بعد قرنٍ من الزمان.. هل آن لجثمان لينين أن يُوارى الثرى؟
- ديلي صباح ووكالات, إسطنبول
- Jan 26, 2024
تعد جثة لينين المحنطة واحدة من أكبر معالم الجذب في موسكو، فهي تلقى اهتمام مزيجٍ من السياح والشيوعيين الذين يتوافدون بأعدادٍ كبيرةٍ لزيارة قبره. لكن معظم الروس يتفقون الآن وبعد مرور قرن على وفاته، على أن الوقت قد حان لكي يودّع لينين قبره العام في الساحة الحمراء.
وترقد الجثة المحنطة للزعيم الثوري الروسي فلاديمير إيليتش أوليانوف المعروف باسم فلاديمير لينين، مرتديةً بدلةً جميلةً في ضريح بني خصيصاً لها، في الساحة الحمراء في موسكو.
ولد لينين عام 1870 وتوفي عام 1924، ولا يزال السياح إلى اليوم وبعد مرور عقود على انهيار الاتحاد السوفييتي الذي أسسه، يأتون لرؤية مؤسس النظام العالمي الجديد، في تابوته البلوري ذي الإضاءة الخافتة.
ويعد الموقع أيضاً مكاناً لحج الشيوعيين الروس، الذين وضعوا الزهور والأكاليل، لإحياء الذكرى المئوية لوفاته.
ويأتي الضيوف على مدار أيام الأسبوع بأعدادٍ كبيرةٍ من جميع أنحاء العالم، من النساء والأطفال والأزواج إلى فصول المدارس بأكملها، لمشاهدة الضريح الضخم الذي يخضع لحراسة مشددة من قبل حرس الدولة المسلح التابع للكرملين.
ويتوافد الناس لرؤية مومياء الرجل الذي أسس، بعد 5 سنوات من ثورة أكتوبر/تشرين الأول الاشتراكية عام 1917، أول دولةٍ شيوعيةٍ في العالم بقيادة العمال والفلاحين.
وعندما سُئلت إحدى زائرات الضريح عن السبب الذي دفعها للقدوم، أجابت المرأة البالغة من العمر 56 عاماً: "لينين، إنه رمز لتاريخنا"، بينما تمضي بالسير هي وصديقتها على طول جدار الكرملين في صمت المقبرة الشتوي، في استعراضٍ للّوحات والنصب التذكارية للقادة السياسيين الآخرين، قبل أن تدخلا الضريح لمشاهدة رأس لينين ووجهه الذي يشبه لون بشرته الحقيقة، وكذلك يديه التي تشبه دميةً من المعجون.
ويُطلب من الزائرين مغادرة الغرفة التي تضم أشهر جثة في روسيا بسرعة، ما يجعل الناس غير قادرين على التوقف أو التحدث بعكس ما قد يختاره الكثيرون، بسبب فضولهم لإلقاء نظرة فاحصة على حالة الجثة التي تم تحنيطها بتكاليف باهظة في عملية سرية كلّفت ملايين الروبلات.
وصفة سرية للتحنيط
ويستمر المسؤولون عن الحفاظ على لينين، بوضع جثته في خليط خاص، داخل حوضٍ في معهد الأبحاث الروسي للنباتات الطبية والعطرية كل عامين أو نحو ذلك. وتقول تقارير إعلامية روسية إن العلماء يقومون أيضاً بحقن أجزاء من جسده بمواد حافظة.
وما تزال وصفة سائل التحنيط، الذي يقال إنه عديم اللون والرائحة وغير سام، سرية. ومع ذلك، فمن المعروف أنه تم استخدام الفورمالين والبوتاسيوم والغليسيرين عندما تم تحنيط لينين لأول مرة، بينما يتم الاحتفاظ بدماغه بشكل منفصل.
ويمكن للزوار رؤية وعاء التحنيط الأول في مكان وفاة لينين في غوركي لينينسكي، على بعد أقل من ساعة بالسيارة من موسكو، وكان هذا المكان في السابق ملاذاً ريفياً للينين، الذي اعتاد على زيارة متنزه العصر القيصري الواسع وفيلاته. ومن هنا قاد في المقام الأول الإمبراطورية العملاقة، التي أضعفها الإرهاب الأحمر الذي مارسه البلاشفة قبل اندلاع الحرب الأهلية.
وتوفي لينين على السرير في غرفته الصغيرة في مبنى فخم حوله الثوار، ونُقل بعد ذلك إلى إحدى المصحات. ويوجد في الغرفة قناع وفاة لينين خلف الزجاج، لكن كل شيء آخر ظلَّ كما كان وقت وفاته. كما أن جميع الساعات في المبنى، الذي كان قبل الثورة منزلاً لعائلة ثرية، ظلت متوقفةً عند الساعة 6:50 مساءً.
