخراط في أنشطة متوافقة مع الشريعة الإسلامية".

وأكد أن البنية التحتية الراسخة وجاهزية الدولة وتعاونها توفر فرصًا استثمارية متنوعة عبر مختلف القطاعات، بما في ذلك العقارات والزراعة والصناعة والتكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة والسياحة.

وأضاف: "تقدم هذه القطاعات آفاقًا جذابة للتمويل الإسلامي وتطوير الأعمال. إن التزام تركيا بتطوير البنية التحتية والاستثمار في الصناعات الاستراتيجية يعزز المشهد الاستثماري لمؤسسات التمويل الإسلامي والمستثمرين".

"موقع متميز"

وأشار الخلاوي إلى أن البنية التحتية القوية ومرونة السوق تجلب الانفتاح على السوق والمنتجات التي تجذب بدورها العملاء ورجال الأعمال والمستثمرين من جميع أنحاء العالم.

وقال: "هذه النقطة بالذات تأتي من جودة المنتجات والموقع الجغرافي المتميز مع مستوى منخفض نسبيًا من الحواجز التجارية، مما يسهل استيراد وتصدير السلع والخدمات".

"تحافظ تركيا على مكانتها من خلال الاستفادة القصوى من هذه العناصر، كموقع مرغوب فيه لنمو التمويل والتجارة الإسلامية، وتقوية روابطها مع الدول الإسلامية الأخرى وجذب الاستثمار الأجنبي من جميع أنحاء العالم."

ووفقًا للخلاوي، فإن التكوين القانوني لتركيا قد خلق بيئة مفتوحة لتأسيس وتعزيز التمويل الإسلامي والمؤسسات المصرفية من خلال إنشاء بنوك تشاركية على مستوى الدولة، وتقديم مجموعة واسعة من المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والقائمة على أُسس من فهم الجوانب المالية والشرعية.

وقال إن الدولة أدركت أهمية التثقيف والتوعية المالية في تعزيز التمويل الإسلامي. وأشار إلى مبادرات الحكومة لزيادة الوعي والفهم للتمويل الإسلامي بين الجمهور والشركات والمستثمرين. ويشمل ذلك تنظيم الندوات وورش العمل والبرامج التدريبية لنشر المعرفة حول مبادئ وممارسات التمويل الإسلامي.

وقال الخلاوي: "تُظهر هذه الإجراءات حرص تركيا على النهوض بالصيرفة الإسلامية وترسيخ مكانتها كموقع رئيسي في هذه الصناعة".

"لقد أحرزت تركيا تقدمًا كبيرًا نحو جذب التمويل الإسلامي وترسيخ مكانتها كمركز للتمويل الإسلامي من خلال سن تشريعات داعمة وتشجيع التوسع في البنوك الإسلامية وتوسيع سوق الصكوك،وإقامة تحالفات دولية وزيادة الوعي المالي والاستثمار في البنية التحتية".