ومن الشائع أن لينين أصيب بسكتة دماغية، لكن سبب وفاته في وقت مبكر جداً عن عمر يناهز 53 عاماً ليس واضحاً تماماً. ومن المعلن رسمياً أنه كان مصاب بتصلب الشرايين الشديد وأنه تأثر بمحاولة الاغتيال كأسبابٍ محتملة. وفي 30 أغسطس/آب 1918، نجا لينين من محاولة اغتيال قامت بها المخربة فاني كابلان.
ومع ذلك، فإن العديد من الزوار يبحثون من خلال زيارة ضريح لينين، عن الإحساس بما كانت عليه الحياة في روسيا في العصر القيصري.
وتقول دليلة المتحف الشابة: "ربما يكون لينين قد دمر النظام القديم، لكنه قدّر المخزون واللوحات والأثاث وحافظ عليها كجزء من التاريخ". وعندما سئلت، قالت إنها تؤيد دفن لينين في الأرض. وتقول: "يجب أن يستريح".
الجدل حول الدفن
ظلَّ هذا الأمر محل نقاش لفترة طويلة، لكن الاستطلاعات تشير إلى أن معظم الروس يؤيدون دفن لينين أخيراً. وهي أيضاً خطوة تفضلها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
ومن بين المعارضين للفكرة، السياسي فلاديمير ميدينسكي، الذي تربطه علاقات وثيقة بالكنيسة والرئيس فلاديمير بوتين.
ومن تناقضات التاريخ الروسي في عهد ميدينسكي، المسؤول عن محتوى الكتب المدرسية، أن بوتين نفسه كان يحتقر الثورات وقادتها مثل لينين. كما ألقى بوتين باللوم على الزعيم السابق للحركة العمالية العالمية في تدمير الإمبراطورية الروسية.
وبالرغم من ذلك، فإن لينين موجود في كل مكان حتى في عهد بوتين، مع وجود العديد من المعالم الأثرية الضخمة له في موسكو وحدها. ويحمل مترو العاصمة الروسية المشهور عالمياً أيضاً اسم لينين.
أما عن رأي بوتين بالقضية فقد عبّر ذات مرة: "فيما يتعلق بالجسد، في رأيي، لا ينبغي لمسه"
وشدد الرئيس على أنه لا يزال هناك الكثير من الناس في روسيا، يربطون معظم حياتهم بلينين و"بعض إنجازات الماضي، وإنجازات الاتحاد السوفيتي". وما دام الأمر كذلك، فلا ينبغي أن تتغير قدسية الشخصية في نظره.
إرث تاريخي مثير للجدل
يشير العديد من المؤرخين الغربيين على وجه الخصوص، إلى أن لينين مهّد الطريق أيضاً للإرهاب الأحمر.
وتقول مؤرخة أوروبا الشرقية تانيا بينتر: "لقد استهل لينين حقبة جديدة مع التجربة الاشتراكية. ومن الواضح أنه كان أيضاً رائداً في عهد الإرهاب والعنف الذي اتّبعه خليفته ستالين".
ويقول بيتر، الأستاذ في جامعة هايدلبرغ في ألمانيا: "كان لينين مبتكراً راديكالياً يؤمن بتعصب بصحة قضيته". "ولقد كان طاغية واصل تحقيق أهدافه بلا رحمة رغم كل الصعاب".
هذا وقد تم هدم النصب التذكارية للينين في العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة، بما في ذلك أوكرانيا، التي تعاني من حرب بوتين.
ولكن في روسيا، لا يعتبر هذا الأمر وارداً إلى الآن. بل أصبحت رموز عهد الإرهاب رائجة في عهد بوتين، كما يتبين من المكانة الدينية الدائمة لخليفة لينين، جوزيف ستالين.
وتشير وسائل الإعلام في موسكو أيضاً إلى أن جثمان لينين سيكون له مستقبل مهم. ويعد الضريح الذي يحتوي على رفاته منطقة جذب سياحي تشبه برج إيفل في باريس أو الكولوسيوم في روما.
وبالرغم من كونه ربما الشخصية التاريخية الأكثر موتاً في العالم، فإن هذا الزعيم الثوري الذي كان الغرب يخشاه ذات يوم، يشكل جزءاً حياً من الهوية الروسية، ومعلماً سياحياً حيوياً. ويبدو أنه مستعد للبقاء كذلك في الوقت الحالي.